الوزير محمد نوح ولد الطالب فزاز في حوار شامل مع موقع الفكر: أحسن طريقة لحل النزاعات العقارية هي الحلول التشاركية بين السلطة الإدارية والمنتخبين والوجهاء والمواطنين

الفكر(نواكشوط) سعيا منا في موقع الفكر إلى تنوير الرأي العام وإشراكه في القضايا الكبرى، ومعالجة الإشكالات المطروحة بقوة وإلحاح في الساحة الوطنية، وعرضها على ذوي الاختصاص .

 ولإيجاد إجابات دقيقة ومفيدة، تستند إلى معطيات علمية وتعززها تجارب ميدانية غنية.

نستضيف لكم اليوم شخصية وازنة شغلت وظائف إدارية متعددة  ومناصب حكومية رفيعة، واحتلت مكانا مرموقا في منظمات دولية سامية ،وهو الآن عضو بالجمعية الوطنية.

وقد سألناه عن أهم إنجازاته في القطاعات الحكومية التي عمل بها، وأهم التحديات التي واجهته خلال عمله بالإدارة الإقليمية، كما شمل اللقاء عمل اللجنة البرلمانية، وما يعرف بملف العشرية الأخيرة، وحصيلة سنة ونصف من حكم الرئيس الحالي ولد الشيخ الغزواني، ودور مؤسسة تآزر في تخفيف معاناة المواطنين.

 

 

موقع الفكر: نود منكم تعريف المشاهد بشخصكم الكريم من حيث الدراسة والشهادات والمناصب التي تقلدتم؟

محمد نوح الطالب فزاز: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله جزاكم الله خيرا علي هذه المبادرة.

أنا اسمي محمد نوح ولد الطالب فزاز من 1955 الحالة المدنية ما كانت مضبوطة حينها وحسب ظني أني ولدت قبل ذلك سنة 1949  في البادية بمركز مال الإداري التابع لمقاطعة ألاك عاصمة ولاية لبراكنة .

أولا بدأت دراسة القرآن الكريم حتى حفظته ثم بعد ذلك التحقت بالمدرسة سنة 1960م. و أمضيت سنوات بمال ثم بعد ذلك انتقلت الي نواكشوط وتابعت دراستي فقد كنت أدرس في مدرسة التطبيق قرب البرلمان سابقًا ولم تعد موجودة الآن وقد حصلت فيها علي شهادة الابتدائية في العربية والفرنسية بعد ذلك سجلت في الثانوية الوطنية، ولكن  لم أستطع مواصلة دراستي في تلك الفترة من السبعينيات لأنه كانت هناك أوضاع خاصة بالنسبةً للطلاب والتلاميذ ،طردت بسببها من المدرسة في سنة 1973م. ولكنني ‏أكملت دراستي في التعليم الحر بعد أن تم ابتعاثي إلى المغرب من طرف شركة صنودير‏ حيث حصلت على البكالوريا مزدوجة في الآداب العصرية وفي النهاية التحقت بالمدرسة الإدارية بعد ذلك وتخصصت في المجال العقاري "الادارة العامة"، وكان بودي أن يكون بيني وبين "صنودير" اتفاق لكنها لم تلتزم به آنذاك.

وبعد تخرجي حصلت علي شهادة "إداري مدني" في ‏مدرسة الإدارة بالمغرب و بعد ذلك رجعت إلى  نواكشوط واكتتبت في الجامعة،  في البداية وفي تلك الفترة كانت الجامعة تتمتع بالشخصية المعنوية ولم تعد تابعة للمدرسة العليا لتكوين الأساتذة ولا للمدرسة الوطنية للإدارة،  فكنت مسؤولًا حينها عن الأشخاص ، والحمد لله الكثير من الاطر الآن ‏و الأساتذة الجامعيين ‏ومسؤولون سامون في الدولة ‏كنت مسؤولا عن اكتتابهم وأمضيت فيها من سنة 1985م. حتي سنة 1988م. وعينت واليا مساعدا للشؤون ‏الإدارية في الترارزة إبان تلك الأحداث المؤلمة.

وفي شهر مارس سنة 1990 ‏عينت حاكم مقاطعة "باركيول" وأمضيت فيها سنتين تقريبا حتي  نهاية سنة 1991م. إبان الانتخابات الرئاسية، وفي نهاية تلك السنة حولت إلي مقاطعة "بابابي". فطلبت منهم أن ينتظروا حتى أنتهي من الانتخابات ‏لأنني‏ للتو أنهيت الإجراءات  فاستقريت هنالك حتى أنهيت الانتخابات.

