د. سيد عالي ولد القاسم لموقع الفكر: بعض البحوث الفائزة بجائزة شنقيط لا تستحق أن تتجاوز أي لجنة تحكيم

قال الدكتور سيدي عالي القاسم ملاي إن بعض البحوث الفائزة بجائزة شنقيط لا تستحق أن تتجاوز أي لجنة تحكيم، وتساءل الدكتورولد القاسم الحاصل على جائزة شنقيط في مقابلة لموقع الفكر هل كل الأعضاء الموجودين في الجائزة لهم من الأهلية والتجربة البحثية ما يجعلهم مؤهلين لتحكيم بحوث الباحثين الجادين؟

وفيما يخص واقع التعليم بموريتانيا قال ولد القاسم إنه ليس في استطاعة أحد أن يشكك في ضعف منظومة التعليم أو يشكك في فشلها.

مرجعا السبب الأكبرفي فشل المنظومة التربوية الوطنية إلى غياب التقويم المستمر للمخرجات.

وفيما يخص واقع التعليم العالي قال ولد القاسم: إنه "يحتاج إلى مراجعة كبيرة من مختصين فليس من المقبول اليوم ونحن في نظام " LMD" أن يكون الأستاذ يدرس ما يقارب ٢٠٠ طالب في قاعة واحدة حيث لا يمكنهم الاستفادة من ذلك".

وهكذا تحدث الدكتور ولد القاسم عن تدني مستوى تصنيف جامعة نواكشوط قائلا إن فشل المنظومة التعليمية سينعكس على الجامعة، لكن مسألة تصنيف الجامعات لها معايير خاصة في جانب الصورة الخارجية لها، وما تقدمه من إضافات....فإلى المقابلة:

 

 

مقابلة موقع الفكر مع الحاصل على جائزة شنقيط لهذا الموسم الدكتور سيدي عالي القاسم ملاي:

 

موقع الفكر: في البداية نود منكم تعريف المشاهد بشخصكم الكريم؟

الدكتور سيدي عالي القاسم ملاي: بسم الله الرحمن الرحيم، في البداية أشكرموقع الفكرعلى إتاحة هذه السانحة والاهتمام بما يخص الجوانب الفكرية والأمور المطروحة في البلد، طبعا إذا أريد مني أن أعرف نفسي فأنا سيدي عالي ولد ملاي ولدت بتاريخ 1988/12/31 في مدينة كرو ودرست في المحظرة الموريتانية حتى عام ٢٠٠٨م. حيث شاركت في امتحان شهادة البكلوريا ووفقني الله  في الحصول عليها في تلك السنة ،والتحقت بالمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية وحصلت على شهادة "المتريز" في الفقه وأصوله وحصلت في المعهد سنة ٢٠١٢على منحة لإكمال الدراسات العليا في الخارج بجامعة سيد محمد بن عبدالله في مدينة فاس ودرست ماستر فقه المعاملات المادية في المذهب المالكي، وتخرجت منها عام ٢٠١٤ بتفوق والتحقت بجامعة ابن طفيل لدراسة دكتوراه سنة ٢٠١٥ وحصلت على دكتوراه في الدراسات الاسلامية في الخامس من مارس سنة ٢٠١٨ وبدأت بعد ذلك التدريس كأستاذ متعاقد ببعض مؤسسات التعليم العالي في موريتانيا، كالمعهد العالي للدراسات والبحوث الاسلامية وجامعة العلوم الإسلامية بلعيون والمحظرة الشنقيطية بأكجوجت، قبل أن يتم اكتتابي كأستاذ رسمي بجامعة نواكشوط في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، أما في مجال البحث فقد نشرت عدة كتب ولدي مقالات علمية في مجلات محكمة وأنا عضو في عدة مجلات دولية محكمة سواء كمحرر مساعد أو عضو هيئات علمية أو عضو استشاري في مؤسسات أخرى.

