عبدو كان لموقع الفكر: الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي يتطلبان إنصاف الجميع

في إطار مواكبة "موقع الفكر" لمجريات الساحة الوطنية، وسعيا منه إلى إطلاع متابعيه الكرام على تفاصيل الأحداث، بتحليل متوازن، ونقاش متبصر، نلتقي اليوم مع الأستاذ عبدو كان، أحد الفاعلين في الميدان الحقوقي لنستطلع معه بعض إشكالات الميدان الحقوقي، وفيما يلي نص المقابلة:

بسم الله الرحمن الرحيم

موقع الفكر: حبذا لو عرفتم المشاهد بشخص الكريم من حيث الاسم وتاريخ ومحل الميلاد وأهم الشهادات والدراسات والمناصب التي تقلدتم؟

عبدو كان: هذا السؤال صعب لأنه؛ من الصعب على الإنسان أن يتحدث عن نفسه، فأنا مواطن موريتاني بسيط أنشط في مجال السياسة والحقوق، ومكون في مجال التسيير وأنا مدرس، وقد درست في نواكشوط وكيهيدي وحصلت على الإجازة في مجال التسيير من مؤسسات تعليمية عليا وأعمل في مكاتب دراسات وفي بعض المدارس الخاصة ولست ضمن الوظيفة العمومية.

موقع الفكر: ما هي الإشكاليات المطروحة بالنسبة لموريتانيا، من وجهة نظركم؟

عبدو كان: أهم إشكالية بالنسبة لنا هي ما يسمى بالإشكالية الوطنية ،وهي مسألة تعايش الموريتانيين فيما بينهم، ونرى ذلك مسألة شائكة وهي ما تؤدي إلى ضعف الوحدة الوطنية، وهذا ما يتجلى فيما نسميه بعنصرية الدولة، وهي مشكلة رافقت الدولة منذ نشأتها، ذلك أن الأنظمة التي حكمت البلاد منذ نشأتها حاولت أن يكون التمكين لمجموعة واحدة من المجموعات على حساب المجموعات الأخرى، وهي المجموعة العربية على حساب المجموعات الأخرى، لأننا في بداية الستينات كنا متساوين في كل شيء سواء من ناحية الثروة أو نسبة التعليم ،ثم تفاوتت الفرص والمسؤول عن هذا التفاوت جميع الأنظمة الموريتانية المتعاقبة.

موقع الفكر: الناطقين بالعربية هم من يتعرضون للتهميش من  نشأة الدولة الموريتانية إلى اليوم، ما رأيكم؟

عبدو كانْ: أرى أن هذه المشاكل مشاكل جزئية ونحن نتكلم عن عنصرية الدولة، التي تتجلى في تفاوت الحظوظ، فنحن نرى هذا واضحا في الجانب الاقتصادي وفي الجيش، وقد سرح ما يزيد على خمس مائة عنصر من الجيش ،ما بين جندي وضابط صف وضابط من الزنوج من الجيش الموريتاني ،وأسماؤهم موجودة والثكنات التي كانوا يعملون بها موجودة ،وقبل عام 1987م حصلت انقلابات كثيرة ولم يركز عليها؛ فقط التركيز على محاولة  1987م  لأن من قاموا بها كانوا زنوجا فقط ،وكان لهم الحق في الانقلاب كما فعل سابقوهم، وعندما يقوم الزنوج بأي شيء فإنهم يعتبرون عنصريين، وعندما ننظر إلى الرؤساء والوزراء فتسعون في المائة دائما منهم كانوا من شريحة العرب، وما يعامل به أهل الضفة من الاستيلاء على الأراضي ليس في الإمكان فعله في الشمال أو الشرق.

فانقلابيو 1978 إنما رأوا أن الدولة في تلك المرحلة كانت في خطر وأرادوا إنقاذها كما فعل سابقوهم ،ولكن من شارك في انقلاب 2003 أليسوا فرنسان التغيير ولم يكن من بينهم زنجي واحد، وهؤلاء قتلوا مجموعة من الأبرياء ،وعفي عنهم وأصبحوا رؤساء لأحزاب سياسية، وجميع رؤساء موريتانيا هم من العرب ولم يشذ عن تلك القاعدة إلا الرئيس امباري رحمه الله والذي لم يكن رئيسا على الحقيقة.

