في إطار مواكبة موقع الفكر لمجريات الساحة الوطنية، وسعيا منه إلى إطلاع المتابعين الكرام على تفاصيل الأحداث، بتحليل متوازن، ونقاش متبصر، نلتقي اليوم مع أحد أبرز السياسيين، ممن خبروا دروب السياسة والنضال الرئيس عبد السلام بن حرمه، في لقاء شامل يتناول الشأن الموريتاني وآخر تطورات المشهد السياسي الموريتاني.
وهذا نص المقابلة:
موقع الفكر: ما آخر مستجدات الحوار السياسي المزمع عقده؟
الرئيس عبد السلام بن حرمه: آخر مستجدات الحوار هو الموقف العام الذي يكاد يكون مجمعا عليه خاصة من قبل مختلف أطياف المعارضة، وجديد الإجراءات التقنية أنه كان من المفترض توجيه دعوة للأحزاب والأطراف الفاعلة من أجل الموافقة على تشكيل لجنة تتولى التحضير للحوار، وأغلب الحسابات الموضوعية هي أن هذه اللجنة ستكون موجودة بحر الأسبوع القادم.
موقع الفكر: مصدر الدعوة لهذا التشاور، هل هو السلطة أم الأحزاب؟
الرئيس عبد السلام بن حرمه: كل دعا إليه وهو مطلب التزم به رئيس الجمهورية في برنامجه من خلال إعلانه عن استعداده للتشاور واللقاء الدائم مع الأحزاب والقوى السياسية وعبر عن ذلك بشكل واضح بلقائه مع أغلب الزعامات والشخصيات المعارضة التي التقاها بعد ذلك، ثم جسد ذلك في ذراعه السياسي الممثل في رئيس الحزب الحاكم، والذي دعا في مارس سنة 2020 إلى التشاور المشترك لمواجهة جائحة كوفيد، ولكن ظهر لاحقا أن تلك الدعوة رغم أهميتها لكن لا ينبغي أن تكون بحجم انشغالات الطبقة السياسية ويجب أن تدع ذلك للحكومة والجهاز التنفيذي وأن تكتفي الطبقة السياسية بتقديم آرائها وأن تنكب على موضوع حل المشاكل الجوهرية بالنسبة للشعب الموريتاني ولن يكون ذلك إلا عن طريق الحوار، ومن خلال مسيرة متدرجة توصلنا إلى الوثيقة التي أنجزنا في نهاية شهر فبراير المنصرم والتي سميناها نحن في المعارضة "الحوار" وتحفظ زملاؤنا في الأغلبية على كلمة الحوار وسموها باسم "التشاور" وقبلنا نحن المعارضة لفظ التشاور لكي نكون نزيهين ولكن الموضوعات هي نفسها والآليات لتطبيق ما سنتفق عليه تضمنتها الوثيقة. وبالتالي هو حوار دعا إليه ضمنيا رئيس الجمهورية ودعت إليه مختلف الأطراف واتفقت على أنه المحطة المهمة التي يمكن من خلالها أن نسلك منعرجا يختلف عما كنا فيه، وكانت هنالك خلافات داخل المعارضة فبعضها كان يرى أن الطريقة التي دعي بها إلى الحوار من جهة و تسميته بالتشاور من جهة أخرى لا تنبئ ولا تؤكد جديته، وبعضها الآخر كان يرى أن ذلك كاف، أما الآن فالجميع اتفق على أن الدعوة بالصيغة التي تحدث عنها رئيس الجمهورية سواء من خلال لقائه مع الأحزاب أو من خلال مقابلاته وخطاباته التي قدم كافية من ناحية الضمانة الأخلاقية والسياسية ويبقى بالفعل أن الأمور بخواتيمها وأن تكون الإرادة السياسية موجودة، وأنا من الأشخاص الذين لديهم أمل في أن هنالك إرادة سياسية ولدي أمل في أننا يمكن أن ننجح في هذا الحوار ونتوصل إلى أشياء لم نتوصل إليها في الحوارات الماضية و كوننا قد أخفقنا في حوارات سابقة لا يبرر تخلفنا عن الحوار لأنه لا يوجد ممر يوصل إلى حل المشاكل سواء ما كان منها مستجدا وطارئا وهو كثير أو ما كان قديما وهو كذلك إلا من خلال الحوار، والحوار يعني أن القضايا يجب أن نطرحها وأن نبحث لها عن حلول توافقية نتفق عليها جميعا وعندما نطلق كلمة توافق فإن الحدود الحدية والمتطرفة وخطاب الغلو سينخفضان لصالح الحل الوسط، و أرى أنما يتفق عليه السواد الأعظم من السياسيين الموريتانيين ستكون فيه المصلحة العامة للبلد.