 

موقع الفكر: ما هو انطباعكم عن جائزة شنقيط التي حصلتم عليها مؤخرا وهل تعتبرون أن معايير التقويم المعتمدة فيها شفافة؟

 

الدكتور سيدي عالي القاسم ملاي: طبعا هنا أود أن أفصل بين ما يتعلق بالشفافية والانتقادات الموجهة للمعايير،أو الطرق التي يتم من خلالها منح الجائزة، فيما يتعلق بالشفافية أقول إن من يقوم على الجائزة لهم من الاحترام ما يجعلهم في موضع لا يمكن أن يتسورالشك إلى أن يتصرفوا بغير شفافية، لكن فيما يتعلق بالملاحظات عموما على الجائزة فيمكن القول إنه توجد ملاحظات أكاديمية وأخرى تتعلق بالشكل، ما يتعلق بالملاحظات الأكاديمية والسياسات المتخذة في تسيير الجائزة فيمكن القول إن الجائزة هي جائزة بحثية تتعلق بالبحث العلمي وتتجه إليه ومن هذا المنطلق نطرح سؤالا:

هل كل الأعضاء الموجودين في الجائزة لهم من الأهلية والتجربة البحثية ما يجعلهم مؤهلين لتحكيم أعمال الباحثين الجادين؟

طبعا الأمر لا يتعلق بالجانب العلمي فقد توجد شخصيات علمية كبيرة ومحترمة، لكن البحث العلمي له أسلوبه وتجربته الخاصة، وهناك ملاحظات تتعلق بطريقة اختيار الأعضاء وتوجد أيضا ملاحظات أكاديمية تتعلق بالمعايير المعتمدة في هذه الجائزة، وأول ما يمكن أن يسبب مثل هذه الأخطاء هو عدم المراجعات وعدم تقويم ما يقام به في طريقة منح الجائزة، فلو كان أعضاء المجلس يقومون بنقد ومراجعة المعايير التي يضعونها كل سنة لوصلوا إلى صيغة تكون أنضج وأكثر قدرة على أن تمنح الجائزة بعدا آخر وتقدما.

الجائزة تشهد تراجعا في مستوى البحوث المقدمة فيها فبعض السنوات تقرأ بعض البحوث التي قدمت فيها ومع ذلك لا تصلح لشيء ولا تستحق صراحة أن تتجاوز أي لجنة تحكيم مما يفرض عليك أن تتساءل "كيف مرت هذه البحوث" ومنحت جائزة تقديرية كبيرة وهي أصلا لا تصلح من ناحية البحث العلمي أن تكون رسالة للماجستير أحرى أن تكون على جائزة بهذا الحجم، لو راجع أعضاء المجلس المعايير التي يمنحون بها الجائزة وقوموا عملهم لاتضح لهم من خلال ما يحصل دائما في منح الجائزة ما يمكن أن يرشدهم إلى بعض مواطن الخلل، ليس من المستساغ أن تمنح جائزة شنقيط بالتناصف بين ثلاثة باحثين أو باحثين في مراحل متعددة وهذا يكشف أن المعايير التي تعتمد عليها الجائزة هي معايير فضفاضة ولا تستطيع أن تميز كثيرا بين البحوث المقدمة، فليس من المعقول أن يكون كل بحث مجاز يستطيع أن يمنح جائزة فلو أجيزت عشرة بحوث كيف يمكن أن تمنح كلها الجائزة، ينبغي أن تكون هناك معايير يستحيل معها -أو يقرب من المستحيل- أن تتجاوزها كل البحوث فما دامت المعايير الموجودة يمكن في كل سنة أن يتجاوزها بحثان أو ثلاثة فمعناه أنها ينبغي أن تعاد صياغتها حتى تتلاءم مع النواقص التي حصلت فيها، وجعلتها لم تعد قادرة على أن تميز بين بحثين أو ثلاثة في كل فترة.

