د. محمد الأمين بن الداه لموقع الفكر: تم تغيير اسم وزارة التعليم ثمانين مرة

الفكر(نواكشوط) في إطار مواكبة موقع الفكر لمجريات الساحة الوطنية، وسعيا منا إلى إطلاع متابعينا الكرام على تفاصيل الأحداث، بتحليل متوازن، ونقاش متبصر، نلتقي اليوم مع أحد الأكاديميين الموريتانيين، ممن عايشوا واقع التعليم، وخاصة التعليم العالي منه، فكان من رواده الأوائل الذين واكبوه طلية السنوات الماضية، إضافة إلى عمله في ميدان البحث والنشر، نحاوره ونستجلي من خلاله ما وراء الخبر، في لقاء شامل حول واقع التعليم بموريتانيا، إضافة إلى المشاكل التي تعترض العملية التربوية بموريتانيا وتعيق مخرجاتها عن بلوغ الأهداف المنشودة.

فأهلا وسهلا بضيفنا الكبير الدكتور محمد الأمين بن الداه.

 

د. محمد الأمين بن الداه : الاسم محمد الأمين بن الداه دكتور في القانون العام تخصص علم السياسة والقانون الدستوري  من جامعة محمد الخامس بالرباط ومنذ سنة  2007 وأنا متعاون مع جامعة نواكشوط  إلى حد الساعة ، عاطل عن العمل حيث أن التعاون لا يعتبر وظيفة لا من ناحية الدخل المادي إذا كان هو المرجو، ولا من حيث تطوير المعلومات إذا كان المطلوب التقدم في المجال العلمي، وعلى سبيل المثال فإن الأستاذ الجامعي لديه فترات زمنية يتقدم فيها علميا ونحن المتعاونون محرومون من هذه التقدمات، لأننا خارج الوظيفة العمومية  في حين أن الأساتذة الذين يحملون شهادات أقل رتبة من شهاداتنا يتقدمون بعد سنتين أو ثلاث سنوات ولذلك التقدم فوائد مادية ومعنوية.
 

موقع الفكر: ما تقويمكم لواقع التعليم في موريتانيا؟

د. محمد الأمين بن الداه : هذا سؤال كبير جدا ويحتاج إلى حلقات وحلقات وواقع التعليم بشكل مختصر سيء إلى أبعد الحدود منذ نشأته إلى اليوم، وتعتريه فترات ينخفض فيها مستواه وأخرى يرتفع فيها وأغلب حالاته الانخفاض.

وأرجع أسباب فساد التعليم أو التشوه الخلقي الذي يعاني إلى القيمين عليه، فليست لهم خطة أو منهج يسيرون عليه ويكفيك أن وزارة التعليم الأساسي تغير اسمها منذ الاستقلال إلى الآن أكثر من ثمانين مرة. فتارة تسمى التربية والتعليم وتارة تسمى وزارة التعليم الأساسي، ومنذ شهر كانت وزارة مندمجة وأصحبت وزارة مفككة وهو ما يجعلها تدخل في حلقة مفرغة وهكذا دواليك. وهذا نتيجة لغياب خطة ومنهجية للتعليم وهذا يدل على فشل التعليم ويدل كذلك على  أن الأشخاص الذين  يتولونه إما أنهم ليسوا خبراء في التعليم أو ليسوا وطنيين أو لا يريدون إصلاح التعليم هذا بالنسبة للتعليم الأساسي.

وتحدثت عن التعليم الأساسي لأنه المدخلات التي تنجز منها مخرجات  التعليم العالي فإذا فسدت المدخلات فلا يمكن إصلاح المخرجات أما إذا كانت المدخلات  صحيحة فمهما بلغت المخرجات فيمكن أن يصلح  منها شيء،  والمدخلات فاسدة بدء من الروضة التي ليست موجودة في موريتانيا، وموريتانيا الدولة الوحيدة التي يوجد فيها تعليم ابتدائي خصوصي تمتلكه دول أجنبية وهذه مفارقة  غريبة جدا في مجال التربية،  دولة تتنازل عن تكوين نشئها وتلقينه ما يربطه بوطنه.

 فمن أسباب فشل  التعليم أولا  أنه كلما أتى وزير ألغى عمل سلفه ثم ما يلبث أن يحل محله وزير آخر فيقوم بنفس الشيء.. كلما دخلت أمة لعنت أختها.

 و ثاني  أسباب فشل التعليم لغة التدريس ويقال إن الدولة التي لا تدرس أبناءها بلغتهم الأم لا يمكن أن يكونوا نابغين، وهذا صحيح ولكن الدولة التي يمكنها أن تفعل ذلك  هي الدولة التي تمتلك قوتها وتصدر أكثر مما تستورد وتنتج أكثر مما تستهلك وقرارها السياسي والثقافي يدعمه اقتصادها، بينما موريتانيا لا يدخل اقتصادها ضمن الدورة الاقتصادية العامة وبالتالي لا يمكن أن يستقيم تعليمها ولذلك لا بد من التدريس بلغة تأتي منها البحوث العلمية وتأتي منها المناهج ولكن دون نسيان اللغة الأم  فيجب أن يركز عليها وتكون موجودة في الإدارة وشتان ما بين الإدارة والتعليم.