موقع الفكر: ما أهم الأمور التي ينبغي أن يتناولها الحوار، وهل تبلورت مسبقا أم هي متروكة للجنة التنسيق؟
الرئيس عبد السلام بن حرمه: الصيغة النهائية ستحددها لجنة سيشارك فيها الجميع وهي من يحدد ورشات الحوار ولجانه، ولكننا وقعنا ضمن مجموعة أحزاب من المعارضة وثيقة مبادرة مع جميع أحزاب الأغلبية تضمنت المواضيع التي ينبغي للحوار أن يتناولها، وتتضمن كل ما كانت تتقدم به المعارضة منذ سنة 1991م وكل ما استجد من متطلبات تطوير الديمقراطية وتطوير الحكامة ونقاش مسألة الوحدة الوطنية والسلم الأهلي والتعايش والدفاع عن ثوابت البلد وهي بالنسبة لي: الانتماء للدين الإسلامي والانتماء العربي الإفريقي لهذا البلد وما يترتب على هذا الانتماء من حامل لغوي وعلى رأسه اللغة العربية التي يتحدث عنها الدستور في مادته السادسة ونصها هو "أن اللغة الرسمية هي اللغة العربية واللغات الوطنيات هي اللغة العربية السونكية والبولارية والولفية".
موقع الفكر: لماذا يستبق التشاور حول التعليم الحوار المزمع إجراؤه، هل هذا يعني أن اللغة العربية غير مدرجة في الحوار أم ماذا؟
الرئيس عبد السلام بن حرمه: أرى أن هذا التشاور تشاور فني وحسبما فهمت من لقاء الوزير مع الفاعلين أنه عبارة عن مجموعة من البعثات ستجوب مختلف أنحاء البلاد وتستطلع المشاكل الفنية والبيداغوجية والبنيوية التي يواجهها التعليم لتطويره وهذا ما سيناقش في ملتقيات سيدعى لها السياسيون في منتصف شهر نوفمبر المقبل وخلاصة ما ستتوصل إليه الأطراف سيكون ضمن ورقات الحوار الوطني ومن هذا المنظور أرى أنه سيساعد المتحاورين كي تكون لهم تصورات وآراء واضحة فيها الخبرات الفنية والتصورات.
ولغة التعليم هي العامل الأساسي والحاسم في إصلاحه، ولا يمكن لبلد يحترم نفسه ودستوره وتاريخه وهويته الحضارية أن يعتمد لغة غير لغته كما لا يمكن له أن يعتمد على لغة هي نقيضه الثقافي ونقيضه التاريخي فيعتمدها لغة رسمية، كذلك لا يمكن لأي بلد الاعتماد على لغة آئلة للزوال والضعف والهوان ومكانتها في اللغات العالمية تتقهقر وتدهور، ويترك لغته التي تتعزز مكانتها تكنلوجيا وثقافيا وبالتالي لا مناص من اعتماد اللغة العربية وفي المقابل لا بد من اعتماد طريقة لتطوير اللغات الوطنية وتمكينها وتدريسها وجعلها لغات رسمية معتمدة في جمهورية نص دستورها ونصت حقائقها التاريخية والزمنية على ذلك وبالتالي تجاوز هذه المسألة نسميه نحن باللهجة الحسانية " اطلي أعل الزغب" وتجاهل الحقيقة وتجاهل المرض لا يعني علاجه أو برؤه، وهذه القضية محورية وتبقى القضايا الأخرى وهي قضايا أساسية ومحورية وكلها مرتبطة بوجود إرادة سياسية للإصلاح سواء ما تعلق منها بالوحدة الوطنية والتعايش والغبن أو ما تعلق منها بمحاربة الإقصاء والتهميش كلها تمر عبر التعليم وإصلاحه وتحقيق مطالبه بذلك نكون قد قطعنا الخطوة الأولى في سبيل الإصلاحات بما في ذلك الإصلاح الإداري والإصلاح الانتخابي.
