وهذا ما لمسته بنفسي، عندما اتجهت نيّتي إلى الكتابة في الزكاة في أواخر الخمسينات، وشرعتُ أبحث عن كتب الاقتصاد الوضعي لأقرأ فيها، وآخذ فكرة عن مضمونها، وعن موقفها من الإسلام وموقف الإسلام منها، وكذلك كتب المالية العامة.
وحاولت أن أجد في هذه الكتب شيئًا عن الإسلام، اعترافًا به أو تنويهًا بشأنه، ولو كناحية تاريخية، وكمذهب أو فكر ساد هذه الأقطار الإسلامية وحكمها ثلاثة عشر قرنًا من الزمان، كان هو الذي يمثِّل المرجعية العليا لها في تشريعها وتوجيهها وتفكيرها الاقتصادي والسياسي والقانوني والسلوكي.
ولكن وجدت الكاتبين على اختلاف مدارسهم وتيّاراتهم، واختلاف بلدانهم وفلسفاتهم، يهملون أمر الإسلام إهمالًا تامًّا، ولا يذكرونه مدحًا ولا قدحًا.
وقد كان سبب ذلك هو جهل هؤلاء الأساتذة والباحثين بالإسلام كله: كتابه وسُنته، وفقهه وعقيدته، واقتصاده وسياسته، فما قرءوا شيئًا عن «الفقه» بصفة عامة، ولا عن فقه «السياسة الشرعية»، وفقه «الأموال» أو «الخراج» بصفة خاصة، ونسوا أن الركن العملي الثالث في الإسلام يتعلق بالاقتصاد، وهو «الزكاة». وأن إحدى الموبقات «الكبائر» السبع، تتعلق به، وهي «أكل الربا».