تضيق دوائر الاختيار شيئا فشيئا أمام القوى السياسية في موريتانيا تجاه الانتخابات الرئاسية التي يقترب وقتها، ويتعزز الأمر بالنسبة للقوى المعارضة التي يرى بعضهم أنها تعيش أسوء أوضاعها السياسية في ظل ترهل شديد في خطابها وتراجع في شعبيتها ومواقفها.
وإذا تجاوزنا المظاهر فإن وضع الأغلبية ليس بأحسن حال، فرغم كبر التجمع الذي تجمعه المنافع ويفرقه السوط والعين الحمراء، بسبب أن ولائه للكرسي وليس للمبادئ والقيم، يدور مع السلطان حيث دار، خلافا لما ترى الأغلبية في نفسها من أنها وجدت ضالتها في برنامج رئيس الجمهورية الذي رفع سمك الحياة في هذه البلاد، ودفع بعجلة التنمية والاقتصادإلى الأمام، ولايعني هذا تزكية المعارضة و التي ترى في نفسها حارس القيم والمبادئ المدافع عن العدالة والحرية، بقدرما هو تشخيص لواقع نخبنا السياسية التي نتمنى أن لاتكون من مصائبنا الكباركما يقول البعض.
فالطبقة السياسية دون شك تعيش أزمة عميقة وتحولات جذرية، وما يراه البعض من قوة الأحادية السياسية ماهو إلا معبر لتحولات جذرية معتبرة ربما تكون قادمة في القريب العاجل على حد تعبير أحدهم.
ومن هنا فهل يمكن الحديث الآن عن ظروف مواتية لاتفاق وطني يفضي إلى مرشح توافقي.
تطرح الأسئلة نفسها أكثر من مرة وتقرع باب الاهتمام السياسي، أليس الوضع السياسي بما يعيش من اضطراب وضعف في التوازن وتباين في القطبية السياسية يتطلب تفكيرا غير تقليدي في التعامل مع الرئاسيات القادمة.
أليس الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلد، وما يعيشه المواطنون من ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، وضعف في الخدمات وانتشار للبطالة وهجرة الشباب، وتدن متواصل للرواتب في مواجهة الزيادات الطفيفة التي أعلن عنها قبل سنتين، كل ذلك ألا يتطلب تفكيرا في حوار وطني يجمع ولا يفرق يفضي إلى اتفاق وطني مع مرشح توافقي ينتهي بتحسين ظروف البلد والمواطنين.
أليست الآفاق الوطنية المرتقبة من خلال ثروة الغاز، متغيرا استيراتيجيا يتطلب تفكيرا غير مكرر، ورؤية وطنية توافقية من أجل تسييرها لصالح البلاد والأجيال.
أليس المتغير الأمني وكتلة اللهب التي يحيط بالبلاد من كل جانب، ضرورة تفرض مزيدا من التشاور السياسي من أجل إبعاد الخطر وتعزيز اللحمة الداخلية وتحصين الحدود.
أليست البلاد بهمومها ومشاكلها أكبر من أن تظل تحت تفكير رجل واحد، وقوة سياسية واحدة.
ولكن من هو المرشح التوافقي الذي يمكن أن يجمع الموريتانيين حوله.
يصعب هنا التفكير خارج الصندوق، يصعب جدا- في ظل الساحة السياسية التي تعاني في هذه المرحلة عقما غير مسبوق- الحديث عن وجود مرشح وخصوصا من خارج الأغلبية يمكن التوافق حوله، وضمن الأغلبية أيضا لا يوجد غير الرئيس الغزواني، فمالذي يحتاجه الرجل ليكون مرشحا توافقيا
بالضرورة هنالك أكثر من وسيلة ليصل إلى هذا الهدف:
أولها: الاعتراف بحجم النواقص التي يعاني منها البلد، وحجم الاختلال الذي يعانيه أداء حكومته، بدون شك نجح الرئيس في بناء الثقة فيه وفي نهجه السياسي مع النخب المعارضة قبل الموالية، لكن على حكومته التوقف عن المن على المواطنين ببعض الإنجازات التي تحققت بأموالهم ودون مدى طموحهم.
ثانيا: مستوى من التنازل السياسي لصالح القوى السياسية وخصوصا تلك الأكثر معارضة لنظامه، والتي يمكن بكل سهولة أن تجد مواقع ومواقف من أدائه تبرر لها التوافق معه والمشاركة في دعمه ليكون الرئيس التوافقي.
ثالثا: تقديم خطاب جديد، يستفيد من البرنامج السابق للرئيس، يبني عليه ولا يتقيد به، يمكن من خلاله الوصول إلى توافقات حول القضايا الوطنية الكبرى.
رابعا: مصفوصة التوافقات لايمكن أن تخرج على الاجماع حول المرجعية والهوية ومحاربة الفساد والنهوض بالتعليم والاقتصاد وحسن الحوكمة والتدبير للثروة الوطنية، وتعزيز اللامركزية والشورى، وإصلاح وعصرنة القانون بما يؤكد ويعزز الكفاح السرمدي للشعب في سعيه لأفضل حياة كريمة..
فهل تعي النخبة السياسية في بلدنا حجم المتغير الذي تمثله الانتخابات الرئاسيات القادمة، وهل يمكن لفكرة المرشح التوافقي بالفعل أن تكون واقعية وقابلة للتنفيذ، وفوق هذا وذاك، هل سيقبل الرئيس الغزواني أن يكون رئيس الإجماع حقيقة لا شعارا.