فذهبت إلى مقاطعة باببي سنه 1992م. وقد أشرفت فيها على الانتخابات البرلمانية الأولى (مجلس الشيوخ) ثم عينت سنة 1993م. حاكما لمقاطعة النعمة لكنني لم أمض فيها وقتا طويلا، أمضيت فيها ثلاثة أشهر تقريبا، حولت منها إلى مقاطعة تمبدغة فأمضيت فيها 4 سنوات تقريبا من 1993م. حتي1997م.

ثم حولت إلى مقاطعة بوكي التابعة لولاية لبراكنة وأمضيت هنالك 7 سنوات حتى سنة 2004م حيث تم تحويلي إلى مقاطعة اركيز  وأمضيت هنالك أشهرا قليلة من مارس حتى يوليو، حولت من اركيز إلى مقاطعة تكنت مضيت فيها 8 أشهر تقريبا وفي سنة 2005م عينت حاكم مقاطعة بومديد و لم أمض فيها إلا عشرين يومًا تقريبا، حيث عينت بعدها كاتب الدولة المكلف بالحالة المدنية  نهاية مارس 2005م. وبعدها وقع انقلاب 3 اغسطس 2005م.

وفي سنة 2009 عينت مكلفا بمهمة لدى الوزير الأول مولاي محمد لغظف حتى سنة 2014م.حينما تولى الوزير الأول الأسبق الوزارة يحيى بن حدمين حيث تمت إقالتي وأرجعوني إلى وزارة الداخلية حتى استفدت من التقاعد سنة 2015م.

 

موقع الفكر: ما أهم المشاكل التي تعترض سبيل الحاكم  خصوصا في الداخل ؟

الوزير محمد نوح بن الطالب فزاز: كما نعلم جميعا ‏أن الحاكم هو الذي يمثل الدولة في دائرة المقاطعات الموجود فيها، ويمثل السلطة التنفيذية فيها، ذلك أن جميع الوزراء يمثلهم الحاكم في دائرته، فهو مسؤول عن الأمن وينسق أعمال المصالح الفنية الموجودة كما أنه يعتبر المسؤول عن دائرته والمكلف بمتابعة ضبط الأمن ومتابعة أنشطة تلك المصالح والبرامج والمشاريع الموجودة في تلك الدائرة والتنسيق بين مختلف المصالح هذا من مهامه، وما من شك أن المقاطعات ليست واحدة والفترات تختلف كذلك، فالمقاطعات الموجودة في الضفة ليست كالمقاطعات الأخرى والفترات كذلك تختلف فالصيف ليس كالخريف والخريف ليس كالشتاء؛ فلكل فصل متطلباته الخاصة به،  ففي الصيف مثلا تكون  مشاكل المياه مطروحة بكثرة، وهنالك مشكلة التقري العشوائي؛ لأن كل مجموعة تذهب وتقيم قرية خاصة بها؛ مما يلزم عنه متطلبات توفير الصحة والمياه، فجميع هذه المشاكل تسلم للسلطة الإدارية أين ما كانت، وفي المدن أيضا توجد مشاكل السكن والتقري العشوائي ( الكزْر ) كما أن هنالك بعض المشاكل المتعلقة بالنزاعات على الأرض.

‏ونظرا لأن الحاكم لم تكن لديه الوسائل ولم يكن لديه مساعدون،  والآن الحمد لله أصبح عنده مساعدون‏، فكان يكون وحده تارة، وتارة يكون معه رئيس مركز إداري؛ فقد كانت إمكاناته لحل المشاكل محدودة، وفيما يتعلق بالمشاكل فإنها دائما تكون على علاقة بالتنمية زمن النزاع بين المزارعين والمنمين، وفي بعض فتارات الخريف وفترات الزراعة تكون النزاعات الأكثر تلك المتعلقة بالنزاع على الأرض،  ويمتاز فصل الصيف بكثرة النزاعات المتعلقة بالمياه، والنزاع المتعلق بالحمى. وتكون سنوات الجفاف أكثر حدة من سنوات الممطرة.

وحسب ما رأى فإن المشاكل المطروحة على الحاكم لا تختلف عما ذكر، وإنما تختلف من فترة إلى  فترة ومن مجتمع إلى مجتمع، وهناك من السكان من يؤمن بالدولة وحين تعرض بعض المشاكل يلجؤون إلى حلها بطرق مدنية، ومنهم من لا تزال قيم البداوة والقبلية عالقة بذهنه.

