دعونا نتجاهل أن اللغة العربية هي اللغة التي اختارها الله جل جلاله لأن ينزل بها آخر كتبه، ويجعلها وعاءً لشريعته، وبالتالي فعلى كل مسلم أن يهتم بها وأن يدافع عنها؛
دعونا نتجاهل كذلك أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية لأهل هذه البلاد بنص المادة السادسة من الدستور، وأن على كل من يسعى بحق لبناء دولة القانون والمؤسسات أن يطالب بتفعيل هذه المادة المعطلة منذ أكثر من ثلاثة عقود؛
ثم دعونا أخيرا نتجاهل أنه لا يمكن لأي دولة في العالم أن تتقدم دون حسم هويتها، وأن الشرط الأول في حسم الهوية هو حسم مسألة اللغة، وأننا في هذه البلاد تأخرنا في حسم مسألة اللغة رغم مرور أكثر من ستة عقود على الاستقلال.
دعونا نتجاهل كل ذلك، ونتحدث فقط بمنطق المصلحة الآنية للمواطن...
ألا يعد تقريب خدمات الإدارة من المواطن من المطالب الملحة التي يجب أن يرفعها كل من تهمه مصلحة المواطن؟
ألا تعد مخاطبة المواطن بلغته الرسمية التي يفهمها، أو يفترض فيه أنه يفهمها، هي أول شرط من شروط تقريب خدمات الإدارة من المواطن؟
ألا يشكل الاستمرار في مخاطبة الإدارة للمواطن بلغة أجنبية غير دستورية لا يفهمها إساءة كبيرة لهذا المواطن؟
هذه بعض الأمثلة السريعة على خطورة مخاطبة المواطن بلغة أجنبية لا يفهمها.
(1)
حدث في الأسابيع الماضية، وبعد أزمة بطاطس، أن بيعت أنواع من البطاطس غير صالحة للاستهلاك البشري مما شكل خطرا على صحة المواطنين..هذه البطاطس كُتب عليها باللغة الفرنسية أنها غير صالحة للاستهلاك البشري، ومع ذلك تم بيع كميات كبيرة منها في العاصمة نواكشوط، وفي بعض ولايات الوطن الأخرى دون أن يفطن أحد للتحذير الذي كُتِب عليها...تصوروا أن التحذير كُتب باللغة العربية، فهل كان بالإمكان في هذه الحالة أن تباع من هذه البطاطس خنشة واحدة دون أن يثير ذلك ضجة كبيرة؟
(2)
في إحدى القرى الموريتانية تعاقد سكان قرية مع شركة بخصوص جلب وتثبيت مضخة مياه في القرية.. بدأت المضخة تشتغل، وكانت عندما تتعرض لبعض الأعطاب الخفيفة يتولى الأهالي عملية الإصلاح من خلال جلب فني..في إحدى المرات تعرضت المضخة لخلل كبير كانت كلفة إصلاحه كبيرة مما جعل أهل القرية يستنجدون بقريب لهم في العاصمة نواكشوط يحتل وظيفة كبيرة في الدولة..قريبهم هذا طلب منهم أن يأتوه بالعقد الذي أبرموه مع الشركة، وكان في العقد بند يلزم الشركة بإصلاح أي خلل يقع خلال فترة معينة، ولكن المشكلة أن العقد كان باللغة الفرنسية، وأهل القرية لا يعرفون الفرنسية التي وقعوا العقد بها...تكبد أهل القرية تكاليف إضافية ما كان لهم أن يتكبدوها لو كان العقد باللغة الرسمية لبلدهم، وهي اللغة التي يفهمون.
( 3)
المثال التالي وصلني من صديق عبر رسالة خاصة، وهذا نصه :
في السنة الماضية وصلني إعلان متداول مفاده أن أحد البنوك يعطي لزبنائه من أهل التعليم سلفة تصل 31 شهرا. وتقتطع منهم نسبة 12.5 في المائة فقط.
فاعتبرتها فرصة وبادرت بمغادرة البنك الذي كنت زبونا له وفتحت عند البنك المذكور وأخذت السلفة وأعطوني نشرة من الاوراق بالفرنسية لأوقع على ما فيها، ووقعت بالفعل.
وبعد شهر اكتشفت أن نسبة الاقتطاع تصل إلى نصف راتبي كل شهر لمدة عشر سنوات.
هذا كله بسبب أن العقد الذي وقعته كان بلغة لا أفهم منها كلمة، وأنا أستاذ وحاصل على ماستر وأحضر لدكتوراه، فكيف بمن هو دوني تعلما؟
(4)
المثال الأخير هو عبارة عن تعليق لأحد الأصدقاء على أحد مناشيري في الفيسبوك:
"أتذكر مرة كنت وصديق في رحلة في الداخل، وصادفنا رجل كبير طلب منا معرفة موعده الطبي بعد أن سلمنا وصفة طبية كتب عليها الموعد بالفرنسية، والذي كان فات للأسف بشهر تقريبا.
علق الرجل بحزن أثر فينا "لو كان كتبول بالعربية ما يتخطي غير لغة النصاري مانعرفه ولا حذاي حد يعرفها"!!