لا يخفى على المتتبع لقطاع التعليم بِشِقيْه العالي والنظامي، التطور النوعي الذي حصل خلال السنوات الأربع الماضية من عهدفخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي جعل التعليم ركيزةً أساسية من ركائز النهوض بالبلد، حيث أعلن في أول خطاب له بمناسبة عيد الاستقلال الوطني التاسع والخمسين، عن خُطّةٍ شَاملةٍ لإصلاح التعليم، تتمثل في وضع أسس "المدرسة الجمهورية الجامعة"، للرفع من مستوى جودة التعليم، والرقابة على المسارات التعليمية في مختلف جوانبها.
لقد كان إعلان المدرسة الجمهورية نقطةً فاصلةً في عهد الرئيس الحالي، ففيها يَلتئمُ الجميع، ويتوحّد الزيّ المدرسي، ويرفع المدرسُ النظامي عَقيرته بين الجميع مُعلّماً ومرشداً وناصحاً، في جَوٍ من التآخي والمحبّة، طابَعه العام وحدة المعلومة، والتزام الحضور، ومراقبة الأهل.. بعيداً عن سُوق المدارس الحرة ومزاداتها التنافسية.ولكي لا تكون المدرسة الجمهورية شعاراً فقط؛ تم بناء مجموعة معتبرة من المدارس -حتى الآن- على نمطٍ معماري مُوحدٍ.. شملت جميع ولايات الوطن الداخلية. فقد أعلن وزير الإسكان السيد سيد أحمد ولد محمد في إطار الأنشطة المخلدة لذكرى الاستقلال الثانية والستين عن بناء مائة (100) منشأة تعليمية جديدة، موزعة على النحو الآتي:
- 17 في ولاية الحوض الشرقي.
- 7 في ولاية الحوض الغربي.
- 4 في ولاية العصابة.
- 9 في ولاية كوركول.
- 12 في ولاية لبراكنة.
- 16 في ولاية اترارزة.
- 5 في ولاية آدرار.
- 4 في داخلة نواذيبو
- 21 في ولاية تكانت.
- 2 في ولاية كيديماغة.
- 3 في ولاية إنشيري.
كما أُعلن في نفس السياق عن تأهيل وترميم 100 منشأة تعلمية قديمة. ينضاف لهذه الكمية المنشآت التعلمية في ولايات نواكشوط الثلاث، التي تم تدشين بعضها، ووضع حجر الأساس لبعضها الآخر.
الجديد في النمط المعماري الموحد والمتكامل أنه:يجد فيه مدير المدرسة مكانته اللائقة، ويشعر فيه المدرس -وهو يتجوّل بين الفصول النظيفة- بالاحترام والتقدير، كما يطمئن الأهالي وهم يلقون نظرات الوداع على فلذات أكبادهم داخل حرم مدرسي آمن ومنظم، ومراقب من الجميع بدءاً بالمدير حتى البواب.
وتعزيزاً لمكانة المدرسة الجمهورية فيما يتعلق بالإشراف على عملية التدريس، تم اكتتاب مجموعات متفاوتة من المدرسين. ورغم أن بعض هذه الاكتتابات -أحياناً- شَابَهُ التّسرع، وطبعته العجلة في اختيار المُعلّم الكُفؤ، الذي يتولى الإشراف على أهَمّ مرحلة من مراحل تكوين وتعليم الأطفال؛ إلا أنها بلا شك كانت رَوافِدَ مُهمة، عزّزت ريادة المدرسة الجمهورية، وطاقم التدريس عموماً بطاقات شبابية، ما زالت في أوجه عطائها وحيويتها.
وفي مجال التعليم العالي هناك عناية لا بأس بها، تمثّلتْأساساً في توسعة جامعة نواكشوط العصرية، "المركب الجامعي الجديد"، وتشمل هذه التوسعة:
1- كلية القانون بـ: 4. مدرجات. 81. مكتباً. 80. فصلاً دراسياً.
2- كلية العلوم والتقنيات بـ: 38 مختبراً. 10. مدرجات. 80. فصلا دراسياً.
3- كلية الآداب بـ: 11 مختبراً لغوياً. 73. مكتباً. 35. فصلا دراسياً.
4- كلية الطب بـ: 5. مدرجات. 14. فصلا دراسياً.
هذا إضافة إلى إنشاء بعض المعاهد العلمية والمهنية التابعة للمدرسة العليا متعددة التقنيات.كما تم وضع حجر الأساس لبناء 3 منشآت للتعليم العالي والفني، خلال الأسابيع الماضية، وهي:
- مدرسة للتكوين المهني والفني في مجالات الطاقة والبترول والغاز.
- مدرسة عليا للتجارة، بمقاطعة لكصر.
- معهد عالٍللرقمنة بجامعة نواكشوط العصرية بمقاطعة تفرغ زينه.
بناء على ما تقدم؛ يتضح أن هناك سعياً جاداً لإعطاء التعليم المكانة التي تليق به، والأولوية التي اختص بها قبل كل شيء في قوله تعالى:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)...} [العلق: 15].تلك هي المكانة العُظمى للتعليم التي لا زال المعلم الكُفؤ يتأبّطُها أينما ولّى وجهه شطر أي مدرسة، هدياً وتأسياً بالمعلّم الأعظم صلى الله عليه وسلّم.
لكنّ المحافظة على هذه المكتسبات، سواء التي أُنجزت أو التي قيد الإنجاز أو المنتظرة، هي الرّهان الأعظم، وعليه لا بُدّ من تفعيل الرقابة في جميع مجالات العملية التعليمية، وتطبيق القانون على مَن خالف؛ فالقانون إنما وُجد ليطبق لا يبقى حبراً على ورقٍ.. فمن غير المعقول -مثلا- أن تكون الاختلالات قد بدأت في بعض هذه المنشآت الجديدة، أو فسد بعضها!
كما أن العناية بالمدرس ووضعه في جَو مُلائمٍ، يُعدّ العاملَ الأبرز في النهوض بالمدرسة الجمهورية؛ إذ لا معنى للعناية بالمدارس وتأهيلها وترك الرُّكن الأهم وهو المدرس. كذلك لا بدّ من مأسسة المناهج التعلمية، وضبطها ضبطاً دقيقاً، يجمع بين المناهج العصرية الحديثة، وبين المناهج الأصلية القديمة.
وأخيراً؛ يلاحظ إضافة إلى ما سبق؛ أن قطاع التعليم الأساسي يشهد حركية وتفاعلاً في شتّى المجالات، وبين جميع المنتسبين إليه أساتذةً كانوا أو مفتشين أو معلمين، بل حتى الوزير وهذا مهم جداً.بينما يُلاحظ جمود في التعليم العالي قلّ نظيره، فلا مؤتمرات علمية، ولا ندوات أكاديمية مَوسمية، ولا منشورات أو مجلات علمية محكمة، ولا حتى اكتتاب طاقات شبابية تنهض بمجالَيِ التّعليم والنّشر؛ وإنما ركودٌ وخمول في كل شيء، وتبادل بين المناصب لا يعود على الباحثين ولا المؤسسات التعليمية بخير.. يتجلّى هذا جلياً في مؤسسات التعليم العالي الشرعية.