أما الشق الثاني المتعلق بشعوري بالفوز بالجائزة فبالطبع أنا سعيد بذلك لأن كل باحث يطمح بعد أن يتعب كثيرا في عمله أن يتوج هذا العمل وأن يفوز بجائزة، ولا شك أن جائزة شنقيط هي جائزة مهمة وهي أهم جائزة بحثية في هذا البلد ونحن نتحدث عنها وننتقد طريقة منحها ،لكن ليس ذلك للاستنقاص منها وإنما هو للارتقاء بها إلى أن تكون في مصاف الجوائز العالمية وهي جديرة بذلك وقادرة عليه.

 

موقع الفكر: ما هو موضوع البحث الذي حصلتم على الجائزة من خلاله وهل تعتبرون أنه أضاف شيئا جديدا؟

الدكتور سيدي عالي القاسم ملاي:  البحث الذي قدمت للجائزة هو بحث تحت عنوان "نظرية توزيع الثروات في الفقه الإسلامي" وكما تعلمون فإن ما يتعلق بنظرية توزيع الثروات إنما يندرج تحت ما يسمى بالعدالة الاجتماعية ،فإذا أطلق هذا اللفظ فهو يقصد به العدالة التوزيعية لأنها هي الركن الأساسي في الأمر، والمعايير التي تقوم عليها هذه النظرية تتجاذبها عدة حقول علمية كالفكر السياسي والفكر الاقتصادي وما يتعلق بعلم الاجتماع عموما، لذلك هو موضوع خصب تناوله كثير من العلماء سواء المتخصصون في مجال الدراسات السياسية أو الفكر الاقتصادي، العدالة التوزيعية دائما من أصعب الإشكالات والنقاشات بين الفلاسفة إلى اليوم حول العدالة والمساواة والموضوع الذي قدمته يبحث في هذا الحقل ويحاول أن يكشف عن نظرة الاسلام إلى ما يتعلق بتوزيع الثروات، وكيف يمكننا أن نحقق العدالة فيها وما هي الأهداف التي وضعها الإسلام أمامه وسعى إلى حشد كثير من الوسائل من أجل تحقيق هذه الأهداف، فموضوع توزيع الثروات يتكون من قسمين رئيسين هما:

-  ما يتعلق بتوزيع الثروات قبل إنتاجها

-  ما يتعلق بتوزيع الثروات بعد إنتاجها

وأغلب المدارس الاقتصادية لا تهتم بالجانب الأول الذي اهتم به الإسلام، لأن الثروة تتكون من خلاله فعندما توزع المواد الخام ستتحول إلى عناصر إنتاج وتلك العناصر ستستحق جزء من العائد بعد العملية الإنتاجية لأنها تساهم في ذلك، ولذلك حين تملك عناصر الإنتاج ستستحق جزء من الناتج وهذا هو سبب تركيز الإسلام على هذه المسألة رغم أن الكتاب الغربيين أو المدارس الاقتصادية تحاول أن تهمل هذا الجانب ولعل الاستاذ محمد باقر الصادر في كتابه "اقتصادنا" هو أول من أعاد النقاش إلى هذه المرحلة التوزيعية، المرحلة الثانية نسميها مرحلة توزيع ما بعد الإنتاج وهي بعد أن تنتج الثروة يتم توزيعها على عناصر الإنتاج وهنا أصبحت الثروة متجسدة ومنتجة وهنا ينقسم التوزيع إلى قسمين:

- توزيع على عناصر الإنتاج (ومعناه أن يقوم على استحقاق) فنحن ساهمنا في العملية الإنتاجية وبالتالي نستحق جزء من الناتج.

