واقع التعليم الآن بعيد مما كان ينبغي أن يكون عليه، وأهل موريتانيا لا يعطون قيمة للتعليم لا على المستوى السياسي ولا على المستوى الفردي والأسري والاجتماعي، ولم يقتنعوا أن جميع الدول تطورت بفضل التعليم، انظر إلى ميزانية التعليم عندنا ستجد أنها ضعيفة جدا لا تصل 3 أو 4%، انظر مثلا ما هي ميزانية التعليم العالي، منذ الثمانينات ونحن لدينا جامعة واحدة تقريبا وجامعة لعيون يمكن أن تقول إنها ما زالت في مسارها التجريبي، وهذا ناتج عن أننا لم نعط التعليم إمكانياته، فالتعليم اليوم لا يمكن القيام به بالإرادة وحدها، وإنما يحتاج للكادر البشري والوسائل المادية، وسأعطيك مثالا، أنا أعمل في التعليم العالي منذ ما يزيد على عشرين سنة ولا أذكر أن الدولة الموريتانية ابتعثتني في يوم من الأيام لحضور ندوة دولية، أو ملتقى دوليا ولم تبتعثني يوما لأشارك في دورة شهر او شهرين للبحث وتطوير وتحديث المعلومات، بينما الأساتذة في الدول المجاورة يتم بعثهم كل سنتين للمشاركة في تلك الدورات وهم من يختارون المكان الذي يريدون الذهاب إليه، وجامعتنا ليس لديها اشتراكات في الدوريات العالمية ولا تنظم ملتقيات، معناه أننا لدينا جامعة فيها أساتذة ندفع لهم رواتب شهرية ولا نسأل عنهم ومن تغيب منهم نقوم بتعليق راتبه، سأروي لك قصة في هذا السياق، في سنة1998م. طلبت مني جامعة اندر رفقة الزميل بال محمد الحبيب وبعض الزملاء من السينغال وغيرهم من جنسيات أخرى بأن نعكف على دراسة مشروع مشترك بين موريتانيا والسينغال حول السلك الثالث في قانون الأعمال، وكان محمد الحبيب ما شاء الله متحمسا للموضوع وكنت أنا دون ذلك فقلت له " إننا لا يمكننا القيام بالأمر" فاعترض واستفسر عن السبب فقلت له: "حين نقوم بهذا الأمر لن ينجح المشروع لأن المعايير الأكاديمية عندنا ليست واحدة" ، فحينما يأتينا الطلبة السنغاليين سيدرسهم فلان وفلان وهؤلاء ليست لديهم دكتوراه، وهذه المعايير الأكاديمية ليس مقبولة، لذلك ينبغي أن نقتصر على أن نطلب منهم أن يمنحونا مقاعد سنوية ونحن بصفتنا أساتذة سنقدم لهم ما نستطيع تقديمه، ولنترك جامعة نواكشوط لأنها لا تسير وفق المعايير الأكاديمية المقبولة، فالوظائف الإدارية بالجامعة كثيرا ما كانت بها أناس غير مؤهلين من الناحية الأكاديمية.
وأذكر مرة أن أحد الزملاء ذهب معي إلى السينغال بغية التسجيل في الدكتوراه وكنا كلما أتينا لعميد الكلية أقام لنا العشاء رفقة بعض الزملاء الأساتذة في تلك الكلية وقام زميلي الموريتاني بتعريف نفسه للعميد حيث قال إنه أستاذ في جامعة نواكشوط واستغرب الأساتذة الحاضرون وبدأ كل منهم يسألني "هو أستاذ في ما ذا؟ " لأن المنطق عندهم يقول إنه لا يمكن أن يكون أستاذا في الجامعة وهو قادم للتسجيل في الدكتوراه وهذا يعني أن تعليمنا لا تنطبق عليه المعايير الأكاديمية ولا نهتم به للأسف.