موقع الفكر: ألا تستشعرون خطورة فتح المجال لتغيير الدستور في دولة ضعيفة مثل موريتانيا؟
الرئيس عبد السلام بن حرمه: نحن نتكلم من منطق سياسي هو منطق التراضي والإجماع والتوافق وهذا المنطق من اختاره لا يمكنه قول لا، وإنما يمكنه أن يعبر عن وجهة نظره الشخصية، ووجهة نظري الشخصية أن الدستور واستقراره عامل حاسم في ثبات واستقرار البلد، وبلد مثل موريتانيا محددات استقراره وثباته ما زالت فيها بعض الهشاشة والضعف لا ينبغي أن تزاد، وهذا لا يمنع إن كانت هنالك قضايا عملية وواضحة يحصل عليها الوفاق أن تناقش وتطرح و ما حصل عليه الوفاق لا ينبغي أن يعترض عليه أحد، وما لم يحصل عليه الوفاق لا ينبغي للحوار أن يميل إليه، وأنا لدي بعض النقاط التي لا أوافق عليها في الدستور ولكنني ممن يميل إلى ترك الدستور وعدم تغييره لأن هدوءه يساعد على هدوء الدولة واستقرارها، وأرى أن المشاكل الجوهرية يمكن أن تحل وتعالج دون مس الدستور أو تغييره.
موقع الفكر: ما موقفكم من الدعوة لتحويل نظام الحكم من رئاسي إلى برلماني؟
الرئيس عبد السلام بن حرمه: في مرحلة معينة كان لدينا مشروع سياسي يتمثل في أنه لمواجهة حكم الفرد الذي هو الداء الأكبر الذي تواجهه موريتانيا، ينبغي إعطاء جزء من صلاحيات رئيس الجمهورية للبرلمان وأن يكون الرئيس منتخبا من قبل البرلمان، ولكن الأيام أثبتت أنه تصورنا كان خاطئا، وظهر لنا أن بلدنا يحتاج إلى رئاسة قوية وإلى حكم مركزي قوي يوحده ويشد من أزره، ومع ذلك ينبغي أن نقوي من سلطات الرقابة والبرلمان وقوة نفاذ المعارضة إلى المعلومات وتقويم أداء الحكومة ومتابعته وخلق الضمانات التي تحد من تغول حكم الفرد.
لابد من خلق مؤسسات رديفة وبديلة دون إضعاف مؤسسة الرئاسة وينبغي البحث عن شخص أمين ومؤتمن لديه الأهلية الأخلاقية والقانونية والتاريخية لكي يبر القسم الذي يقسمه أثناء توليه الرئاسة من حماية الدستور والحوزة الترابية لموريتانيا.
ولذلك في ظل التجارب، خاصة ما بعد 2010 وزوال دول كانت قائمة والقلاقل التي تجوب انتماءنا القاري والقومي والعالمي أصبحت أميل إلى البحث عن نظام رئاسي قوي ومستقر.