- القسم الثاني ما نسميه بإعادة توزيع الثروات، بعد أن توزع على عناصر الإنتاج هنالك أشخاص لم يساهموا في العملية الإنتاجية بتاتا إما لعدم توفر الفرص أمامهم أو لعدم قدرتهم أصلا على استغلال الثروات، نتيجة للمعوقات سواء كانت عقلية أو بدنية إلى غير ذلك من مختلف الأسباب التي تمنع الانسان من الحصول على جزء من الثروة، المهم أننا أمام أشخاص لم يساهموا في العملية الإنتاجية لكن يستحقون ما يسد رمقهم وهنا لا يوجد نظام اقتصادي إلا ويحاول التدخل لصالح هذه الفئة، وحينما تدخل الإسلام لصالحها تدخل بجملة كبيرة من السياسات التي لا تقوم على اختيار الناس، وإنما هي مفروضة على الأغنياء ولابد لهم أن يطبقوها كما يتعلق بالزكاة وهي أن يأخذ الإسلام جزء من أموال الأغنياء ويرده على الفقراء، وفيهم من لم يساهم في العملية الإنتاجية، هذه مثلا أموالي أنا وقمت باستثمارها وحصلت على مال كبير لكن الإسلام هنا يأخذ جزء من هذا الكثير ثم يعطيه لأشخاص لم يساهموا في الإنتاج، وهذا ما نسميه إعادة توزيع الثروات فنحن بعد ما وزعنا الثروات على المستحقين نقوم بإعادة توزيعها على آخرين يستحقون جزء من الناتج، رغم أنهم لم يشاركوا في العملية الانتاجية.

أما ما يتعلق بالإضافات الكبرى التي أضافها هذا البحث فقد كانت تصب أساسا في هذا الجانب حيث سعى إلى تسويغ لماذا يستحق هؤلاء الذين لم يساهموا في العملية الانتاجية جزء من الناتج؟

وهذا الموضوع بالتحديد "إعادة توزيع الثروات" لا أذكر أنني اطلعت سابقا على كتاب يعالج مسألته باختصاص، بحيث يفرده بالتأليف ولذلك المجال الذي أضاف فيه البحث جديدا هو المبررات والمرتكزات الشرعية والفلسفية حول الموضوع بالإضافة لشرح وسائل الإسلام كالوسائل الإجبارية والوسائل الاختيارية والوسائل المباشرة والوسائل غير المباشرة التي تحاول أن تردم هذه الهوة بين المستحقين الأولين للثروة وبين هؤلاء الذين لم يساهموا في العملية الإنتاجية لكنهم يستحقون جزء من الناتج ،وللكتاب إضافات أخرى تتعلق بمحاولة جعل "نظرية التوزيع" أصلا نظرية مستقلة بذاتها، بمعنى أن توزيع الثروات أصلا يطلق على الجانب الذي يهتم بتوزيع عوامل الإنتاج وهو الذي ينصرف إليه هذا المصطلح عند إطلاقه والكتاب حاول إعادة قراءة ما يتعلق بهذا المصطلح لأنه لا يرى أن توزيع الثروات -سواء توزيع ما قبل الإنتاج أو ما بعده- يمكن أن  يفصل بين هذه الجوانب ونحن نسعى إلى تحقيق نتائج توزيعية وذلك من أن الإسلام لم يكن يفرق بين هذه المراحل، فكل مرحلة من مراحل التوزيع قد وضع لها قواعد وهو يستشعرأنها مقدمة لتوزيع سيأتي بعدها، ويضع سياسات في المرحلة الأولى وتكون مرنة إلى درجة أنها تتم صياغتها بشكل يعتمد على المرحلة القادمة، والمرحلة القادمة أيضا قواعدها مصاغة مع مراعاة قواعد أخرى تكملها في المرحلة القادمة أيضا، لذلك أدمج الكتاب ما يتعلق بتوزيع ما قبل الإنتاج وتوزيع ما بعد الإنتاج وإعادة توزيع الثروات.

 

موقع الفكر: ما هو تقويمكم لواقع التعليم؟

 

