إسماعيل بن يعقوب بن الشيخ سيديا لموقع الفكر: لا أعتقد أن وجود الثروات في الساحل هوسبب معاناته بقدر ما تعانيه المنطقة من ضعف الحكامة

قال الخبيرفي منطقة الساحل إسماعيل ولد الشيخ سيد إن الموقف الذي اتخذته فرنسا من الانقلاب في مالي كان موقفا ملكيا أكثر من الملك، حيث إن المنظمة الاقتصادية لغرب إفريقيا التي تنتمي إليها مالي حينما وقع الانقلاب الأخير لم تفرض عقوبات على مالي ،وإنما علقت عضويتها فقط، في حين أن فرنسا قامت عقب الانقلاب العسكري الذي وقع في مالي بتعليق العميات المشتركة، وأضاف ولد الشيخ سيديا أن سبب تراجع فرنسا عن قرارها تعليق العمليات المشتركة مع مالي، هو أنها أدركت أنها بهذا القرار قد أصبحت "ملكية أكثر من الملك"، حيث إنها ذهبت في العقوبات أبعد مما قامت به المنظمة الاقتصادية لغرب إفريقيا، إضافة إلى أنها بانسحابها من التعاون العسكري مع مالي رأت أنها قد أفسحت المجال للضيف الروسي غير المرحب به في بامكو والذي أصبح وجوده واقعا في وسط إفريقيا، إضافة إلى تراجع الولايات المتحدة الأمريكية عن إغلاق قاعدتها العسكرية بالنيجر، والتي بنتها ب 110 مليون دولارا، مما يؤشر إلى أن الخطر في الساحل ما يزال قائما وأن الدول العظمى لم تتخل عنه.

وقال ولد الشيخ سيديا إن الوضع في الساحل وضع كارثي جدا، نظرا لضعف الحكامة حيث لا توجد بهذه الدول عدالة ولا تنمية، فأصبحت النتيجة كارثية جدا، حيث إنه يوجد 3 ميلون طفلا لم يذهبوا إلى المدرسة بمالي منذ اكتوبر الماضي، إضافة إلى أكثر من مليون نازح ببوركينا فاسو،"وجاءت جائحة كورنا لتزيد الطين بلة بهذه البقعة من أرض الله".

إلى غير ذلك من المواضيع التي تناولها هذا اللقاء مع الخبير في منطقة الساحل الأستاذ إسماعيل بن يعقوب بن الشيخ سيديا.

 

موقع الفكر: ماذا عن تطورات الأوضاع بمنطقة الساحل؟

إسماعيل بن يعقوب بن الشيخ سيديا: منطقة الساحل منطقة تبلغ مساحتها 5 ملايين كيلومتر مربع ويقطنها عشرات الملايين من البشر، وتتدخل فيها قوات عسكرية أممية بتعداد يبلغ 13 ألف جندي إضافة إلى 5 آلاف جندي فيما يعرف بعملية "برخان" ـ  وهي عملية فاشلة؛ لأن الجندي كلما طال ابتعاده عن بلاده أصبح فاشلا ـ  التي  جاءت إثر انتهاء عملية "سرفال" التي استنجد فيها الرئيس المالي الأسبق بالرئيس الفرنسي "فرانسوا هولاند" لإنقاذ العاصمة باماكو من تحالف قوات أزواد التي هي من إفرازات المعضلة الليبية. لأن ليبيا لما سقطت وقتل رئيسها أدى ذلك إلى خروج قوة نارية هائلة تسببت في إرباك المشهد في مالي وتداعيات المشكلة الليبية التي تضرر منها الساحل حاليا في ظل وجود فصائل تحمل فكر"التطرف العنيف"، وهو مصطلح مهذب لما يعرف ب"الإرهاب"؛ لأن "الإرهاب" مصطلح فضفاض؛ ولأن التطرف العنيف يحمل شحنة عسكرية.

والجماعة التي تتحرك حاليا في المناطق الحدودية بين مالي وبوركينافاسو والنيجر هي جماعة الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، وهي ما تعرف  بجماعة "داصك" وقد تعرضت في شهر يونيو المنصرم لمجموعة من الضربات القوية منها وفاة نائب قائدها وفاة طبيعية، إضافة إلى مقتل قائد آخر وأسر قائدين آخرين، وقد حصل تطور ميداني  كبير مع وجود القوات الخاصة المعروفة "بتاكوبا" وهي قوات خاصة من دول إسكندنافيا وقوات خاصة من فرنسا ،وتعني كلمة "تاكوبا" غمد السيف بلغة الطوارق، كما أن كلمة "برخان" تعني كثبان الرمال المتحركة باللغة الفرنسية، وهذه المصطلحات لديها ارتباط بتلك الأرض.

وهناك فصيل آخر وهو قوات نصرة الإسلام والمسلمين، وتعتبر أقدم وأقوى، ويترأسها "إياد آغ غالي" ونائبه "أحمد بن كوفا" رئيس "جبهة تحرير ماسينا" وهناك مكونات تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي ضعف كثيرا لصالح تنظيم  الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى.

