شدُّد جماعة الإنقاذ:
وكان الطرف المتشدُّد منهم هم إخواننا في جبهة الإنقاذ ... كانوا يرون أنَّ الحقَّ لهم وحدهم، وأن الميدان يجب أن يفرغ لهم، وأنَّ على الجميع أن يتنحوا من طريقهم. وهذا منطق لا يقبل، لا في ميزان الشرع، ولا في ميزان السياسة.
قبول التعددية السياسية:
والتعددية السياسية مقبولة شرعًا، وقد كتبت في ذلك بتوسّع وبرهنت عليه. وقلت: إن تعدد الأحزاب في السياسة يشبه تعدّد المذاهب في الفقه، فالأحزاب مذاهب في السياسة، والمذاهب أحزاب في الفقه.
وأشرت إلى أن سيدنا عليّا رضي الله عنه: أقرّ وجود حزب الخوارج في عهده، مع أنّ لهم مبادئ لا يقرهم عليها، وهي مناهضة له ولمفاهيمه ولسياسته، ومع هذا اعترف بوجودهم ومشاركتهم في الحياة الدينية والجهادية والسياسية، ما لم يبدءوا المسلمين بقتال.
غلبة النزعة الظاهرية على جهة الإنقاذ:
ولكن إخوتنا في الإنقاذ كانت لهم رؤى واجتهادات في السياسة الشرعية، لا يوافقهم عليها غيرهم، وهي مؤسَّسة أحيانًا على استدلالات خاطئة. وتغلب عليها النزعة «الظاهرية» التي تنظر إلى حرفية النصوص، لا إلى التعمُّق في مقاصدها.
وذلك أن «جبهة الإنقاذ» لم تكن جماعة واحدة، ولا تمثّل فكرًا واحدًا، فهي جبهة ضمّت عناصر مختلفة، بعضهم من السلفيين، وبعضهم من الجهاديين، وربما بعضهم من التكفيريين، وانضمّت إليها بعض النخب من تلاميذ مالك بن نبي «ممن يسمونهم دعاة الجزأرة» ومعهم أفراد من الإخوان، كما انضمت إليهم جماهير غفيرة لا انتماء لها، لكنها وجدت حزبًا رفع شعار الإسلام فدخلت فيه.
موقفهم من الديمقراطية:
وكانت تصدر من بعض أعضاء جبهة الإنقاذ: تصريحات مثيرة تستفزّ الناس، مثل قول بعضهم عن الديمقراطية: إنها كفر! وهي مجازفة خطيرة، وقد سمعت هذا الكلام، وأنا في الجزائر، ورددت عليه في حينه، ثم رددت عليه في كتابي «فتاوى معاصرة»(2).
ومثل قول بعضهم: «لا تحالف في الإسلام» تعليقًا على ما نادى به الإخوة في «حماس» من ضرورة عمل «ميثاق وطني إسلامي» يتحالف عليه من شاء من الأحزاب. فردوا عليهم بحديث «لا حلف في الإسلام»(3) وهو حديث صحيح، لكنه وضع في غير موضعه، فقد تحالف الرسول مع خزاعة بعد صلح الحديبية(4)، وكان منهم مسلمون ومشركون.
وقد نسبوا إليهم أنهم قالوا: إذا وصلنا إلى الحكم، فلن نسلمه لغيرنا أبدًا. وإنما نتخذ الديمقراطية سُلمَّا للوصول، فإذا وصلنا ألغينا الديمقراطية ... وقد سمعت بنفسي الشيخ عباس ينفي هذا في لقاء معه في تلفزيون الجزائر.