الخبير والنائب الدكتور الخليل محمدو النحوي: ما نعتبره تطورا كميا في التعليم يخفي قصورا كيفيا كبيرا"

واقع التعليم جزء من واقع الثقافة، فهنالك جوانب كمية نستطيع أن نقول إننا سجلنا فيها تقدما فموريتانيا اليوم من الدول القلائل في المنطقة التي وصلت إلى سقف الهدف المنشود من الخطط الدولية في مجال التربية للجميع، فنحن لدينا نسبة تمدرس في المرحلة الابتدائية تبلغ 100% أو تربو على ذلك.  وهذا يعتبر نجاحا كميا لافتا، ولدينا اليوم عدد من الأقطاب الجامعية سواء على مستوى التعليم العمومي أو الخصوصي، ولدينا تطور كمي لا شك فيه، تعترضه عقبة الثانوية العامة التي تعتبر بحق مجزرة لأن الدولة تنفق من مواردها، وأولياء التلاميذ ينفقون من جيوبهم وعرق جبينهم على طلاب وطالبات يصرفون سنين من زهرة شبابهم وطفولتهم في الدراسة، ثم ينهار كل شيء عندما يصلون إلى المرحلة الثانوية ولا يصل إليها في الأصل إلا نسبة ضئيلة جدا، فالذين يصلون إليها لا يكادون يبلغون نسبة الخمس أو الربع من جميع من دخلوا المدارس أصلا، ثم من ضمن أولئك الذين يصلون إلى السنة الأخيرة من التعليم الثانوي هنالك نسبة ضئيلة تحصل على البكالوريا. هذه النسبة كانت تدور حول العشرة، أقل منها أو فوقها بقليل، ووصلت في سنوات نادرة إلى أن حطمت حاجز ال20%، لكنها تبقى مأساة فالـ 80% أو الـ90% المتبقية ماذا نفعل بهم ؟

التعليم الفني والمهني كذلك عندنا ضعيف جدا للغاية، هذا فضلا عن جوانب أخرى جوهرية. وعليه، فإن كل ما نعتبره تطورا إنما هو كمي بالأساس، وهو يخفي قصورا كيفيا كبيرا. النظام التربوي عندنا لا يزود خريجيه بالمهارات الضرورية لخوض الحياة فضلا عن صناعتها، وبهذا تكون المدرسة مجرد طاحونة كبيرة وماكينة تخرج العاطلين بنسبة كبيرة وقليل من خريجيها من يمتلك المهارات الضرورية التي تؤهله للمساهمة في صناعة الحياة وأداء دور ذي بال في إعمار الأرض الذي هو من أهم وظائف الإنسان في هذه الدنيا. وأتذكر أنني اطلعت على تقرير كتبه الحاكم العام لغرب إفريقيا في أربعينيات القرن الماضي عن التعليم في موريتانيا وقال فيه " إن التعليم في موريتانيا يمثل مشكلة حادة " وكان هذا توصيفه آنذاك ولا أظن  تلك المشكلة إلا ازدادت حدة. المحضرة عندنا حوصرت وضويقت ولم تبذل الجهد الكافي لتتكيف وتتعايش وتنافس في عصر يموج بالمتغيرات، والمدرسة النظامية لم تُبْلِ بلاء حسنا في صياغة الانسان المزود بالمهارات اللائقة لصناعة الحياة، فالتعليم مأزوم دون شك. وهذه المسألة أصبحت - للأسف - محل إجماع أولي الشأن، فلا أحد يدعي اليوم أن التعليم في بلدنا بخير. وأعتقد أن هنالك أزمة تربية في العالم كله، وبقدر الوعي بحدة الأزمة نستطيع أن نبحث عن المخارج وعن الحلول.