الوزير التقي بن سيدي لموقع الفكر: كلفني ولد الطايع بإعادة جو الثقة الذي كان سائدا من قبل بين موريتانيا وطل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي

العلاقة مع النك وصندوق النقد الدوليين: 

الوزير التقي بن سيدي: تم استدعائي إثر الانقلاب على الرئيس محمد خونه بن  هيداله.

وكان معاوية زميلي  في الدراسة  وحصلنا على شهادة الباكلوريا  في نفس العام، فالتحق هو بالجيش أما أنا فأكملت دراستي، فعينوني وزيرا للاقتصاد، وفي تلك الأثناء التي استدعيت فيها كانت العلاقة سيئة مع المنظمات المالية  الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبعض الممولين الآخرين لأسباب عدة منها اتخاذ بعض القرارات كقطع أيدي السراق وأشياء مثل هذا، ولم يكن ذلك مما  يعجب الغربيين أو يرضون عنه و على كل حال أتيت هنا والوضع الاقتصادي مترد، وكانت العلاقات مع الممولين الدوليين كصندوق الدولي والبنك الدولي متوقفة والمديونية في ازدياد مطرد، فكلفني الرئيس ولد الطايع بمهمتين أولاهما هي  محاولة إعادة جو الثقة الذي كان سائدا من قبل بين موريتانيا والممولين وأساسا البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والممولين الآخرين.

 وثانيهما خفض المديونية  وحاولنا أن نجد حلا للمديونية، فنحن كما تعلم لم نكن في لائحة الدول الفقيرة التي ليست لها إمكانيات  فتلك الدول المعترفة بفقرها لا تحصل إلا  على مديونية خفيفة وتمويل بشروط ميسرة فارتفعت مديونيتنا بسبب محاولتنا للبقاء في لائحة الدول الغير فقيرة، فعقدت أول اجتماع  في باريس  شمل جميع الممولين سواء الممولين الغربيين أو الممولين العرب وحصلنا فيه على ما كنا نريد، فحققنا فيه زيادة في التمويلات بشروط معينة غير صعبة وبقيت مشكلة المديونية؛ لأن الانضمام للائحة الدول الفقيرة كان لا بد فيه من المرور عبر الأمم المتحدة، والحسم فيه يحتاج تقريرا من الجمعية العامة إذا قبلته يمكن الانضمام  إلى اللائحة وإذا رفضت نظل  مثل ما كنا  ولا بد من إيجاد طريقة لتسديد الديون، ولن تحصلوا على قرض إلا بشروط صعبة، فذهبت حاملا رسائل لبعض الدول منهم رئيس فرنسا ورئيس الحكومة الألمانية، ورئيس الحكومة الإسبانية، ورئيس الجزائر، وكان منهم أساسا رئيس حكومة النمسا ولأن النمسا هي من قدمت  لنا القرض الذي بنيت به مصفاة النفط في نواذيبو.

ودخلنا في تلك المبادرة وبعد نجاحنا فيها قبلوا أن يخففوا عنا المديونية وأن تكون القروض الجديدة بفوائد محدودة وكان هذا انفتاحا على الممولين ووجدنا حلا للمديونية وحللنا هاتين المشكلتين، فناداني الرئيس وقال لي: أنت نجحت في مهمتك نجاحا باهرا جزاك الله خيرا، والآن أريد أن أكلفك بوزارة الصيد وكان ذلك منتصف من 1985م.

 