الدكتور سيدي عالي القاسم ملاي: الإجابة على هذا السؤال تتطلب أن يكون الشخص يمارس واقع كل من التعليم الأساسي والثانوي ثم بعد ذلك التعليم العالي، فواقع المنظومة التعليمية في موريتانيا ليس هناك مدعاة للشك ولا يستطيع أي أحد أن ينكر أنها منظومة فاشلة، لأن ما يحدد نجاح أي منظومة ما يتعلق بمخرجاتها وهذه المخرجات هي التي تعكس نجاح هذه المنظومة، طبعا لا يمكن أن نعتبر أن سبب الفشل هو الأشخاص، وفي المجال العلمي لم يعد اليوم ممكنا الاعتماد على التبرير أو السبب الوحيد، وإنما هي مجموعة من الأسباب تتداخل ونظرية "السبب الوحيد" كما يقال في المجال العلمي قد انتهى أمدها منذ زمن بعيد لذلك لا يوجد سبب واحد يمكن أن نقول إنه هو سبب فشل المنظومة التعليمية، لكن إذا أردنا أن نقوم أي منظومة فلننظر إلى مخرجاتها، لأنها هي التي تعكس نجاح تلك المنظومة من عدمه، أعتقد أنه من أكبر الأسباب التي تؤدي إلى فشل التعليم هو غياب التقويم المستمر للمخرجات، فنحن إذا كانت لدينا مثلا مخرجات لا تعكس المستوى الذي كنا نطمح إليه في مدى خمس سنوات، فلماذا نستمرعلى نفس الطريقة، وأذكر هنا قصة شهيرة دائما يرويها الأساتذة الجامعيون لطلابهم ،وهي قصة لطفل كان فاشلا ثم تحول إلى طبيب ناجح بفضل معلمته، لكن الذي لفت انتباهي في هذه المسألة ليس ما يتعلق بقصة الطفل وإنما طريقة هذه المدرسة في متابعة مخرجاتها، هذا الطفل كان في السنة الرابعة أو الخامسة على ما أعتقد وكانت أستاذته تعتبره من أفشل الطلاب ووصلت إلى مرحلة أنها كانت تضع العلامات الحمراء على إجاباته بأسلوب الفرح، لأنها تعتبر أنه لا يستحق شيئا لكن بتكليف من المدرسة كانت تطلب من كل أستاذ أن يراجع تقارير الأساتذة الذين كانوا يردسون من قبله، عن جميع طلابهم ففعلت الأستاذة ذلك ووجدت أن أستاذ هذا الطفل في السنة الأولى كتب عنه أنه كان متميزا وكذلك فعل أستاذه في السنة الثانية، الذي أشار إلى المشاكل الأسرية التي يعاني منها، ثم أستاذ السنة الموالية الذي قال إن تلك المشاكل قد وقعت عليه كالصاعقة وكان هذا المشهد مؤثرا بالنسبة للأستاذة وبكت بكاء شديدا من قصته، واستطاعت أن تنتشله من تلك المشاكل، الذي لفت انتباهي في هذه المسألة أن المدرسة كانت تهتم اهتماما كبيرا بطلابها من خلال المراجعة دائما ولهذا اكتشفت أن السبب الذي كان يعاني منه الطفل هو وفاة والدته، ولولا الأسلوب الذي اعتمدت عليه تلك المدرسة لكان هذا الولد الذي أصبح طبيبا من أكبر أطباء بريطانيا من المخرجات الفاشلة لها.

وبالتالي فإن سبب فشل التعليم هو غياب الخطط الاستراتيجية، هناك سبب آخر وهو ضعف الكادر التربوي فيوجد بعض الأساتذة لم يحصلوا على المستوى العلمي الذي يجعلهم قادرين على أن يمنحوا طلابهم شيئا أصلا، أما واقع التعليم العالي فهو لا يختلف كثيرا عن واقع التعليم الآخر، وأعتقد أنه يحتاج إلى مراجعة كبيرة من مختصين فليس من المقبول اليوم ونحن في نظام " LMD" أن يكون الأستاذ يدرس ما يقارب ٢٠٠ طالب في قاعة واحدة حيث لا يمكنهم الاستفادة من ذلك، وهناك مشاكل أيضا متعلقة بالبنى التحتية وأخرى تتعلق بنقص الكادر التربوي، ونقص التحفيزات المتعلقة بذلك وغير هذا من المشاكل الكثيرة التي ينبغي لمن هو جاد في إصلاح التعليم أن يضعها بين يدي المختصين فقط، وأن يبعد عنها من لا علاقة لهم بالتخصص فكل النتائج التي تنتج من غير المختصين هي نتائج فاشلة.