وقد علقت قوات "برخان" الفرنسية عملها مع قوات مالي  إثر الانقلاب العسكري الذي حصل مؤخرا في البلاد، ولكن فرنسا تراجعت؛ لأن مجموعة غرب إفريقيا لم تفرض عقوبات على مالي ،وإنما اكتفت بتعليق العضوية، فاكتشفت فرنسا أنها كانت ملكية أكثر من الملك؛ لأنها لا ينبغي أن تعاقب مالي و مجموعة غرب إفريقيا لم تعاقبها، كما أنها أفسحت الطريق أمام الضيف الروسي غير المرحب به في باماكو ،والذي أصبح وجوده واقعا في دولة إفريقيا الوسطى ،وهذا يعتبر ضربة للسياسة الفرنسية وللوجود الفرنسي في المنطقة، كما أن الأمريكيين تراجعوا عن إغلاق القاعدة العسكرية في "أغاديس" بالنيجر والتي أنفقوا على إنشائها 110 مليون دولار، وكان الرئيس "ترامب" يعتزم غلقها ولكن يبدو أن "بايدن" لا ينوي إغلاقها، وهذا يدل على أن الخطرما زال قائما و القوى العظمى لم تترك الساحل.

 و إن كان من خلاصة في هذا الموضوع فإني لا أعتقد أن  وجود الثروات في الساحل هو سبب ما تعانيه المنطقة بقدر ما هو ضعف الحكامة؛ لأن هذه الأوطان تركتها فرنسا خبالا ليس فيها عدل بالمفهوم الفني والعقائدي للكلمة ،وليست فيها حكامة رشيدة، وليست فيها تنمية والنتيجة كارثية فهناك ثلاثة ملايين طفل  لم يذهبوا إلى المدرسة في مالي وهناك أكثر من مليون نازح في بوركينافاسو، وزادت جائحة كورونا "الطين بلة" في هذه المنطقة من بلاد الله جل في علاه.

 

موقع الفكر: ما تفسيركم للتخبط الفرنسي في المنطقة وما هي دوافع فرنسا الحقيقية في المنطقة؟

إسماعيل بن يعقوب بن الشيخ سيديا: لفرنسا ثلاثة دوافع أساسية فالدافع الأول هو أن 33% من الطاقة الكهربائية تنتجها المفاعلات النووية التي تتغذى على اليورانيوم من منطقة النيجر ،وأوشك على النفاد وهو موجود في شمال موريتانيا ووسط مالي وهو أمرلا يخفى استراتيجيا على أحد.

والدافع الثاني هو وجود علاقات تاريخية و ثقافية وسياسية بين فرنسا ومنطقة الساحل؛ لأن هذه الدول كانت مستعمرات فرنسية؛ ولذلك لفرنسا مسؤولية تاريخية عن الحال الذي فيه  الآن، خاصة أنها في معظمها مستنسخا دستوريا من فرنسا؛ لأنها جمهوريات.

 والدافع الثالث هو شعور فرنسا بالمسؤولية  بأنها هي من فتح النار في منطقة الساحل بسبب المعضلة الليبية  نظرا للقوة النارية الهائلة خاصة في المجال الصاروخي؛ لأن كتائب القذافي كانت في مجملها من الطوارق ،وفرنسا هي التي قادت عملية الإطاحة بنظامه؛  فجرت حلف شمال الأطلسي إلى ضرب الخاصرة الرخوة للساحل، ونجم عن المشكل الليبي مشاكل المهاجرين السريين وهجرة النار إلى منطقة الساحل ومنطقة بحيرة تشاد، وفرنسا عضو دائم في مجلس الأمن وتحرك السياسة الدولية في هذه المنطقة كما لو كانت جزء من ترابها وهو ما  تسميه وزيرة الجيوش الفرنسية "الخيشوم الجنوبي" أو "الطوق الجنوبي لأوربا" والوضع في المنطقة يهم فرنسا أكثر مما يهم الولايات المتحدة وحتى الاتحاد الإفريقي.

وأعتقد أن فرنسا فاشلة حتى الآن في استدراج قوة عظمى مثل الجزائر إلى عمل مشترك في الساحل وهذا هو السر في طول مكث قوة "برخان" وفشل الوجود الفرنسي في المنطقة حتى الآن.

 

موقع الفكر: إذن إلى أين تسير المنطقة؟

إسماعيل بن يعقوب بن الشيخ سيديا: المنطقة شهدت تساقطا للرؤساء فسقط الرئيس اتشادي "إدريس ديبي" قتيلا إثر تمرد عسكري وقد  حكم البلاد  طيلة ثلاثين سنة كان فيها مستبدا، وبالتالي هنالك مشكل في الحكامة في "تشاد" و"مالي" وشيئا ما في "موريتانيا" ولدينا في موريتانيا الرئيس السابع من المؤسسة العسكرية وهذه أيضا إشكالية وربما تتعلق بأيديولوجيا السياسية وبالطريقة التي يمارس فيها الموريتانيون التبادل على السلطة، وأمام ثورة مضادة في "بوركينافاسو" وحكم هش، وشهدت النيجر تبادلا للسلطة بين "محمدو يوسف" و"بازوم" ولكنه تبادل على صفيح ساخن وبالتالي فمحمد بن الشيخ الغزواني و"كريستيان كابوري" هما الوحيدان اللذان بقيا في سنة 2021م. من رؤساء دول الساحل.