موقع الفكر: هل يمكن لفلاني أن يترأس جمهورية مالي على سبيل المثال؟

عبدو كان: إذا ظلمت مالي مواطنيها فهل يبيح  ذلك لموريتانيا أن تظلم مواطنيها، وتاريخ موريتانيا مزور فالفلان كانوا يسكنون في أقصى شمال موريتانيا، فمملكة التكرور كانت تجمع بين موريتانيا ومالي والسينغال في القرن الثامن والقرن التاسع الميلادي، وكان العرب يحملون الملح للتجارة ولم تكن هنالك علاقات سياسية ولدى الفلان مثل يقول: "عندما عجزنا عن العيش في الشمال تراجعنا إلى الجنوب"، وليس هنالك إحصاء للأغلبية أو الأقلية والإحصاء الذي أجري في الثمانينيات لم يكن مشروعا، والحديث عن الأقلية والأغلبية لأن الكل يعتز بما له ويعترف بما هو عليه.

موقع الفكر: ما هويتك؟

عبدو كان: أنا موريتاني فلاني والله خلقنا هكذا ولا أرى أن هنالك مشكلة في هذا الأمر لأن الله سبحانه خلقنا شعوبا وقبائل، والجميع يحفظ هذه الآية ويستخدمها عندما يكون الوضع ساخنا، وأنا لغتي البولارية وأكتبها بالحرف اللاتيني.

موقع الفكر: متى أدخلت الأحرف اللاتينية إلى اللغة البولارية؟

عبدو كان: اللغة تتطور، وليس هنالك شيء جامد ولا يهم متى بدأت هذه الأحرف ولو كانت لم تبدأ إلا بالأمس، لأننا اخترناها بأنفسنا لما رأينا سهولة كتابتها بالأحرف اللاتينية من الناحية التربوية، واللغة تتطور فاللغة الفرنسية قبل مائة عام لم تكن شيئا مذكورا، فحذفت حروف وزيدت فيها حروف، وهكذا ولو رأينا أن هنالك حروفا أخرى أنسب لكتابتها لقمنا بكتابتها وهذا كل ما في الأمر، وكتابتها بأحرف اللاتين كانت فكرة من محمود با.

وكما قلت تلك حقائق تاريخية والدولة الموريتانية نفسها كان فيها مشروع غير وطني وهو مشروع قومي عربي، وأقدم الحركات العنصرية في البلد هي الأحزاب القومية العربية، التي كانت تريد لموريتانيا أن تكون عربية كلها.

فيما يتعلق بوثيقة الزنجي المظلوم فعندي نسختها الأصلية، وبالإمكان أن نسلمكم إياها إن أردتم، ونحن مسلمون وينبغي علينا ألا نحكم بالسماع دون تحقق، وقد حرفت الحكومة هذه الوثيقة، وهي وثيقة تبين المظالم التي تعرض لها الزنوج بالأرقام والأدلة القاطعة، وفي السنوات..... وفي نهاية الوثيقة طالبوا بالحوار وقد حرفتها الحكومة وأدخلت فيها أن الحركة حركة عنصرية تريد قتل البيضان، ولكن هذا غير صحيح ، ولم تنشأ حركة افلام إلا في 1983م ولكن الحركات القومية العربية نشأت قبل في السبعينيات، وكانت ترفع شعار بالدم واللهيب سيتم التعريب وهي أفكار جاءتنا من العراق وسوريا، والتعريب كان يعني استهداف كل الثقافات غير العربية، وهذه الحقائق لا يتكلم عنها وعندما يجري الحديث عن العنصرية يتبادر إلى أذهان البعض الحركات الزنجية، بينما الحركات القومية العربية هي التي عرقلت جميع الفرص التي أتيحت لنا لبناء موريتانيا موحدة.

موقع الفكر: ما الحل إذن؟

عبدو كان: الحل بسيط وهو أن الدولة كما يقال تقوم على الكفر مع العدل، ولا تقوم على الظلم مع الإيمان وموريتانيا وحدتها هشة وكل الأحداث السياسية تبين هشاشة هذه الوحدة، فعلى سبيل المثال عندما تجري مباريات كرة قدم بين دول إفريقية وأخرى عربية كلنا يناصر الفرق على أساس امتداداته، وكل المجموعات المكونة لموريتانيا لها امتدادات خارجية، فأنا موريتاني ولي أقارب في السنغال وفي مالي ونفس الشيء بالنسبة للسوننكي الذين لهم أقارب في السنغال ومالي، والعرب لهم أقارب في أزواد وشمال مالي والصحراء وقد مكثت في ازويرات  ست سنوات ورأيت كيف يتجنس الصحراويون والرئيس ولد هيدالة  له علاقات أسرية مع الصحراويين، وبعض الموريتانيين لهم امتدادات في لعيون بالصحراء ولذلك لا يمكن أن يكون هنالك موريتاني ليست له امتدادات خارج البلد.

