نواكشوط -«القدس العربي»: لم يجد الموريتانيون وهم يحيون يوم أمس الإثنين عيد الأضحى بين هزات الحملة الانتخابية الممهدة للرئاسيات وتكاليف العيد بملابسه وبخراف أضاحيه ذات الأسعار الباهظة، لم يجدوا في هذه الأجواء سوى أن يرددوا مع أبي الطيب مطلع قصيدته الشهيرة “عيد بأية حال عدت يا عيد”.
فقد اجتمعت للموريتانيين في عيد الأضحى هذا العام منغصات عدة، فمن هنا سكرات السياسة وصراعات المترشحين حول كرسي الحكم، ومن هناك النقاش الفقهي المحتدم حول يوم عرفة ويوم العيد وهل المعتبر فيهما رؤية السعودية ووقوف الحجيج بصعيد عرفات تاسع ذي الحجة، أم لكل بلد رؤيتهم وتاسع ذي حجتهم وعيدهم؛ ومن هنالك ضرورة الإسراع، بجيوب منهوكة، لأسواق الماشية لتأمين أضحية العيد في ظرف من الغلاء بالغ الشدة.
فقد تضافرت عوامل عدة هذه السنة لرفع أسعار الخِراف في الأسواق الموريتانية أهمها طلب الحكومة السنغالية من نظيرتها الموريتانية أن تشجع تصدير ما أمكن من الأكباش الموريتانية إلى الأسواق السنغالية حيث الأسعار مغرية وحيث التعامل المربح بعملة الفرنك الإفريقي الأفضل من الأوقية الموريتانية.
ويفضل السنغاليون خراف موريتانيا لكونها أضخم من خرفان السنغال الصغيرة، وهم يبذلون الغالي والنفيس للحصول عليها في عيد الأضحى كل عام.
ولهذا، فقد اندفع باعة المواشي الموريتانيون بأغنامهم إلى أسواق السنغال لبيعها رابحة بأضعاف أسعارها في موريتانيا، مستفيدين من إلغاء حكومة السنغال لضرائب المواشي بمناسبة العيد، ومن الأسعار والفرق بين العملات، وهو ما رفع سعر الخروف في أسواق المواشي بالعاصمة نواكشوط يوم الأحد، من 120 دولاراً إلى 250 دولاراً.
وتتفاضل الخراف في الأسواق الموريتانية وأغلاها أكباش «أزواد» التي يصل سعر الواحد منها 500 دولار أمريكي، وأكباش «الطوابير» التي يصل سعر الواحد منها إلى 600 دولار.
ويتنافس باعة المواشي كل حسب مهارته وخبرته، ويصاب الزبائن المشترون بالإرهاق والإجهاد بسبب التجوال من سوق إلى سوق ومن قطيع لقطيع.
ويحرص الموريتانيون وجيرانهم السنغاليون على اقتناء الأكباش في عيد الأضحى والتفاخر بها؛ وبقدر ما كان كبش الأضحية ضخماً طويل القرون وتام الصورة أبيض اللون، بقدر ما كان لصاحبه مكانة عظيمة يوم العيد.
وإذا كان الموريتانيون يشترون أضاحيهم قبل العيد بيوم أو يومين، فإن من السنغاليين من يشتري خروفاً صغيراً ويتولى على مدار السنة تربيته بعناية والسهر على تسمينه وربطه داخل المنزل إلى يوم العيد.
ويسود الاعتقاد بأن الكبش المربوط بالمنزل يحفظ أفراد الأسرة من العين لأن سموم عيون الزائرين سيمتصها الخروف عند دخولهم.
ويتولى صاحب الأضحية العناية بتربية أضحيته ومنهم من يخصص لها كل أسبوع حماماً بالصابون؛ أما يوم العيد فإن الأضحية تعطر قبل الذبح لكونها مضافة للكبش الذي فدى الله به نبيه إسماعيل بعد أن أمر والده سيدنا إبراهيم بذبحه.
ويعتقد الكثيرون نقلاً عن آثار نبوية أن الأضاحي التي يتقرب بها إلى الله تعالى هي مطايا أهلها يوم القيامة، ويردد الكثيرون قول الرسول عليه السلام “عظموا ضحاياكم فإنها على الصراط مطاياكم”.
أما يوم العيد فيذبح المضحون خرافهم وتبدأ أدخنة الشواء تنبعث من المنازل؛ فكل واحد يسلخ لنفسه ويشوي لنفسه؛ فليس هناك في يوم العيد عمال لتولي هذه المهام، إذ إن الجميع في أجواء العيد بعيداً عن مواقع العمل.
ومن أغرب عادات الأفارقة في العيد الكبير أن المضحين لا يأكلون يوم العيد سوى المصارين والكروش أما بقية اللحم فيمنع أكله قبل اليوم الثاني للعيد، ولهؤلاء في هذه العادة تجارب كثيرة، منها أن أكل المصارين يوم العيد وأكل لحم الأضحية في ثاني أيام العيد، يورث طول العمر وصحة البدن.
ويصوم المضحون في موريتانيا صباح يوم العيد حتى تذبح الأضاحي فيفطرون وقت الضحى على قطعة من الكبد؛ ويؤكد الفقهاء أن صوم هذه الفترة القليلة من صبيحة يوم العيد يعادل صيام ستة آلاف سنة.
هكذا مر عيد الأضحى على الموريتانيين هذا العام فاحتفوا به بين أزيز السياسة وسخونة الأسعار؛ وهكذا بدت أجواء عيد الأضحى في موريتانيا والسنغال حيث يختلط الدين في هذه المناسبة، بالتجارب العجيبة والطقوس الغريبة.
نقلا عن القدس العربي