بقلم: محمد يحيى ابن احريمو
قال صلى الله عليه وسلم: "أخوف ما أخاف على أمتي منافق يجادل بالقرآن" نعيش الآن مصداق هذا الحديث في أحمدو ولد حبيب الله وهو يوزع المنشورات الصريحة في الكفر والارتداد شرقا وغربا، ويقول: إن اليهود والنصارى ناجون في الآخرة، وأن الديانات الإبراهيمية سواء، وأنها بمثابة المذاهب الاسلامية من تمسك بواحد منها نجا. ويحتج ببعض الشبه الفاسدة التي لا يخفى فسادها على عاقل، كقوله تعلى: (وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه) متغافلا عن سياق الآية الكريمة، فهي معطوفة على ما قبلها: (وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين) فهذا الأمر كما قال العلماء وكما هو واضح من سياق الآية سابق على الإسلام، وهو محكي للتعبير عن شرع سابق، ولهذا عطف على قوله تعلى: (وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور) والتقدير: وقلنا ليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه. ويوضح ذلك قراءة حمزة: (ولِيحكمَ أهل الإنجيل) بكسر اللام، فهي عنده لام كي المفيدة للتعليل. وأهل الإنجيل هم قوم عيسى أما بعد نزول القرآن الناسخ لجميع الشرائع فقد نسخ الإنجيل ودرج أهله.. ولهذا قال تعلى في حق القرآن: (وأنزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه) ولم يقل ذلك في الإنجيل.
وإن مما نزل في الإنجيل صدق محمد صلى الله عليه وسلم وكونه خاتم النبيين.
إن ما يرمي اليه هذا الرجل ومن شايعه سبقهم إليه بعض أحبار اليهود والنصارى وأكابر المستشرقين، وذلك أنهم لما تيقنوا صدق النبي صلى الله عليه وسلم بما ظهر من معجزاته، وإخباره بالمغيبات وشاهدوا نور الوحي الذي لا يخفى إلا على أعمى البصيرة؛ بهتوا لذلك فقالوا: هو صلى الله عليه وسلم مبعوث الى العرب فقط، وليس الأعاجم من اليهود والنصارى معنيين برسالته، وقد رد عليهم العلماء وتواتوت نصوص القرآن والسنة على رد قولهم (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا) ومع ذلك فهذا الرجل مقر بعموم بعثته صلى الله عليه وسلم كما أخبرني بذلك أمس، ولكنه يتبع مثل هذه الشبهات ويغفل عن مؤدى قوله ولازمه والعياذ بالله. واعجب لمن ينكر السنة ولا يثق بنقل أمة خصها الله بالإسناد والرواية، ويرى العمل بالإنجيل الذي نزل على عيسى قد فقد منذ مئات السنين.
ومن الشبهات التي يتعلق بها قوله تعلى: (إن الذين آمنوا والذين هادون والنصارى والصابين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجر عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) ولو نظر هذا الرجل في كتب التفسير وأسباب النزول لعلم أنها نزلت لما سأل سلمان الفارسي عن قوم من النصارى صحبهم في الجاهلية وذكر من عبادتهم وتقواهم.. فجاء الجواب عاما حيث علق الأمن والنجاة في الآخرة على الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، وولا إيمان ولا عمل صالحا دون الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم والتقيد بشرعه، منذ أن أرسله الله إلى الناس كافة. والآية على كل حال تتحدث عما قبل البعثة كما هو واضح من سبب نزولها وسياقها.
وبعد فقد قال تعلى: (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق) وقال سبحانه: (يأهل الكتاب آمنوا بما أنزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت) وقال سبحانه: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) وقال سبحانه: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيئين لما آتيناكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتومنن به ولتنصرنه) والآيات في هذا المعنى تفوق الحصر والمسلمون مجمعون عليه.
إننا نطالب فخامة الرئيس بإلجام هذا الضال وإيقافه عند حده، من خلال اعتقاله ومنعه من التواصل مع الناس وبث هذه السموم بينهم، وقد كثر متابعو صفحته، وعبر بعض الغوغاء عن تصديقه فيما يقول، والإعجاب بأطروحاته الزائغة. وها هم شلة الإلحاد ورموز الشر والفساد شرقا وغربا يغازلونه ويدافعون عنه.
لا بد من توقيف الرجل والنظر في هذه الوقائع وتطيبق حكم الشرع في صاحبها، وإلا فسيكون ما لا تحمد عقباه من فتنة في الأرض وفساد كبير، وما فتنة ولد امخيطير ببعيد. وخير ما تحصن به البلاد من الإرهاب والفساد حماية المقدسات والضرب على أيدي أهل الشر.
إن أعظم أصول ثلاثة اجتمعت في هذه الفتنة وهي إنكار السنة - وبه مهد الرجل منذ أشهره لفتنته- والجهل بلسان العرب ، وهذا الرجل صرح مرارا بإنكار السنة، وظهر جهله بلسان العرب وأساليبهم، واتباع المتشابهات وهو بيت القصيد فإن من اتباع المتشابهات وترك المحكمات التعلق بفهم خاطئ لآية واحدة والإعراض عن عشرات الآيات والأحاديث المتواترة على عموم بعثة وضلال من لم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وكفره.
وهذه فرصة لدعوة من يسمون بالإبراهيميين إلى الاعتبار بما حصل، فخطابهم بلا شك وخطاب آخرين من أمثال الشنقيطي -من جملة أسباب ما نراه اليوم. وهم مطالبون بالابتعاد عن كل ما يوهم وحدة الأديان، ووضع النقاط على الحروف، والتفريق بين التعايش والتسامح في حدود ما يقره الشرع، والتماهي مع الآخر والتخليط على العوام. وأعظم المصالح وأولاها بالاعتبار مصالح الدين خصوصا ما يتعلق بالتوحيد والعقيدة، ولا بد من إعمال سد الذرائع والاحتياط في هذا الأمر وتقديم مصالح الدين الكلية على ما عداها. والعلماء من أولئك مطالبون بمزيد توضيح وبيان. اللهم إنا نعوذ بك من موبقات الفتن ما ظهر منها وما بطن..