فالإنصاف محل إجماع ومنذ سنوات ونحن نشهد استيلاء على الأراضي الموريتانية، والكثافة السكانية تتركز في ولايات الضفة والكيفية التي يعامل بها سكان الضفة الموريتانية فيها الكثير من الاحتقار، وأغلب ساكنتها من الزنوج وفي اترارزه يوجد تجانس مختلف المكونات، وفي الشمال يمكن أن نرى ثلاث ولايات ولكن الكثافة السكانية ضعيفة للغاية، فلا توجد قرية واحدة بين مدينتي نواكشوط وأكجوجت، فالمشكلة ليست في سعة الأرض وإنما في الكثافة السكانية.

ومنذ أسبوع في منطقة نيوول بين كيهيدي وبوغي هنالك صدامات بين السكان المحليين وشيوخهم مع السلطات المحلية، وفي السنة الماضية كنت شاهدا على ظلم وقع بمنطقة جويل بكيهيدي، حيث جاء رجل أعمال وحاول الاستيلاء على هكتارات وفي الشمال أراض صالحة للزراعة، ولكن الدولة لم تنتزعها من أهلها وتعطها للآخرين بحجة مقنعة أو غير مقنعة .

ومن أمثلة الاحتقار لسكان الضفة  كذلك قصة وقعت في السنة الماضية، وهي أن رجلا فقد جملا قرب قرية "انيابينا" فأغلقت القرية طيلة يومين وفي النهاية طويت القضية وكأنه ليس هنالك مذنب وقالوا إن الرجل مختل عقليا وهذا عذر أقبح من الذنب، كما أنه في قرية "تشربل" كانت فيها هكتارات قليلة للزراعة ومساحة ضيقة لدفن الموتى حتى إن أهلها اضطروا إلى دفن موتاهم في منطقة سنغالية وشهدت صدامات، إلا أن السكان يغمضون عيونهم ومع ذلك كثيرا ما تحتقرهم السلطات المحلية.

 

موقع الفكر: هل ترى أن هنالك توجها سلطويا وشعبيا ضد هذه المجموعة؟

عبدو كان: بلى، وذلك منذ عقود.

موقع الفكر: لماذا لم يزر رئيس حزبكم ولايات الشمال أثناء الحملة الانتخابية الماضية؟

عبدو كان: هو لم يكن مترشحا للرئاسة وإنما في الائتلاف الذي رشح كان حميدو بابا، وأظن أن حميدو بابا زار أغلب المناطق رغم ضيق الوقت، وفي المقابل هنالك بعض المرشحين العرب الذين لم يزوروا مناطق الضفة في حملاتهم.

 

موقع الفكر: هل يمكن للدولة أن ترخص حزبا شرائحيا؟

عبدو كان: هذا ما تقوله الدولة لكن نحن مجموعة من المثقفين الموريتانيين ولا يمكن أن نقوم بإيداع ترخيص لحزب لا تتوفر فيه الشروط القانونية، فالحزب فيه أشخاص من وولف والسوننكي  والبيظان  والحراطين، ولكن السلطات لم تشأ ولم ترغب في ترخيص هذا الحزب وحججها ضعيفة، وهي لم تذكرنا برفض الحزب إلا بعد أربعة أشهر وحصلنا على إنذار بعد ثلاثة أشهر، ونظرا لتمسكنا بالملف ونزاهته وصدقيته أودعنا الملف لدى المحكمة العليا ومنذ ست سنوات وهو عالق هناك، وكلما وصل الملف إلى نهاية البرنامج يعيدونه إلى الوراء ومع ذلك تم ترخيص أحزاب أخرى، فمثلا 2016 اعترف بحزب النداء الذي يعتبر من الاحزاب العنصرية والشرائحية  وهنالك حزب الرباط وحزب التحالف الوطني للدمقراطية، وغيرهما وماذا تمتلك هذه الأحزاب من المشاريع التي لا نملكها نحن؟

ما الأمر إلا عنصرية وحجج ضعيفة، وبعد ذلك لماذا نستدعى إلى الحوار كحزب و لا يعترف بنا كحزب، فهذه ازدواجية  معايير وتقصير في الأمر.