موقع الفكر: أين أنتم من الدعوات المطالبة بإلغاء المجالس الجهوية وعودة مجلس الشيوخ؟
الرئيس عبد السلام بن حرمه: أنتم تريدون أن تضعوني في خيار وحيد، أنا لا أميل إلى تغيير الدستور في الوقت الراهن وأرى أن هذه المجالس من حيث المبدأ مسألة مهمة للتنمية فهي تعزز اللامركزية والتسيير المناطقي والتسيير الذاتي المحل، ولكننا لم ننجح في تجربة البلديات التي لم تعط لها التشريعات والموارد المالية أو القوة المعنوية التي تمكنها من النجاح ولذلك كان الأولى بنا أن نعطيها الوسائل لتحقق الهدف الذي أنشئت من أجله بدلا من تجاوزها إلى المرحلة الثانية خاصة أن إلغاء مجلس الشيوخ زورت فيه الإرادة الموريتانية جهارا نهارا والكل يعرف أن الشعب الموريتاني لم يصوت على هذه التعديلات ورغم كل الغرامات التي كلفتنا هذه العملية فإني أرى أن تكلفة نزع هيبة الدستور وجعله وثيقة تغير كل وقت ستكون أكبر وأثقل.
موقع الفكر: تعاني القطاعات الاقتصادية (الصيد، البيئة، الماء والكهرباء...) في نواذيبو مشاكل جمة، لماذا لم تساءلوا - كبرلمانيين - الوزراء المعنيين بهذه القطاعات؟
الرئيس عبد السلام بن حرمه: هذا السؤال يتكون من شقيين وسأبد بالشق الذي ندافع به نحن المعارضة عن أنفسنا رغم أن الشق الآخر أهم و أعظم فائدة على الشعب الموريتاني، أرى أن الدورة البرلمانية المنصرمة كانت من أكثر الدورات البرلمانية مساءلة للوزراء وأكثر الأسئلة التي طرحت طرحتها المعارضة، حيث تمت مساءلة وزراء: الصيد - الصحة - الصناعة والتجارة، وحتى الوزير الأول قدمنا له مساءلة لكنه رفض الحضور، وحكمت عملنا كذلك مسألة كوفيد التي حدت من حضور البرلمانيين، والمعارضة لا تملك إلا منبر البرلمان من خلال ممثليها، أو صحافتها ومواقعها الإلكترونية وإن كنا نحن من طيف من المعارضة يرى أنه ما دام في الإمكان حل المشاكل عبر التوافق فذلك أفضل وأن التوتير والعنف والعلاقات الخشنة لم تجلب شيئا يذكر منذ العام ،1991 وهذه هي قناعاتنا ما دام هذا الطريق موجودا بغض النظر عن تثاقل النظام عن الحوار.
وما تحدثتم عنه موجود وسببه الفساد ولا يمكن حله إلا عبر المؤسسات، والبلد حتى الآن لم ينجح في تشكيل مؤسساته سواء كانت مؤسسات حكامة أو مؤسسات ضبطية أو مؤسسات رقابة حقيقية أو مؤسسات دستورية، وأي بلد لا توجد فيه هذه المؤسسات لا يمكن إلا أن يستمر فيه وجود الفساد، فوزير الصيد إن علم أنه آمن من الرقابة وأن محكمة الحسابات لن تزوره و مفتشية الدولة لن تفتشه والبرلمان لن يحاسبه فسيتصرف كما يشاء مثله في ذلك مثل وزير الزراعة ووزير البيئة وهذه الأمور كارثية وتصل إلى مستوى الخيانة لأن هذه ثروات هائلة نهبت ودمرت بعدها البيئة ومن المعلوم أن أخطر ما تواجه البشرية اليوم هو مشكل البيئة وهذه الشركات جشعة وسيئة حسبما ورد عنها من تقارير في مجال البيئة وأضرارها مستمرة مع الأجيال القادمة فأبناء أبناء الأبناء سيرثون الأمراض والسموم وبيئة طاردة نظرا لاستخدام مواد سامة استخداما تعسفيا بطريقة أهلكت البيئة ولم يجد المواطنين أثرا لخيرها وشركة تازيازت