 

موقع الفكر: هل المشكل اللغوي مشكل تربوي أم سياسي؟

الدكتور سيدي عالي القاسم ملاي: المشكل اللغوي لديه بعدان، ففي جانب منه يوجد استغلال سياسي وفي الجانب الآخر هناك مشكلة أخرى، فالأمور العلمية في هذا المجال دائما ما تقوم على التجارب والدول التي تدرس بلغتها الأم لا شك أن استيعاب الطالب فيها يكون أكبر وأسرع، لكن حين ننظر من جانب آخر سنجد أن هناك من درس بلغته الأم ولم يتميز في دراسته وهذا يعني أن المشكل اللغوي ليس هو المشكل الوحيد لأنه لو كان كذلك لأصبح جميع من درسوا بلغتهم الأم يعدون ضمن المتميزين، وأنا مهم عندي أن يدرس كل إنسان بلغته الأم.

 

موقع الفكر: هل يمكن النهوض بالتعليم من خلال موظفين يعيشون واقعا مزريا؟

 

الدكتور سيدي عالي القاسم ملاي: لا يمكن ذلك أبدا، صراحة واقع موظفي التعليم عموما ليس بالجيد، ولا يشجع الإنسان على أن يتفرغ لهذه المهمة بل لابد أن يبحث عن عمل مواز من أجل لقمة عيشه ولا يمكن أن تطالبه بالتفرغ لهذا المجال مقابل رواتب زهيدة، لكن للأمانة فإن واقع الممارسين للعملية التعليمة ليس واحدا فيوجد أساتذة ثانويون ومعلمون يعيشون وضعية مزرية لم تعد مقبولة، ولذلك دائما نشاهد بعض الشباب الذين التحقوا بالمنظومة التعليمية بحماس ويغادرونها نتيجة أنهم لا يستطيعون أن يعملوا في مثل هذا الواقع، فرواتبهم لا تكفي ليعيش به طفلان صغيران أحرى أن يعيش بها أصحاب المسؤوليات والعائلات وما شابه ذلك، الأساتذة الجامعيون أحسن وضعا نوعا ما من غيرهم، لكن بعضهم رواتبهم زهيدة ولا يستطيع صاحبها أن يتفرغ للتدريس وللبحث، في ظل هذا الواقع، وما زلت مستغربا من خنوع المعلمين والأساتذة الثانويين لمثل هذه الأوضاع التي لا يستطيع أن يتحملها من في العاصمة، أحرى من يدرسون في مناطق بعيدة ونائية، فكيف بمن  يعيش براتب زهيد كهذا ويطلب منه أن يؤمن بهذه المنظومة التي يعيش فيها، وهو في نفسه ساخط عليها والساخط على الشيء لا يمكن أن يحبه، ومن لم يحب عمله لن يستطيع أن يقدم فيه شيئا، هناك مشاكل كثيرة يعاني منها التعليم العالي، فالمنظومة القانونية المتعلقة بذلك ما زالت تحتاج إعادة نظر.

 

موقع الفكر: إلا م ترجعون سبب الأزمة المستفحلة في نسب نجاح المسابقات الوطنية وهل تعتبرون أن تلك النسب الكارثية مظهر من مظاهر الفشل، أم أنها مظهر من مظاهر الجدية والصرامة في التقويم؟