 

 

موقع الفكر: من المعلوم أن حركة " افلام" حملت السلاح ضد الدولة فهل هي على استعداد لإجراء مراجعات بشأن مشروعها؟

عبدو كان: هذه الاتهامات طفولية ومضحكة لأن الحركات العنصرية أكثر وأخطر على موريتانيا في المجموعة العربية، من حركتي "أفلام" و"إيرا" كالناصريين والبعثيين وما حصل من انتهاكات ضد الشرائح كان بسبب تأثير هذه الحركات على السلطات ،وأما مسألة حمل السلاح فمن شردك وسلبك مالك وأخرجك من بلدك يجوز أن تحمل عليه السلاح، ولذلك أنا أؤيد مجموعات أهل أزواد الذين حملوا السلاح ضد السلطات المالية، والازدواجية مرفوضة فلا يمكن أن تناصر قريبك ضد دولته وتنتقد مواطنك لأنه حمل السلاح على دولته التي ظلمته ،وهنالك خلط بين من قتل في السنغال من الموريتانيين ومن قتل من الموريتانيين في موريتانيا ،وهذا خلط شنيع لأن من قتل من الموريتانيين في السنغال قتلهم السنغاليون، ومن قتل في موريتانيا من الموريتانيين قتلتهم السلطة الموريتانية.

 

موقع الفكر: ألم تعط السلطات الموريتانية تعويضات مجزية لأسر الضحايا؟

عبدو كان: التعويضات كانت جزئية، ونحن ضيعنا فرصة الرئيس الأسبق سيدي محمد ولد الشيخ  عبد الله فلقد كان رجلا وطنيا وكانت عنده فكرة واضحة للقضاء على الملف، دون تسييس الأمر، وهو أول من أمر بعودة المبعدين ولكن الحلول التي اتخذها فيما بعد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز كانت حلولا جزئية، حلولا سياسية وانتخابية فعوض بعض أسر الضحايا وكان بعضهم في وضعية جد صعبة من الإذلال والفقر لأنهم كانوا محتاجين فاستغل ولد عبد العزيز هشاشتهم، ولكن كيف سنعوض قتل إنسان بمليون أوقية فماذا سيغني أرملة إن أنت أعطيتها مليون أوقية أو قطعة أرضية في تفرغ زينة، فماذا ستفعل بهذه القطعة الأرضية، والمعنيون أدرى بما يعاني منه هؤلاء، وهناك الكثير من الأرامل وهنالك ثمان مائة ولد من الأيتام يطالبون أولا بتحديد المسؤول عن الأمر، فكيف يعفو المرء عمن لا يعرف، وهنالك مجموعة من المعنيين رفضت هذه التعويضات المهينة لسمعتهم، وفي ذكرى الاستقلال هنالك مجموعة تحتفل به بينما هناك مجموعة تعتبره يوم حداد ،فكيف لدولة مسلمة مثل موريتانيا الاحتفال في الذكرى الثلاثين لاستقلالها أن تعدم ثمانية وعشرين جنديا بحجة أنهم زنوج، والأرقام ليس مبالغا فيها، وكل سلطة استغلت هذا الموضوع لصالحها بدءا من معاوية وانتهاء بعزيز وقد استغل ولد عبد العزيز هشاشة المجموعة التي قبلت أخذ التعويضات، وكانت مجموعة معدودة ومعروفة وهنالك أرامل وأيتام يطالبون بتحديد المسؤوليات واللجوء للقضاء، ولدي لائحة بأسماء الضحايا وبإمكان السلطات مواجهتهم بالحجج والبراهين. وإذا لم تكن هنالك انتهاكات فلماذا أصدرت السلطات قانون العفو عام 1993 لأنها تعلم أن هنالك انتخابات ولكن الحديث من تحت الطاولة وأن الأمر مبالغ فيه ونطالب بإلغائه ولتأت السلطة بأدلتها ونحن أدلتنا جاهزة ولتقل إن هؤلاء لم يعدموا.

 

موقع الفكر: هل من كلمة أخيرة؟

عبدو كان: أدعو الدولة إلى أن تعترف بما سببته من احتقار وإهانة لهذه المجموعة، وأقول لجميع الموريتانيين إن الدول تستقيم على الكفر ولا تستقيم على الظلم، فالوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي يتطلب الإنصاف لجميع شرائحها ومكوناتها.