على مدرج مطار تامالي المترب في شمال غانا، يتحرك عملاء عسكريون خاصون من جميع أنحاء إفريقيا بهدوء. تُسمع طلقات نارية وهم يتجهون نحو المطار ويقبضون على مسلحين يحتجزونه كرهائن.
هذا ليس هجوما حقيقيا، بل هو جزء من تدريبات "فلينتلوك"، وهو الحدث الأول للتدريب على مكافحة الإرهاب للجيش الأمريكي في إفريقيا، والذي يحتفل الآن بعامه العشرين.
تقوم فرق العمليات الخاصة من القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا، إلى جانب حلفاء الناتو، بتدريبات بجانب جنود من دول مثل غانا، كوت ديفوار وتشاد و موريتانيا ونيجيريا و ليبيا والمغرب. في هذا التمرين الذي حضرته شبكة CBS News، أنقذت القوات رهائن في محاكاة لهجوم على مطار. هذا السيناريو حقيقي تمامًا في منطقة الساحل الإفريقي الشاسعة، التي تُعتبر مركزًا للمعركة العالمية ضد فروع تنظيم داعش والقاعدة.
يمتد الساحل من موريتانيا في الغرب عبر مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وصولاً إلى إريتريا وجيبوتي على الساحل الشرقي لإفريقيا، ويضم أشد الجماعات الإرهابية في العالم.
غانا هي واحدة من الدول القليلة في المنطقة التي نجحت في تجنب التصاعد السريع للتطرف العنيف، حيث تمنع أي توغل محتمل قبل أن يصل إلى حدودها.
وقال الجنرال فرانك تي، من القوات المسلحة الغانية، لـ CBS News إن ذلك أمر حيوي، لأنه "بمجرد السماح للنشاطات الإرهابية في دولة معينة بالتفاقم والازدهار، يمكن أن يصبح هذا المكان قاعدة يمكن من خلالها انتشار العديد من الأنشطة الإرهابية الأخرى عبر العالم".
هذا بالضبط ما تخشاه الولايات المتحدة وتحاول منعه.
قال نائب قائد AFRICOM، الفريق جون برينان، لـ CBS News إن تمرين فلينتلوك لا يهدف فقط إلى تدريب القوات الإفريقية على الدفاع ومكافحة الإرهاب قائلا "نحن نقدم أشياء ذات معنى على المدى الطويل.. مشاركة القيم الديمقراطية وتعزيز سيادة القانون".
لكن هذا لم ينجح بشكل جيد خلال العقد الماضي. لقد كان هناك 11 انقلابًا في الساحل فقط خلال هذه الفترة، وتم تدريب ما لا يقل عن 14 قائدًا من قادة هذه الحكومات المسلحة التي أطاحت بالحكومة في فلينتلوك.
قال برينان لـ CBS News إن الجيش يتبع هؤلاء القادة، وعلى الرغم من وجود قواعد صارمة للتعامل مع أي بلد أطاحت حكومته بانقلاب عسكري، "الأمل هو أن تحافظ على الاتصال مع الشركاء العسكريين ثم تسحبهم بعيدًا عن الحكومات العسكرية، التي لا تدوم أبدًا."
إذن، كيف يمكن للولايات المتحدة أن تضمن أن المهارات التي يتم تدريسها في فعاليات مثل فلينتلوك لا تُستخدم لاحقًا كأسلحة للإطاحة بالديمقراطية؟
يحرص برينان على توضيح أن تنفيذ انقلاب هو مناورة سياسية وليست عسكرية.
وقال "نحن نعلمهم كيفية حماية قواتهم في القتال، ثم تنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب بنجاح. هذا لا علاقة له بالإطاحة بالحكومة. فقط بعض الأشخاص الذين قمنا بتدريبهم هم عسكريون ومشاركون في بعض الانقلابات".... "لكن التاريخ أظهر... أن الديمقراطية تسود في العديد من الدول."
توسعت فلينتلوك لتشمل تدريبًا بحريًا، بما في ذلك الهبوط بالحبال على سفينة حربية متحركة تم اختطافها من قبل مسلحين.
اختبرت القوات الأمريكية بمرافقة جنود إيطاليين وهولنديين، القوات الإفريقية على فرقاطة قبالة السواحل الغانية.
ويزداد هذا الجانب من التدريبات أهمية، باعتبار أن منطقة الساحل تمتد إلى البحر الأحمر، حيث تشن القوات المدعومة من إيران مثل الحوثيين، هجمات تستهدف النقل البحري الدولي والسفن الحربية الأمريكية.
لم يكن بالإمكان إجراء عملية التدريب السنوية فلينتلوك – التي استضافتها غانا هذا العام – في وقت أكثر حرجًا للجيش الأمريكي، حيث أن النفوذ الأمريكي على القارة الإفريقية يشهد تراجعًا كبيرًا.
تواجه الولايات المتحدة منافسة شرسة.
تقدم الصين صفقات تجارية للقادة الوطنيين الأفارقة، وتقدم روسيا مساعدات عسكرية، كل ذلك مع قليل من الشروط. في حين أن واشنطن، من جهة أخرى، تم استبعادها من خط مواجهة رئيسي في مكافحة الإرهاب، بعد أن تم أمر أكثر من ألف جندي من AFRICOM المتمركزين في النيجر بمغادرة البلاد بحلول شهر سبتمبر بعد انقلاب العام الماضي.
تمتلك الولايات المتحدة قاعدتين عسكريتين في النيجر، بما في ذلك مركز قيادة الطائرات بدون طيار في مدينة أغاديس، والذي كلف إنشاؤه أكثر من 110 مليون دولار.
تدخلت روسيا بسرعة لاستغلال الفراغ في السلطة الذي خلقه الانقلاب. وصلت مجموعة فاغنر، المعروفة الآن باسم فيلق إفريقيا وتديرها الحكومة الروسية، إلى النيجر في شهر أبريل.
في سيناريو كان لا يمكن تصوره قبل فترة قصيرة، تحتل القوات الروسية والأمريكية جوانب متقابلة من نفس القاعدة الجوية الشاسعة.
أثار هذا الأمر قلقًا في واشنطن، وأكدت السفيرة الأمريكية في غانا، فيرجينيا بالمر، لشبكة CBS News أن الدول الإفريقية يجب أن تفهم أن عرض روسيا للقوات الأمنية ليس دون شروط تمامًا.
وقالت بالمر "من المهم أن يفهم شركاؤنا الأفارقة أن ما يقدمه الروس قد يكون حماية للنظام – لكنه بالتأكيد ليس أمنًا قوميًا".
وأضافت أن الدول الإفريقية تدفع مقابل الخدمات التي تقدمها موسكو، كلفة "عالية للغاية".
النيجر غنية باليورانيوم، الذي يمكن استخدامه لصنع أسلحة نووية.
ما تعرضه روسيا هو قوة عسكرية مقابل ثروات معدنية، لكن بخلاف الولايات المتحدة، لا يحتوي الاتفاق على أي أسئلة حساسة محتملة بشأن حقوق الإنسان.
وقال برينان "لكن الوقت سيظهر أن هذا القرار ربما ليس هو الصحيح.
وتحد القوانين الأمريكية من تقديم المساعدات العسكرية للقوات المسلحة المشتبه في ارتكابها انتهاكات حقوق الإنسان، لكن العديد من القادة في القارة يتهمون واشنطن بازدواجية المعايير قائلين إن الولايات المتحدة تعلق مساعدتها لبعض الدول الإفريقية بينما تمنح إسرائيل مليارات الدولارات على الرغم من الإدانة العالمية لأفعالها في حرب غزة.
المصدر: CBS News