
في المذردرة وراء كل صورة حكاية، وخلف كل بناية معلمة أثرية، لكن العديد من معالم المدينة العريقة -للأسف- أصبح على شفا الانهيار والاندثار، سواء في ذلك المرافق الخدمية والتعليمية والتي أصبح الكثير منها أثرا بعد عين، فيما ما يزال البعض يصارع البقاء ويقاوم عاديات الأيام كما هو حال دار الصناعة التقليدية بوسط المدينة والتي يعود إنشاؤها إلى عهود ما قبل الاستقلال الوطني، وما زالت وعود ترميمها وإعادة الاعتبار للعاملين فيها معلقة حتى إشعار جديد.. داخل غرفها المتهالكة وجدرانها المتصدعة و أسقفها الصفيحية الصدئة وورشها المهترئة ما زال هناك جنود أوفياء يحلمون بعودة الدار إلى عهودها الزاهرة ومجدها الغابر عندما حملت مشعل التحديث والابداع، وأمدت عوائل المنطقة بأدوات الرفاهية، وأسباب السعادة والهناء، كانت منتوجاتها " علامة وماركة" مسجلة لا يقدر على اقتنائها إلا علية القوم وأباطرة الأغنياء وهو ما حافظت الدار على جزء من ألقه وإلى اليوم عندما أصبحت وجهة لجان القصر لشراء الهاديا والتحف الفنية النادرة والتي يتم إتحاف الرؤساء وكبار الزوار بها كهديا خاصة كما يقول محمد مختار السالم القيم الآن رفقة ثلة قليلة من أترابه على هذه الدار التي كانت على مرمى حجر من المرافق الإدارية والمركز الصحي بالمدينة..
يحتفظ مشرفو الدار بأرشيف حي لكل الأنشطة والزيارات الحكومية والتي كان آخرها زيارة وزير التحول الرقمي في شهر أغسطس الماضي، لكن الدار اليوم في قلب الحدث مع بدء العد التنازلي لأول مهرجان دولي تشهده المدينة- كما يزعم منظموه- حيث سيكون لمعروضات الصناعة التقليدية مكانها الخاص، وسيطرق الدار زوار جدد ربما لأول مرة مما يعني أهمية ترميمها وتأهيل ورشها المهجورة وإعادة الاعتبار للعاملين فيها كما يقول أحمد ولد الشريف ممثل اتحادية الصناعة التقليدية بالمذرذرة وهو يتجول مع موفد الفكر بين جنبات الدار الخربة وجدرانها المتصدقة وصفيح سقفها المتهالك ..
تخليد "الزبرة"
يقول العاملون في الدار إن الكثير من زملائهم هجروا الميدان، وتخلو عن مهنة توارثوا أبا عن جد، بعدما أقفرت سوح الدار، وقل رواج منتوجات الصناعة التقليدية التي زهد فيها الناس لغلاء ثمنها وندرة موادها الخام..وبدل افتتاح مراكز للتكوين والتأهيل على هذه الصناعة اكتفت السلطات بافتتاح معاهد التكوين المهني رغم أنها لا تغني فتيلا، ولا تجدي في الحفاظ على التراث المادي والمعنوي للوطن يعلق ولد أشريف..
ومع ذلك فالصناعة التقليدية لا تستغني عن بعض الورش المجهزة لأعمال الحدادة والنجارة، وهو ما أدركه المستعمر والذي زود الدار بماكنات للحدادة والنجارة وحتى الخياطة لكن انعدام الصيانة وتراكم الاعطال أخرج كل ورش الدار من الخدمة، وتركها مهملة للصدأ والغبار لذا يطالب العاملون بتصليح هذه الورش وترميم البناية حتى تكون آمنه غير آئلة للسقوط، فيما يشدد ولد أشريف على أن لفتة من هذا القبيل وإعادة الاعتبار للعاملين في المجال أمر مطلوب وملح خاصة بعد إنشاء معهد للموسيقى فلم يعاد الاعتبار للتديدينت ولا يعاد "للزبرة" أو "الكير" على حد تعبيره.
كانت نسمات يوم شتوي تدثرت شمسه تحت غلالة غيوم بيضاء تصافح الأفق عندما تركنا الدار والعاملين فيها وهم يسترجعون الذكريات ويرددون الوعود المعسولة التي كثيرا ما سمعوها عن ضرورة ترميم الدار وإعادة لاعتبار للعاملين فيها فهل تكون وعود المهرجان أكثر مصداقية وأقوم قليلا يعلق أحدهم.
ذاكرة وتاريخ
دار الصناعة التقليدية بالمذرذرة معلم تاريخي وثقافي تأسست في الأربعينيات من القرن الماضي خلال الحقبة الاستعمارية، وتحولت إلى مركز للحرفيين للإنتاج والإبداع الثقافي، وكانت تُمثل المنشأة الوحيدة المتخصصة في هذا المجال، وحصدت جوائز دولية، وساهمت منتجاتها في التعريف بموريتانيا عالمياً.
الإنجازات: فازت بالميدالية الذهبية في معرض باريس عام 1968 وحصلت على المرتبة الأولى في معرض نواكشوط الدولي عام 1974.



















