نسائم الإشراق الحلقة رقم (1703) 14 سبتمبر2021م،06 صفر1443هـ، مذكرات الشيخ د.يوسف القرضاوي الحلقة رقم (734).

وهذا هو نصُّ رسالة المستشرق الألماني:
Wendelin wenzel - teuber,M.A
Schwabacher str. 61
D - 90763 Furth
Germany
(27) April (1995)
الشيخ المحترم: أ. د. يوسف القرضاوي
كلية الشريعة والدراسات الإسلامية
جامعة قطر
الدوحة - دولة قطر
السلام عليكم ورحمة الله - الذي نعبده كلنا على طريقتنا - وبركاته!
تحياتي الخالصة الطيبة، وبعد:
فلا شك في أنكم تعلمون كيف تدور مناقشات كثيرة في الغرب حول «الإسلام السياسي» أو «الإسلام المتطرف» أو «الأصوليون»، حتى «الخطر الإسلامي»، وما أشبه ذلك من العبارات، على أنَّ هؤلاء الكاتبين يجهلون أو يتجاهلون تيار «الوسطية» الإسلامية الذي يتجسَّد في فكر فضيلتكم.
لهذا توجَّهت منذ سنتين إلى قراءة مؤلفاتكم، حتى قرأت أكثرية ما كتبتموه، وبدأت بكتابة دراسة بعنوان: «الإسلام والسياسة عند يوسف القرضاوي» - وإن لم أكن أرضى بلفظ العنوان على الإطلاق - في إطار معهد الدراسات العالية في الشرق الأوسط المعاصر (Graduiertenkolleg) المشجّع من الدولة الألمانية وولاياتها بجامعة إرلنجن (Erlangen) طالبًا للدكتوراه. أما موضوع الدراسة فليس مجرَّد البحث في آرائكم وعرضها، بل كذلك دراسة في نسبة النظريات الغربية الأوروبية من جانب والتراث الإسلامي من جانب آخر في تصور المجتمع الإسلامي كما تعرضونه؛ هذا لأنَّ كثيرًا من الأوروبيين، بل من المستشرقين ما زالوا يرون الإسلام ممثلًا تقليد القديم والقدماء، حتى الجمود، فكل فكر معاصر أو حديث فهو أوروبي الأصل، مأخوذ من الغرب ودخيل في الإسلام. بمعنى أن مفكري الإسلام منذ عهد مقابلتهم الأولى بالغرب الحديث يحاولون أن يبرّروا ويُرجعوا الثاني إلى الأول، وأن يَصِلُوا بين ما لا صلة له، وهذا من المستحيل كما يدعون.
وأودُّ أن أؤكد هنا أن إعلان ما هو «أصيل» أم «دخيل» في الإسلام، أو تقرير ما هو منه وما ليس منه، ليس لي ولا لأحد مثلي، إنما هو شأن المسلمين المؤمنين برسالة محمد، باجتهاداتهم ثم اختلافهم وإجماعهم... ولكني أريد إثبات أن التفريق المذكور غير صحيح، وأنه يضل عن الطريق إلى فهم جيد؛ لأن الذي يعايش هذا العصر هو بهذا معاصر بحيث إن لقضايا العصر وظروفه أو أحواله وتحدياته، أثرًا كبيرًا في فكره، ولا سيما إن كان من الملتزمين بدينه فيسأل نفسه: ما المطلوب مني في قضية ما؟ وسيبحث عن تركيب حتى لا يتمزق بين واجبات دينه ومقتضيات واقعه، ولن يكتفي بمجرَّد التبرير. وإذا كان من أهل الفكر والتحقيق، بل الاجتهاد، فعليه أن يُرجِّح ويجمع بين التراث والتقاليد والمسائل العصرية في تفهّمه للنصوص من القرآن والسنة النبوية.
هذا ما فهمتُ من قراءة كتب فضيلتكم: أنكم تنشدون مجتمعًا أصيلًا عصريًّا، وأنكم تجددون مفاهيم التراث بحيث تفيد العصر الحديث، في حين أنكم تنسبون المفاهيم الحديثة إلى التراث، بل إلى الأصول نفسها، وتحورونها بحيث تصبح جزءًا لا يتجزأ منه، وإن كانت غربية الأصل؛ حتى بعض الثوابت، وإن بقيت على المعنى نفسه، يمكن تجديد أشكالها لإحسان إقامتها. ومعنى هذا أن كلًّا من مفاهيم التراث والفكر الغربي الحديث لم يعد تمامًا نفس الشيء. ولعل المثال الأوضح في ذلك ما قلتموه في «النظام الديمقراطي» و «تعدُّد الأحزاب» ونحوهما من أساليب الدولة الإسلامية المنشودة. وقد أعجبني قولكم بأن هذا هو منهج «السلفية»: أي تكييف تطبيق الأحكام للتوصل إلى الأهداف الكبرى باعتبار مستلزمات العصر ومكتسباته.
فانتهيت من تحليل المنهاج الفكري لفضيلتكم إلى أن المستحيل هنا ليس الجمع بين «العصري» و «التقليدي» أو «التراثي»، بل المستحيل هو تفريقهما، وإن افترضنا أن المجتمع «الصناعي» الحديث وتغير مؤسساته وفق تقدم الوسائل التكنولوجية ونحوه من مسلّمات العصر، حتى النظام الدولي، من ابتداعات الغرب.
وسؤالي الأول إليكم هنا: هل توافقون على ما أراه؟ وهل تفهّمي لفكركم صحيح أو غلط؟ وأين الخطأ إن كنت خاطئًا؟ أو بعبارة أخرى: كيف تتمنون أن أتناول هذه القضية، وفكركم بصفة عامة؟ بل لعلكم تعارضون منطلقي عمومًا؟؟
على أن هناك عدة أسئلة أخرى:
أولها يتعلق بالمستقبل: كيف تقدّرون الآمال لنجاح تيار الوسطية الإسلامية؟ ألا ترون الخطر أن ينسحق بين استبداد الحكام الذين يأبون على القوى الإسلامية المعتدلة الوصول إلى السلطة ولو عن طريق الانتخابات، وبين رد فعل المتطرفين من الإسلاميين الذين يميلون إلى العنف، فتنشب حرب بين الطرفين لا مجال فيها لكلمة اعتدال؟ وبأي إستراتيحية توصون إذن؟
وهل العنف عندكم وسيلة مقبولة في حال من الأحوال؟
وثانيها يتعلق بالحاضر: كيف تحسبون نفوذ دعاة الوسطية عند الجماهير وعند الشباب الإسلامي في بلد كمصر، وبخاصة - وإن كان الجواب شائكًا - نفوذ نفسكم؟
وثالثًا يتعلق بالماضي: هل ترون في تفكيركم - ما عدا الاعتقادات الأساسية - أيّ تطور - ولا أعني تناقضًا - من أقوال الشاب الطالب إلى أقوال الشيخ الناضج، أو بين الأربعينات والتسعينات بما حدث في هذه المرحلة من تغيرات الظروف السياسية والاجتماعية؟ وأين يظهر هذا التطور إذا كان موجودًا؟
كانت عندي أسئلة أخرى متنوعة لا أسألها هنا لكي لا آخذ من وقتكم الضيق أكثر مما ينبغي، وأنا عارف لكثرة مهمّاتكم الشتى، ولكنني اعتقدت أنكم قد تهتمّون بما يُكتب عنكم في الغرب، وينبغي أن يكون لكم الكلام فيه.
إن أكرمتموني بأن تعتبروني جديرًا بالجواب أكون مسرورًا جدًّا.
حفظكم الله ووهبكم التوفيق!