وهناك تباطؤ في عملية التنمية  ف"تمبكتو" في منطقة  مثلا لا يربطها  طريق معبد  مع باقي المدن المالية منذ ستينيات القرن المنصرم، والموريتانيون لم يربطوا شمال بلادهم بشرقه وليست لديهم سكة حديدية لربط شرق البلاد بميناء الأطلسي مع أن ميناء نواكشوط هو الميناء الوحيد  في دول الساحل؛ لأن بقية دوله دول معزولة بحريا.

والمشكل التنموي الذي قدره البنك الدولي ب 10.4 مليار دولار في مرحلة ما قبل كورونا ما زال قائما وسيظل كذلك ما دامت المشاريع الكبرى في منطقة الساحل لم تنجز  كمشاريع الطاقة ومشروع السكة الحديدية من نواكشوط إلى نجامينا ومشاريع دمج الشباب وإعادة الاعتبار للإسلام الصحيح و المسالم في دول الساحل وللفهم الصحيح  للقرءان الكريم وللسنة النبوية لأن 95% من شعوب منطقة الساحل شعوب مسلمة إذا ما استثنينا وجودا مسيحيا محتشما في تشاد ومالي وبوركينافاسو، وهذه الأمور تجعل من معضلة  الساحل عملا جبارا ما زال الطريق أمامه طويلة.

 

موقع الفكر: ما تقويمكم لواقع التعليم في موريتانيا؟

إسماعيل بن يعقوب بن الشيخ سيديا: لا يمكن إصلاح التعليم الموريتاني بدون إنفاق الأموال ،بمعنى أننا ما دمنا لم ننجز المدرسة الجمهورية فنحن أمام معضلة في المخرجات ،فلدينا نسبة فقر عالية ونسبة التسرب المدرسي عالية أضف إلى ذلك أن رواتب المعلمين والأساتذة زهيدة جدا، وليس هنالك سكن خاص بالطلاب فتنبغي إعادة المدارس الداخلية  مثل ما هو الحال في "غانا" و"كينيا" ،وهي مستعمرات إنجليزية وكما كان الحال في موريتانيا إبان الستينات والسبعينات بحيث تصبح الجمهورية هي من يوفر للتلميذ الغذاء من صغره، وهي من يوفر له الدواء والأدوات المدرسية، حينها سنتخلص من كثير من معوقات التعليم وسنتحول خلال أربعة عشر سنة إلى مجرد رقم بدلا من فرد في قبيلة أو عرق؛ ولذلك تجد أن جيل السبعينات الذي درس فيما يعرف بالمدارس الداخلية أقل تقوقعا على الذات من الأجيال اللاحقة  المتقوقعة على ذاتها ،وأكثر قدرة على التعايش وأكثرارتباطا بمفاهيم الدولة وقد تكون الأجيال المتأخرة أكثر إدراكا وكفاءة وأتم نظرا؛ لأنه كما يقال "المتأخر أتم نظرا" ولكنهم ليسوا أكثر وطنية من سلفهم.

وإذا تم الاستثمار في المدرسة الجمهورية سواء ما يتعلق بالمنهج أو المصادر البشرية أو البنى التحتية فسنتجنب التسرب وضعف نسبة التمدرس؛  ولأنه من الأهداف الاستراتيجية مراعاة خصوصية البنات في المجتمع؛  لأن البنت لا يمكن أن تسير كيلومترين يوميا خوفا أن تتعرض للاعتداء في الطريق، وإذا توفرت المدارس وروعيت خصوصية البنت في المسكن والمدرسة وفي قاعات الرياضة الخاصة بالبنات وفي المرافق الصحية الخاصة بالبنات يمكن أن نوفر فرصة أكبر لبقاء البنات في المدارس لفترة أطول، لأن تمدرس البنات جزء أيضا  من الركائز؛ لأنك إذا كونت بنتا متعلمة فأنت بالضرورة كونت جيلا متعلما، وأخطر ما يهدد التعليم في موريتانيا هو تسرب البنات؛ لأن المرأة في النهاية هي الأم وما دامت الجمهورية تتقاعس في تعليم البنات ،فهي بالضرورة متقاعسة عن تعليم الرجال ويمكن أن نعطي مثالا على الثورة في تونس ،فلما كانت المرأة متعلمة كانت خسائر الثورة أقل ،واستطاعت المرأة لجم الرجل سواء كان زوجا أو ابنا فأسقط التونسيون الدكتاتورالتونسي وعادوا إلى بيوتهم ولم تنجح الثورة المضادة بسبب تعلم المرأة.