موقع الفكر: ما هي حدود سلطة الحكام على البلديات؟

الوزير محمد نوح بن الطالب فزاز: البلدية شخصية معنوية تمارس عليها سلطة  الوصاية من قبل وزارة الداخلية  و  تفوض الوزارة   تلك الوصاية للوالي  والحاكم وبعض هذه  الحدود تتعلق في الأساس  بالعمدة و بمجلس البلدية وبالقرارات المتخذة، فتارة يكون فيها الإلغاء وفيها الإحلال ،وبعض الأحيان هذا من ناحية  الوزارة وفيها ما يمكن أن تقوم به السلطات المحلية ،ولكنها سلطة وصاية فقط يحدها القانون والتوجيه  والمتابعة لأعمالهم هل تتماشى مع القوانين.

 

موقع الفكر: ما تقويمكم لأداء مندوبية تآزر؟

الوزير محمد نوح بن الطالب فزاز  : مندوبية  تآزر مندوبية  حديثة لكننا نرى  أن لديها الكثير من الإنجازات ذات المردودية لصالح المواطن الفقير الضعيف، خاصة أننا كنا في سنة صعبة، كانت  سنة وباء عجزت  الدول  العظمى عن مقاومته فما بالكم بالدول النامية كموريتانيا وما شابهها وهناك  إنجازات ملحوظة فقد استفادت  210 ألف أسرة من هذا التحويلات المالية وهناك ما يقارب 100 ألف أسرة استفادت  من  الضمان الصحي وهناك إنجازات أخرى يقام بها وإن لم أكن في موقع يمكنني من الاطلاع على الإنجازات، وهناك أعمال إن استمر التشارك فيها مع السلطات المحلية فستعطي نتيجتها.

 

موقع الفكر: ما تقويمكم لسنة ونصف من حكم  الرئيس  محمد بن الشيخ  الغزواني ؟

الوزير محمد نوح بن الطالب فزاز : أولا الاستقرار مهم  وأهم  شيء هو الاستقرار السياسي وكلما خطونا خطوات في اتجاه الوئام الوطني والتصالح  بين القوى السياسية الموجودة وخلق مناخ يمكن الجميع من الإدلاء بآرائهم،  مع الاستمرار في التهدئة والاتصال بالزعامات  السياسية والاحزاب السياسية. والمجتمع المدني فإن ذلك يساعد على خلق مناخ يمكن أن تنجز فيه  التنمية  وبالتالي هذا من أهم إنجازات الرئيس؛ ثانيا، هناك مجموعة من المشاريع ذات الطابع الاجتماعي الملاحظ مردوديتها على المجتمع  وخاصة  الفئات الهشة، فزيدت رواتب  المتقاعدين  زيادة معتبرة  وصارت تصرف لهم شهريا وهذا إنجاز  لا بأس به  يذكر فيشكر، وكذلك البرامج التي يجري تنفيذها على مستوى مندوبية  تآزر في مجال التعليم ومجال الصحة ومحاولة تخفيف وطأة جائحة كورونا ،وتراجع هذا المرض يعود أولا وأخير إلى الله سبحانه وتعالى ثم إلى السياسة التي قيم في هذا المجال.

 

موقع الفكر: ما تقويمكم لتقرير اللجنة البرلمانية؟

الوزير محمد نوح بن الطالب فزاز: في الحقيقة أنا لست سياسيا،  وأرى أن البرلمان لديه الحق في متابعة أعمال الحكومة، كما أرى أنه فعل ما يستطيع فعله، ولم يخرج عن النطاق المحدود له من الناحية الدستورية.

 

موقع الفكر: هل القضاء الموريتاني مؤهل للبت في قضايا ملف العشرية ؟

الوزير محمد نوح بن الطالب فزاز: ينبغي لنا جميعا نحن المواطنين أن نحترم قضاءنا، وأن نثق فيه، وكما نعرف جميعا فإن المبدأ  أن المتهم يظل بريئا ما لم تثبت إدانته و بالتالي أرى أن القضاء الموريتاني شفاف  وعادل في عمله.

 

موقع الفكر: ما هو الحل الأمثل لمشكل النزاعات العقارية ؟

الوزير محمد نوح بن الطالب فزاز : ملكية الأرض في موريتانيا مرت بمراحل، فقد كانت ملكيتها للقبائل زمن الاستعمار، وفي سنة 1960م. صدر قرار تم بموجبه منح الأراضي ذات الإحياء للمجموعات القبلية وأعاد الأراضي الموات إلى الدولة، بعد ذلك جاء  قانون  سنة 83 19م. وكان يستهدف أساسا حل مشكلة النزاع العقاري القائم بين المالكين الأصليين والملاك الآخرين من موالي القبيلة، فأعاد الأراضي الممنوحة بقرار 1960م. إلى الدولة وبالنسبة للأرض الموات فقد أقر مبدأ "الأرض لمن أحياها"، صحيح أنه بسبب حدوث الجفاف وهجرة  الكثير ‏من الموريتانيين إلى المدن فقد تأثرت الأرض بذلك خصوصا الزراعية، فقد طرحت  تلك الهجرة مشاكل بالنسبة للمدن، وبالنسبة للأراضي الزراعية، خاصة أن الأراضي الصالحة للزراعة قليلة، وبالتالي نجم عن ذلك تفاقم النزاعات العقارية، وكذلك بعد توجه الدولة إلى زراعة  الضفة والزراعة المروية تسبب ذلك في نزاع شديد بين الملاك الأصليين والملاك الجدد، وتسبب أيضا في النزاع بين الدولة والملاك الأصليين.