يطرح حولها أكبر سؤال من أبسط إنسان وهو أن مدير شركة معادن موريتانيا أعلن في تصريحات رسمية أن استخراج الذهب من التعدين السطحي بلغ 40 كيلوغراما في اليوم وهذا المبلغ كبير جدا ونحن البلد الوحيد الذي استفاد من أزمة كوفيد فتضاعف سعر الحديد خمس مرات ومعنى ذلك أن ما كنا نجنيه من أرباح في خمس سنوات صرنا نجنيه في سنة واحدة كما جاء في تصريحات وزير الطاقة والمعادن عبد السلام بن محمد صالح وكذلك الذهب والسمك الذي تضاعف الطلب عليه عالميا وتضاعفت أثمانه ونزعت عنا الديون مع العلم أن سعر قنينة الزيت تضاعف خمس مرات وسعر كيلو الأرز تضاعف هو الآخر خمس مرات والغلاء العالمي لا يبرر ذلك وتلك مغالطة وهو لا يبرر إطلاقا كلفة الأسعار اليوم وسبب ما نعانيه هو الاحتكار والجشع والليبرالية المتوحشة وغياب أداة سلطوية حاكمة تدافع عن حقوق المواطنين، ومواجهته تمكن في وجود دولة قوية وضبط الاحتكار وأن نحله بنيويا فنزرع الأرز وننتج الألبان والسكر، وشركة السكر التي قيل لنا منذ عشرة أعوام أنها ستوفر الاكتفاء الذاتي بينما جيراننا السينغاليون بدأوا معنا وأنتجوا اكتفاء ذاتيا فيما يتعلق بالسكر ونحن ما زلنا نستورد السكر من البرازيل، وأما فيما يتعلق بالزيوت فنحن نستوردها من المغرب وتركيا والسنغال وما زالت موجودة ولا يمكن أن يكون فيها احتكار مبرر وليس الأمر إلا أن هنالك تجارا أطلقت أيديهم لينهكوا المواطنين بالغلاء ليحصلوا على الأرباح والمسؤولية الأولى تقع على رئيس الجمهورية الذي يجب أن يدافع عن المواطنين وأول دفاع عن المواطنين هو أمنهم الغذائي لأن الغذائي أخطر من الأمن المادي فمن طعن بالسكين على سبيل المثال يمكن أن يعالج لكن أن تعاني أسرة من الجوع فذلك أمر خطير، فسمكة " يابوي" مثلا أصبح سعرها 500 أوقية بدلا من 50 أو 60 أوقية في وقت سابق ومسؤولية الدولة هي أن تنشئ سياسات تنموية اقتصادية تمكنها من توفير الاكتفاء الذاتي لمواطنيها وبالإمكان القيام بهذا الأمر وسأعطيك مثالا وهو أن بحيرة اركيز كما جاء في تقارير منظمة "الفاو" فالهكتار الواحد منها يمكن أن ينتج 12 طنا وهي من أحسن الأراضي العالمية، فالمنطقة التي ثار فيها الجياع والمضطهدون تقع في أخصب مناطق العالم الزراعية، وكان من المفترض أن تكون فيها آلات الزراعة ويتم إيصالها وتصديرها ومن المفترض أن يكون أهلها من أكثر الناس راحة وأكثرهم رفاهية وهي من أكثر المناطق تخلفا بسبب غياب السياسات الاقتصادية والتنموية والزراعية وهذا ينطبق على أهل نواذيبو الذين يمتلكون ثروات هائلة من السمك، ويشترونه بأسعار مرتفعة وينطبق الأمر على سكان مدينة النعمة الذين يمتلكون الكثير من قطعان الأبقار بينما يستوردون الألبان من تايوان ولا تتوفر لهم الأجبان أو الزبدة، ونفس الشيء ينطبق على سكان منطقة آفطوط الذين يتملكون منطقة خصبة ويشترون الخضروات من أكادير بالمغرب ونفس الشيء لأهل كنكصوصه الذين يمتلكون بحيرة أرضها خصبة ومع ذلك يشترون الخضروات القادمة من المغرب وكل موريتانيا تعاني نفس الإشكال بسبب غياب السياسات التنموية.
