المؤمن كيس فطن- محمد فال بلال

كثيرا ما سمعنا من حكاوي الجدات حكما ومواعظ هي عصارة ما وصل اليه العقل المجتمعي الموريتاني ومن تلك الحكم  حكمة تقول: ( الإبل ما تعظ ماه الگدامي منها ..) .

هناك وغير بعيد من معالم التيشوطن حيث نقطة الارتكاز أو التماس بين مجمع ولايات الوطن تگانت ، لبراكنة ، الترارزة ، لعصابة ، جورغل ، گيدي ماغة ، بدأ تشكل الوعي الوطني لشخصية وطنية خلقت لها وزنا ودورا محوريا ونقطة نقاش غير منقطع حول راغب في وجوده وتتبع مراتع حروفه … وبين رافض لذلك الوجود متعصب لرأيه وموقفه ولسان حاله هذا رمز من رموز الوصاية والتهميش يجب الوقوف في وجهه وإسكات صوته ففي ذلك وهم إسقاط زمن الوصاية والتحرر من تبعية الأمس القاتم ، والأن الحرب على الوصاية حرب استنزاف، وجد بعضهم لنفسه مكانة متقدمة في مهاجمة شخص محمد فال بلال مع حفظ الألقاب هجوما ليس لرئاسته المستقلة للانتخابات ولا لفترته وزيرا للخارجيّة ولا حتى سفيرا،  بل أغلب الهجوم وأشنعه كان على سنين الرجل وعمره وعلى ذلك الشيب المهاب فكيف لمن بلغ سن التقاعد أن يتصدر المشهد ويسمع رأيه حتى وإن كان مجرد سرد أو حكاية من حكاوي ( أهل رترت ) بدل أن يجد صدورا رحبة وآذان صاغية تسمع منه وتستفيد ، وجد أقلاما خرجت من عقالها كخناجر مسمومة وبدأت في تقطيع الرجل وتشنيعه ولم يشفع له كبره ولا أدبه ولا كياسته مستغلين حلمه وصبره ورده الكيس بقاذفات الجمر واللهب لعل ذلك يدفعه للخروج عن وقاره وسمته الطيب لكن خاب ظنهم حين يرد بالباقة المربي وعاطفة الأب الرحيم فيزداد شطط بعضهم وينثر على صفحة الرجل المهاب جمر كلامه وفي حماسة الدعي يكرر كباقي الصبية والمراهقين أن الدافع هو الوقوف في وجه شيوخ الظلام ومهاريزه وتلك من مقاصد الإصلاح والدفع بمنظومة الحكم إلى التغيير !

ولأن آذان بعضهم صماء لم تسمع نداء الضمير ولا نداء العقل المتزن الحاذق فاستمرت في إسرافها إيذاءً بالشيخ الوقور حتى وجد نفسه محرجا ومخيرا بين امرين في كل منهما الضرر والشطط والقبول بأمر الواقع والهزيمة والاستسلام لأصحاب الصوت العالي صراخا والمؤذي سماعا والمرفوض عرفا وأخلاقا فاختار النأي بنفسه وان يحتجب عن الناس مخافة أن تسقط منه كلمة جارحة وهو اللبيب الذي يفهم الإشارة ويفهم بها ولأن الغلمان وصبية الريف وحواشي المدن لا يريدون سماع حديثه ، وهم الغالبية في فضاء  انتشروا فيه كالفطر المتناثر  لا ضابط يضبط إيقاع حركاتهم البهلوانية ولا موجه لبوصلة تيههم الأزلي فأصبحوا من صعاليك هذا الفضاء المفتوح وقطاع الطرق فيه ……

حين أنهى الأديب والكاتب المصري يحي حقي  آخر روايته  ناس في الظل أحجم عن الكتابة قائلا ( قلت كل ما عندي ولم يعد لدي ما أقوله …) ، كان الدافع يومها دافعا ذاتيا وجد صاحبه نفسه قدم لشعبه وجمهوره وقرائه حصيلة معارفه وتجاربه ولم يعد في جعبته المزيد فآثر الانسحاب من المشهد العام واعتزال الناس والجلوس للراحة بعد رحلة عطاء طويل …

غير أن الحالة هنا تختلف حيث أن الوالد والوزير محمد فالـ بلال لم يتفرغ للكتابة على هذا الفضاء إلا من ذو فترة زمنية قصيرة وبعد أن تقاعد من الوظيفة العمومية وبدأ يجد فائضا من وقته فكان أن جاد به على قرائه وأبناء وطنه دون تمييز وهذا ما خلق له العداء فهو محدث جيد وكاتب متمرس وصاحب دعابة الأمر الذي جعله يحظى باحترام وتقدير الآلاف من أبناء وبنات وطنه ولعل هذا القبول وانتشاره في الشباب وأصحاب الرأي والكتاب والمثقفين هو ما أوغل صدور البعض عليه فبدأوا حملتهم عليه بلا رحمة ولا هوادة ….

اليوم تنازل الرجل عن عرشه في هذا الفضاء لا كرها فيه ولكن عفة نفس وبعدا عن ما يؤذي ذائقته وفطرته الطيبة ، وودع الجميع بأدب الكبار وسامح وتجاوز وأسكت صوت قلمه،  عل ذلك يسكت نعيق أقلام لن تجدها في مواقف العز والكرامة بقدر ما تجدها على مائدة هذا الشيخ الوقور وهي تنهش لحمه وتسفه حرفه وتكره أدبه ولطفه وتواضعه وإحجامه عن سفهاء هذا الزمن الغابر والجائر بغلبة أراذله وكثرتهم .

ولا غالب إلا الله