الدكتورسيدي عالي القاسم ملاي: كما قلت سابقا نظرية "السبب الواحد" ،لم يعد هذا عصرها وماتت علميا منذ زمن بعيد ولم يعد يمكن أن يفسر بها أي شيء، لا أعتقد أن العجز عن التجاوز في مرحلة من مراحل التعليم هو مظهر من مظاهر الجدية والصرامة، وإنما هو مظهر من مظاهر الفشل لأن كل أستاذ عجز أن ينتفع طلابه من علمه وأن ينقلهم من مرحلة ضعف المستوى إلى مرحلة التوسط - حتى لا أقول مرحلة التميز- فهذا لا يدل على فشل الطلاب بقدر ما يدل على فشل الأستاذ، ويمكن أيضا أن نعتبر أن عجز كم كبير من الناس عن تجاوز مسابقة وطنية، رغم دراستهم لمقرراتها هو مظهر من مظاهر الفشل، وأخشى أن يكون من أسباب هذه المسألة ما هو خارج عن الخيارين الذين قدمتهما بحيث يكون هناك توجه أصلا للمنظومة التعليمية لعدم السماح بتجاوز كم كبير من الطلاب لعدم توفر ما ينتقلون إليه ،مما يفرض أن توضع هذه العوائق أمامهم، وبالنظر إلى الواقع وعجز المؤسسات الجامعية عن استيعاب كم كبير من الطلاب يبقى هذا الاحتمال له حظ من النظر.

أما حديثكم عن كون المعايير المتبعة لتصحيح المسابقات عندنا هي معايير مجحفة فهذا يحتاج أن أكون على اطلاع بالمعايير المستخدمة هنا والمعايير المستخدمة هناك حتى أستطيع المقارنة بينهما، لكن كما قلت سابقا هذه لا يمكن أن تفسر بنظرية السبب الواحد فليست المعايير وحدها هي المشكل ولا أعتقد أن معايير التصحيح تختلف من أستاذ إلى أستاذ إلى درجة كبيرة لأن المعلومة هي ذاتها ومجموع نقاط التصحيح هي ذاتها، وبالتالي يبقى هنا الحيزالحقيقي لطبيعة الإجابة على الأسئلة فلا أعتقد أنه يسمح بالتفاوت الكبير، فحينما يتم التصحيح السليم ينبغي ألا تكون هناك فوارق كبيرة بين النتائج، لأن المعلومة هي ذاتها والنقاط التي يصحح منها هي أيضا ذاتها وهذا يعني أن معايير التصحيح ينبغي أن تكون موحدة ومحايدة.

 

موقع الفكر: التدني الشديد لمستوى جامعتنا التي تحتل ذيل الترتيب في الجامعات العالمية هل له علاقة بالفشل في المراحل الابتدائية والإعدادية، أم في إدارة وتخطيط وتمويل قطاع التعليم العالي؟

الدكتور سيدي عالي القاسم ملاي: نحتاج حتى نحكم على مثل هذه المسائل لدراسات إحصائية كمية، من أجل أن نعطي تصورا واضحا، لا شك أن فشل المنظومة التعليمية سينعكس على الجامعة لكن مسألة تصنيف الجامعات لها معايير خاصة في جانب الصورة الخارجية لها وما تقدمه من إضافات، أعتقد أنه من أهم المشاكل التي تؤدي إلى تدني مستوى جامعتنا هو غياب البحث العلمي والبنى التحتية المناسبة، فالبحث العلمي غائب في هذا البلد رغم أنه يأخذ حيزا كبيرا من اسم الوزارة، وينبغي أن يكون موجودا في مختلف المؤسسات وأن يمارسه الأساتذة بشكل دائم.

ومن الأسباب أيضا عدم التخطيط وسوء التسيير وغياب نقد الذات ومحاولة تطوير الذات، وهذا هو أهم شيء بالنسبة لي حتى نرى مكامن الضعف ونحاول التغلب عليها، ومكامن القوة ونحاول استغلالها، فأي مؤسسة تعجز عن ذلك لن تقدم شيئا.

 

موقع الفكر: هل من كلمة أخيرة؟

الدكتور سيدي عالي القاسم ملاي: أشكركم على الاستضافة ،وعلى اهتمامكم بالجانب الفكري والقضايا التي ينبغي أن يهتم بها كل مثقف، فهذه المجالات هي التي تقوم عليها نهضة الشعوب، وأتمنى أن أرى وطننا وجامعتنا في القريب العاجل في مصاف الدول المتقدمة في المجال العلمي والبحثي، وأن تكون جامعاتنا جامعات محترمة ومقدرة، وتقدم إضافة تنفع البشرية (وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).