وحسب ما أرى فإن أحسن طريقة  لحل النزاعات العقارية هي الحل  التشاركي بين السلطة الإدارية والمنتخبين والوجهاء والمواطنين، وخلال فترتي في "باركيول" عرض على الكثير من النزاعات وكذلك كرو، وتم إيجاد حلول لتلك المشاكل عبر الصلح  بين المجموعات، وحسب رأيي الشخصي فإن الحل الأمثل لتلك المشاكل يتمثل في البحث دائما عن حلول توافقية.

فملكية الدولة للأرض ثابتة، والسلطة الإدارية إن اتبعت المسطرة القانونية  فسيكون هنالك حل،  فالمسطرة معروفة، فأية قطعة أردت إعطاءها فيلزم  إبلاغ المعنيين وإشعارهم بها، وفي حال وقع نزاع ينبغي أن تبحث له عن حلول ودية، وسيادة الدولة لا  مساومة عليها ولا يستطيع أي أحدأن يتنازل عنها.

وأي نزاع على الأرض ينبغي أن يدرس وتعرف حقيقته ،ولمن تعود الملكية فيه و في حال ما إذا كان يعني  العدالة يحال إليها  وإذا كان بإمكان  السلطات المحلية أن تناقش أصحابه  بطريقة ترضيهم فينبغي عليها القيام بذلك، وأكثر الحلول نجاعة هي الحلول التوافقية وهي أفضل من الحلول التعسفية، لأنه في بعض الحالات يصدر القضاء فيها أحكاما ولا تنفذ.

وأذكر أنه  في إحدى المقاطعات التي كنت  حاكما  فيها وقع نزاع بين طرفين، ونعرف جميعا أن أي نزاع له طابع اجتماعي  فالدولة طرف فيه؛ لأنها هي المالك الأصلي للأرض، وبدأت في حل القضية فانتقلت إلى عين المكان ،أي الأرض محل النزاع ورأيت أن الارض كانت ميتة زمن القانون 60 19م.  وتم إحياؤها بعد ذلك عن طريق جماعة، ورأيت المعالم موجودة والآثار الدالة على الإحياء رأيت ذلك كله، ثم قمت باستدعاء لجنة لدراسة القضية ونقاشها، وقد حاولنا الصلح  بدعوة كل طرف إلى التنازل، لكنهم لم يستجيبوا ثم اتضح لي في الأخير أن أجتهد مع اللجنة في حل المشكل، واتخذنا به قرارا، كان مرفوضا من الطرفين إلا أنني تمسكت به وقد عرضت القضية على المحكمة العليا فنقضت القرار الذي اتخذته، وقالت إنه معيب وأعادته إلى المحكمة لكن المحكمة حكمت بنفس قرار اللجنة.

وأذكر أيضا في فترة ما في الضفة عرضت لنا بعض النزاعات و استطعنا  حلها  بالإقناع، وبمناقشة القانون العقاري فاعترفت به الأطراف المعنية  وانتهت القضية.

وعلى العموم تنقسم الأرض إلى  أراضي ميتة  وأراضي حية، فالأراضي الحية لا ينبغي أن يقترب منها أحد أو يتجرأ عليها، والأراضي الميتة هناك  طرق لإحيائها وحسب رأيي الشخصي الطريق الأمثل  هو أن تتبع في ذلك المسطرة القانونية المخصصة له،  ونتيجتها مضمونة و حسب رأيي الشخصي أيضا  فإن  التطبيق الحازم للقانون يتطلب  الحكمة والرزانة  ومعرفة عقليات المواطنين.

 

موقع الفكر: ما أهم إنجازاتكم في شركة صنودير؟

الوزير محمد نوح بن الطالب فزاز : شركة صونادير من أكثر  مهامها تأطير ‏المزارعين وإعداد أراضي  خاصة بهم، وأتذكر أيضا  أنه في فترتي بالضفة فإن شركة صونادير أنجزت الكثير من المشاريع  وقامت بتأطير  الكثير من المزارعين ومتابعة العمل، وتم كذلك إنجاز الكثير من المشاريع  في مقاطعة بوكى وباببي قبل مجيئي و قامت بالكثير من الإنجازات.