موقع الفكر: هل سيدرج موضوع الحكامة في الحوار القادم؟
الرئيس عبد السلام بن حرمه: هذا هو لب الحوار، والحكامة مفهوم عام والطريقة التي سيعيش بها الناس ويدرسون بها وينشئون بها وسائل العيش الكريم ووسائل الاتصال وتلك التي يجدون بها الماء والإنارة و الأمن وما يحول بيننا وبين هذه المسائل هي الحكامة وهذه ليست مسؤولية الرئيس وإنما مسؤوليته هي ما يقع حاليا من ارتفاع الأسعار وموضوع الأمن والفساد الحالي، وأما غير ذلك فمسؤولية تراكمية.
موقع الفكر: أليس الأولى بالدولة توفير مشاريع تحسن من دخل الفرد بدل التدخل لفرض أسعار معينة؟
الرئيس عبد السلام بن حرمه: لست مع الحل الليبرالي فنحن في مجتمع يعيش ثلثاه تحت خط الفقر ويعانون من التهميش والعيش تحت الأكواخ ولا يمكن أن يترك مصير طعامهم وشرابهم في يد التجار بل يجب أن تتخذ سياسات تمكنهم من الاستفادة من ريع الدولة وعائداتها ولكن في نفس الوقت يجب خلق تنافسية حقيقية، والدولة يمكن أن تضمن غذاء الناس ودواءهم وتعليمهم.
موقع الفكر: البعض يرى أن المعارضة أخطأت كثيرا منذ العام 1991 وبالتالي أسهمت في تراجع الديمقراطية، فما تقويمكم لأدائها؟
الرئيس عبد السلام بن حرمه: لدي بعض الملاحظات على المعارضة لكنني لن أقولها الآن لما أرى من هجوم عليها، فالمعارضة هي مشاريع سياسية ناضلت منذ نشأة موريتانيا وقبل وجود الديمقراطية فدخلت السجون وضحت حتى الموت ولكن خطأ المعارضة الوحيد هو عجزها عن الاتحاد وعجزها عن خلق قطب سياسي قوي في مواجهة السلطة، والمعارضة ليس لها من أوراق القوة إلا وحدتها وهذه الورقة ضعيفة لحد الساعة.
موقع الفكر: ما تقويمكم لأداء مؤسسة المعارضة الديمقراطية؟
الرئيس عبد السلام بن حرمه: لا توجد حتى الآن، ويعطلها الآن أمران أسياسيان فرئيس الوزراء عطل مراسيمها التنفيذية، فالقانون أصدر ولم تصدر مراسيم تنفيذه وبالتالي لا تعمل وزعيم مؤسستها هو الآخر لا يجتمع بهيئتها التنفيذية ولا يقدم لها التقارير.
ورئيس الجمهورية لم يلتق بها منذ ثلاث سنوات وكذلك وزيره الأول والقانون ينص على أن يلتقي زعيم المعارضة برئيس الجمهورية خلال ثلاثة أشهر والوزير الأول من شهر إلى ثلاثة أشهر وإلى الآن لم تصدر أي تقرير.
موقع الفكر: هل من الضروري وجودها أم لا ؟
الرئيس عبد السلام بن حرمه بن عبد الجليل: بلى من الضروري وجودها لأنها هي الأداة الدستورية التي تمكن المعارضة من متابعة أداء الحكومة والسياق الذي وجدت فيه ليس سياقا صحيحا ولكن كان بالإمكان تصحيحه، وكما قلت سابقا إن خطأ المعارضة الوحيد هو عدم توحدها، ومما يؤلم النفس، و لكن لا بد من مصارحة الشعب به وهو أننا نحن المعارضة لم نلتق كمعارضة إلا في أحضان الأغلبية وبدعوة من الأغلبية.
موقع الفكر: ما تقويمكم لواقع التعليم في موريتانيا؟
الرئيس عبد السلام بن حرمه بن عبد الجليل: واقع فاسد ولن تنظر مكان من أماكنه إلا وجدته فاسدا.