فالتعليم طويل وعريض ويبنى عليه مستقبل الدولة والأجيال وهو ما يحصن الشعب من الانحراف ومن تزوير الشهادات.

 والمسألة الثالثة كما أعتقد هي الإصلاحات التي قيم بها في فترات متلاحقة ويتصور البعض أنها إصلاحات وهي في حقيقتها إفساد للتعليم أكثر من كونها إصلاحا له.

 

موقع الفكر: ما هو أسباب فشل إصلاحات التعليم؟

د. محمد الأمين بن الداه: سبب فشل الإصلاحات المذكورة هو أنها لم تأخذ  في عين الاعتبار  واقع المجتمع، واقع التلاميذ ، واقع الأسر، واقع البيئة، واقع البيئة، واقع المحيط ولم تأت تدريجيا بل جاءت كلها مفاجئة مثل القرار الذي أنشئت به جامعة نواكشوط، وهو قرار متسرع انفرادي بدون دراسة وبدون أي شيء.

 

موقع الفكر: هل المشكل اللغوي مشكل سياسي أم مشكل تربوي؟

د. محمد الأمين بن الداه: الإشكال اللغوي مشكل سياسي بامتياز وليست مشكلة تربوية لو اتفقت النخبة، -ولا أرى نخبة في موريتانيا- على اعتماد اللغة البولارية وتوحيد التدريس بها  لكان خيرا وإن كنت لا أرى أن هناك لغة وطنية مفروضة على النشء الموريتاني، ولا بد من وجود لغة لها تأثير دولي ولها تأثير اقتصادي واجتماعي.

 

موقع الفكر:  ما هو سبب النسب الكارثية في النجاح في المسابقات الوطنية؟ هل يعود الأمر إلى سوء التعليم وفشله أم  صرامة التصحيح وجديتها؟

د. محمد الأمين بن الداه: فيما يتعلق بمسألة النجاح في جميع المسابقات لو اتبعت الصرامة والجدية الحقيقية في النجاح لما نجح أحد أو لكانت نسبة النجاح قليلة جدا لضعف مستوى التلاميذ ومنذ عشر سنوات تسرب الغش إلى عقول التلاميذ الموريتانيين وهو ما جعلهم يعتمدون التفنن  في أنواع الغش وإذا لم يغش تلميذ ما  فإن زميله سيفعلها.

 

موقع الفكر: من المعلوم أن جامعة نواكشوط في ذيل الترتيب العالمي فهل يعود ذلك إلى الفشل في المراحل السابقة أم إلى الفشل في سوء التخطيط والإدارة والتمويل؟

د. محمد الأمين بن الداه: أرجع هذا إلى ثلاثة أسباب السبب الأول هو ضعف المدخلات والسبب الثاني هو ضعف الكادر التربوي لأن أغلبه غير مؤهل والسبب الثالث هو ضعف التمويل، فوزير التعليم العالي سابقا عندما سألته الصحافة عن سر تأخر موريتانيا من الرتبة 132 إلى الرتبة 138 كانت إجابته بأن موريتانيا لا تستحق التقدم أصلا، وهذه الإجابة مخجلة.

 

موقع الفكر: ما أسباب الفشل في استيعاب الطلاب رغم أن نسبة النجاح لا تتجاوز 16% ؟

د. محمد الأمين بن الداه: ما يعرف حاليا بجامعة نواكشوط بها أربع كليات وهو ما يجعلها غير مكتملة تربويا والجامعة تطلق على الجامعة المكتملة فينبغي أن تكون فيها كليتين للطب وأربع كليات للهندسة بمختلف أنواعها، وكليات للآداب بمختلف تخصصاتها وكليات للعلوم بمختلف تخصصاتها، وكذلك القانون والاقتصاد. وكلية القانون والاقتصاد مختلطان فإذا كان العميد من أهل القانون آثرهم وهمش أهل الاقتصاد والعكس صحيح.

 

موقع الفكر: حبذا لو حدثتمونا عن معاناة الأساتذة المتعاونين بجامعة نواكشوط؟

د. محمد الأمين بن الداه: سألت خبيرا عن هذه المعاناة لأني أعيشها، فالأستاذ المتعاون هو من تقوم عليه جامعة نواكشوط، فلا يمكن إجراء الامتحان دون حضورهم؛ لأن الأستاذ الرسمي لا يراقب في الامتحانات وإنما يحضر أثناء توزيع الأسئلة ثم يذهب بدعوى أن لديه انشغالا وهما متساويان في العرف الأكاديمي ويدفع للأستاذ المتعاون مقابل الرقابة 1500 أوقية قديمة مقابل الساعة الواحدة بينما يدفع للأستاذ الرسمي مقابل الرقابة 2500 أوقية مقابل الرقابة كما يقال إن الأستاذ المتعاون سيتقاضى 4000 أوقية مقابل الساعة في حين أن الأستاذ الرسمي يتقاضى 6000 أوقية مقابل الساعة الواحدة حتى ولو كان من حملة الماجستير.

وقد أقصت لجنة الملفات الدكتورة أسماء عبد الرحمن من مسابقة الترسيم وسألها رئيس اللجنة سؤالا بالفرنسية فقالت له إنها أجرت الامتحان باللغة العربية فقال لها إنه يجب عليها أن تجيب على الأسئلة فخرجت من الامتحان وبالتالي تعمد إقصاءها.