موقع الفكر: ماذا عن القروض التي حصلتم عليها؟

الوزير التقي بن سيدي: نحن كان لدينا مشروع استثماري قدمناه في الاجتماع بباريس، وكان القرض الأول الذي حصلنا عليه بقيمة  500 مليون دولار مصروفة في قطاعات عدة منها: الزراعة، والصيد، والتنمية، والتعليم، وحصلنا على ما كنا نطمح إليه من التمويلات وزدنا عليه وكان أكثره هبات ونسبة القروض منه قليلة، وكانت هناك شروط لا بد من تحقيقها  وبغير تلك الشروط  لن تحصل على قروض ولا تمويلات، كانت هناك شركات للدولة بلا مردودية، كشركة كانت للنقل العمومي لم نربح منها شيئا مع أنها تستنزف ميزانية الدولة فصفيناها، كما فعلنا مع شركة (سمار) و أعددنا برنامجا تضمن تخلص الدولة من الشركة على أن تباع نسبة كبيرة منها للبنوك أو رجال الأعمال والنسبة الأخرى لأي مواطن يرغب في الاستثمار فيها، وزعناه بهذه الطريقة كي تكون هناك فرصة للشعب وأظنه كان الثلث، لكن أحد الوزراء أفسد ذلك كله وباع الشركة لمجهولين، وأنا بصفتي وزيرا للتخطيط امتنعت عن التوقيع على الأمر، وتم تنفيذه؛ لأنه وقع من طرف الوزير المعني مباشرة وبان تجاهله لقرارات البنك الدولي، لأنه كان يجب أن يكون البيع  عن طريق إعلان مناقصة فتباع الشركة لمن دفع أكثر، و كنا نريد أن نمكن الجميع من المساهمة في هذه العملية لأنها من مال الشعب الموريتاني ويجب أن يستفيد منه الجميع، خاصة الضعفاء ،ولكن ذلك لم يحصل، وتزامن ذلك مع مغادرتي للوزارة.

 

موقع الفكر: يوم وصول  الرئيس معاوية إلى الحكم كان كلغ. الأرز ب13 أوقية، وكانت شركة "سونمكس" توفر المواد الأساسية، وكان سعر صرف العملة مرتفعا، فنظام هيداله في تلك الفترة له بعض الإنجازات، مثل اكتتاب الكثير من الأساتذة في سلك الوظيفة العمومية، وبعد وصول الرئيس معاوية إلى السلطة توقف التوظيف، فقد كان القضاة يوظفون من المعهد العالي بشكل منظم ومثلهم الأساتذة وتوقف كل هذا، وتم الاحتيال على الراتب لدرجة أنه بعد الانقلاب أصبح كلغ. الأرز ب27 أوقية، إذن، فقد تم الاحتيال على رواتب الموظفين، ولم يصحب ذلك زيادات معتبر في الرواتب فهل كان هذا من ثمرات التعاون مع المؤسسات الدولية؟

الوزير التقي بن سيدي: أنا غادرت السلطة قبل "سونمكس" و لم أكن موافقا على تلك القرارات، والكثير من الشائعات لم تكن صحيحة، لن يفرض على أي كان إلا ما قبل به، ولكن يجب أن يتوفر فيك من الذكاء والمعلومات والقوة ما تقنع به الناس، فالممولون عندما تقنعهم أنك على الطريق الصحيح يسيرون معك فيه ولكن عندما تعجز عن إقناعهم فلديهم أيضا طريقتهم الخاصة هذه هي الإشكالية، والممول والدولة ليس محتما عليهم الاتفاق في اللقاء الأول أو الثاني أو الثالث، لكن تجب مواصلة الحوار حتى تتمكن من إقناعهم أو تعجز عن ذلك، لكن يجب على الإنسان معرفة قدراته فأنت لا يمكن أن تفرض شيئا على إنسان أقوى منك، وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرها من المؤسسات لا بد من التعامل معها باحترافية وصبر، وطول نفس.. وعندما يكون التعامل مع الأمر فقط بالغضب وقطع العلاقات فهذا تصرف خاطئ، خاصة إن كانت الدولة دولة ضعيفة مثل دولتنا لا يمكن أن تعاملهم بصبر، و الدول الأقوى منا لا يمكن أن تفعل  هذا معهم، فالإنسان يجب أن يتعامل بحرفية مع الناس حتى يحصل على مراده أو يحصل على أكثر ما يمكن الحصول عليه أما أن تبدأ باختلاق المشاكل أو الانجرار وراء رؤية الشارع، فالشارع بعيد عن الواقع، وقرارات الدولة لا بد فيها للمسؤول من الالتزام بمسؤوليته، والعلاقات مع الممولين أدرى أنت بها من الشارع، فالشارع همه أن يبقى السعر المباشر للكلغ. ثابتا، إذا كان يشتريه بالأمس ب200 أوقية وأصبح اليوم بأربع مائة أوقية, ودور المسؤول  معرفة ما يجب فعله، إذا لم يكن للمواطن دخل ولم يكن له قوة اقتصادية يواجه بها هذا الوضع فمن واجب المسؤول  إيجاد طريقة ما تخفف عنه ولكن هذا دائما ما الكثير منه الشائعات  وهي غير حقيقية.