يُحكى فيما يُحكى أن قرية ما أصيبت بمجاعة وقحط، فطلب واليها من أهلها بأن يأتي كل واحد منهم بكوب من اللبن وأن يسكبه في قِدْر كبيرة وُضِعَت وسط القرية، على أن يتم فيما بعد توزيع ما تحصَّل من اللبن على فقراء القرية، ولقد اشترط الوالي شرطا عجيبا غريبا، وهو أن يأتي كل واحد من أهل القرية بكوبه لوحده، وأن يسكب ما في ذلك الكوب دون أن يراه أحد.
في الصباح الباكر جاء الوالي إلى القدر فلم يجد بها لبنا، وإنما وجدها وقد امتلأت ماءً!!!
هنا قد تسأل أخي الناخب، أختي الناخب: أين اللبن؟!
الجواب هو أنه لا أحد من أهل القرية جاء إلى القدر بكوب من اللبن، فقد كان كل واحد منهم يأتي بكوب ماء، وكان يقول في نفسه بأن سكب كوب واحد من الماء لن يؤثر في قدر كبيرة مملوءة باللبن.
أخي الناخب، أختي الناخبة: لا تسكب ماءً في صناديق الاقتراع يوم 13 مايو 2023، فالماء يعني هنا بلغة انتخابية فصيحة كل صوت ستمنحه يوم 13 مايو للقبيلة أو الجهة أو الشريحة أو مقابل مبلغ مادي زهيد أو أي مصالح شخصية أخرى مهما كانت طبيعتها، أو تمنحه استحسانا لكلام معسول قد يأتي من بعض المعارضين، ولكنه يبقى في النهاية مجرد كلام عابر لن يغيّر من واقعك نحو الأفضل.
لو كان الكلام يمكن أن يغيّر حال هذه البلاد لتغير حالها إلى الأفضل، فمنذ بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي وحتى اليوم، ونوابنا الموقرون لم يتوقفوا عن الكلام، فنواب الموالاة لم يتوقفوا عن تثمين إنجازات الأنظمة المتعاقبة، ونواب المعارضة لم يتوقفوا عن جلد تلك الأنظمة، ونقدها بأقسى العبارات، ومع الاعتراف بأهمية النقد في العمل السياسي المعارض إلا أنه في نهاية المطاف لا شيء تغير على أرض الواقع.
دعنا نسأل هنا: ماذا استفاد المواطن من اكتفاء نواب الأغلبية بتثمين العمل الحكومي؟ وماذا استفاد المواطن من اكتفاء نواب المعارضة بنقد الأنظمة الحاكمة؟
الجواب على هذه الأسئلة يؤكد بأننا اليوم في أمس الحاجة إلى نواب يفكرون من خارج الصندوق، يؤمنون بأن دورهم لا يقتصر فقط على الكلام، تثمينا كان أو نقدا. إننا اليوم بحاجة إلى نواب يمتلكون القدرة والجاهزية لإطلاق المبادرات الإصلاحية ذات النفع العام، هذا فضلا عن قدرتهم على أداء أدوارهم التقليدية بكفاءة، والتي تتمثل في سن القوانين ورقابة العمل الحكومي.
أخي الناخب أختي الناخبة،
لقد آن الأوان لأن تتوقف عن سكب الماء في القدر، فاسكب فيها هذه المرة لبنا، وستجني ثمار ذلك خلال السنوات الخمس القادمة بإذن الله، واللبن يعني بلغة انتخابية فصيحة كل صوت تمنحه لمن هو جدير بذلك الصوت، أي لكل من يُشهد له بالوطنية والاستقامة، ويمتلك القدرة على إنتاج الأفكار وإطلاق المبادرات الإصلاحية ذات النفع العام.
حفظ الله موريتانيا..