موقع الفكر: إلا م ترجعون الأزمة المستفحلة في نسب النجاح في الامتحانات الوطنية وهل ترون هذه النسب مظهرا من مظاهر الفشل أم أنها مظهر من مظاهر الصرامة والجدية؟
الرئيس عبد السلام بن حرمه: بل هي مظهر من مظاهر الفشل وأقل نسبة للنجاح في محيطنا الإقليمي هي نسبة 30% بالسنغال، أما المغرب فقد وصلت فيه نسبة النجاح إلى 70% وتونس 60% وفرنسا 100%.
موقع الفكر: التدني الشديد في مستوى جامعتنا الوحيدة والتي تحتل ذيل الترتيب العالمي، هل له علاقة بالفشل في المراحل الابتدائية والثانوية، أم في إدارة وتخطيط وتمويل قطاع التعليم العالي؟
الرئيس عبد السلام بن حرمه: التعليم سلسلة متواصلة ومن نجح وهو ضعيف سيبقى ضعيفا لأن التعليم الثانوي إنما يأتيه خريجو التعليم الإعدادي والتعليم الإعدادي يلجه خريجو التعليم الابتدائي وما يقع من تصفية ليس حقيقيا وكانت هنالك في التعليم العالي محاولات تتعلق بدمقرطة التعليم العالي ولكن قضى عليها الوزير السابق والديمقراطية يمكن أن تنجز بما هو موجود ولكن كان بالإمكان تطويرها، ولا ينبغي القضاء على الديمقراطية بحجة أنها كانت تحكمها قبيلة واحدة وحسب رأي الوزير فإنه ألغى حكمها وحل مكانها حكمه الفردي، وهذا ليس صحيحا بل كان في الجامعات الكثير من التيارات فهل يعقل أن سبعمائة أستاذ جامعي ليس من بينهم حكيم إلا شخص الوزير وحده.
موقع الفكر: ما تقويمكم لسنتين من حكم الرئيس محمد بن الشيخ الغزواني؟
الرئيس عبد السلام بن حرمه: ليست على مستوى التطلعات وإن كان لدي فيه أمل أن يغير مساره، وكوني لست راضيا عن المسار لا يعني أني فقدت الأمل وفي الحقيقة ليس هنالك من بدائل أخرى، وينبغي أن يفهم فخامة رئيس الجمهورية محمد بن الشيخ الغزواني وغيره من حكام موريتانيا أنه لا ينبغي أن يختبر صبر الناس لأن من يختبر صبر الناس هو من لا يملك شيئا يمكن أن يفقده.
موقع الفكر: ما تقويمكم لأداء مندوبية تآزر، البعض يأخذ عليها التوزيعات النقدية بدل خلق مشاريع مستدامة؟
الرئيس عبد السلام بن حرمه: لا يمكن أن أكون ضد توزيع نقود على أي مواطن موريتاني ولكني لا أرى أن هذه هي الطريقة الناجعة لحل مشكلة الفقر فالناس محتاجون جدا، ولكن حل مشكل الفقر يكمن في خلق مشاريع مدرة للدخل.
موقع الفكر: هل من كلمة أخيرة؟
الرئيس عبد السلام بن حرمه: كلمتي موجهة إلى زملائي في المعارضة أحب أن أنبههم إلى أن هذه اللحظة لحظة انعطاف تاريخي وهذه فرصة لهم لكي يكونوا قوة سياسية تتحكم في توجهات البلد بما يخدم مصالحه، فالمعارضة هي أكثر مسؤولية وحرصا على مستقبل موريتانيا من الأطراف الأخرى التي تعاني من إكراهات ومشاكل السلطة وأن يتنازلوا عن خصوصياتهم من أجل طرح مشاكل الشعب الموريتاني التي كانوا يطرحون وأن يخلقوا الآليات التي تمكن من هذه المشاكل وكلما كانت هذه الآليات قوية كلما كانت لديها فرصة للتطبيق وكلما ضعفت القبضة.