قراءة في كتاب:هل ستكون مالي أفغانستان الفرنسية في الساحل؟؟  ..إعداد وترجمة موقع الفكر 

غلاف الكتاب :هل ستكون مالي أفغانستان الفرنسية في الساحل؟؟         

الكتاب الذي يجب أن تقرأه
هل ستكون مالي أفغانستان الفرنسية في الساحل.

 ما زال الانسحاب الفرنسي من مالي يثير أكثر من إشكال وسؤال حول العلاقة بين فرنسا ومستعمرتها السابقة، وحول استيراتيجية التدخل العسكري الغربي بشكل عام في دول العالم الثالث من أجل محاربة " الإرهاب

الاشكالات المتعددة التي يطرحها " الخروج الفرنسي" من مالي بعد فشل عملية برخان في منع تمدد الإرهاب أحرى القضاء عليه وجدت صداها في كتاب " مالي والساحل- أفغانستاننا ونحن.

الكتاب الذي يجب قراءته، كما تصفه صحيفة موند آفريك هو آخر الإصدارات التي نشرها الإعلامي سيديك أبا، رئيس التحرير السابق لمجلة جون أفريك 

 يفك الكاتب رموز تاريخ التدخل العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، ذلك التدخل الذي بدأ بحماس عارم وانتهى بفشل ذريع.. وبعد مرور ما يقرب من تسع سنوات على قرار الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند بمكافحة الإرهاب في مالي، نشهد انسحابا "مجيدا" مظاهرات مناهضة لفرنسا، وطرد سفير فرنسي بشكل غير رسمي، ومجلس عسكري في باماكو يقطع جميع العلاقات مع القوة الاستعمارية السابقة ويلقي بنفسه في أحضان المرتزقة الروس.

وعلى الرغم من الوجود العسكري الفرنسي القوي، فلم يعد شمال مالي وحده تحت نير الجماعات الإرهابية، بل إن ثلثي الأراضي المالية وجزء كبير من منطقة الساحل، أصبح خارج سيطرتي باماكو وباريس.

إنه فشل يمكن مقارنته،  حسب سيديك أبا، بفشل الأمريكيين في أفغانستان.

ورغم أن هذا الفشل يأتي هذه الأيام في خضم الحملة الرئاسية الفرنسية، ويخفى أثره القوي حت دخان غزو أوكرانيا والفظائع التي تصاحب سياسة فلاديمير بوتين العمياء.

ولتسليط الضوء أكثر حول هذا الكتاب المهم  يقدم  أنطوان جلاسر ، وهو صحفي وكاتب وأحد أفضل المتخصصين في أفريقيا بين الكتاب الباريسين قراءة مختصرة في كتاب سيديك أبا.

من خلال معرفته الوثيقة ببلدان الساحل وأبطال الصراعات المستمرة، لا يتجاهل الصحفي والكاتب النيجري، سيديك أبا، السياق الذي أنتج الأحداث والجماعات والوقائع، وذلك من خلال التحليل الجيوسياسي الفرنسي المالي وحده. 
بل إن الكتاب "يحفر سياقه"، كما أوصى عالم الأنثروبولوجيا الفرنسي النيجري، جان بيير أوليفييه دي ساردان، معطيا مفاتيح  مهمة لفهم السياسة الفرنسية في عالمها الأفريقي.

وبالتالي فإن الحركات الإرهابية، التي تم فك رموزها في هذا الكتاب، أقل انسجاما مما تبدو للوهلة الأولى.

ومن منظور تاريخي، فإن مسيرة إياد أغ غالي، وهو من الطوارق ومن القادة البارزين من قبيلة إيفوغاس، قد أصبح الفاعل الرئيسي للتمرد المسلح الجهادي في المنطقة، وسيرة أياد غالي تجعل من الممكن فهم تعقيد التضاريس السياسية والاجتماعية في أزواد.

فمنذ تجنيد اياد غالي في الفيلق لإسلامي الذي أسسه العقيد القذافي في عام 1987، ومنذ أن تعززت علاقاته مع المخابرات الجزائرية في عام 1991، قبل أن يستسلم للحماس الديني للمبشرين السلفيين الباكستانيين في عام 1998، "فإن إياد يبهر الجميع ويجعل نفسه الرجل الذي لا غنى عنه"، وفق تعبير صديق أبا

 وينقل أبا بثقة عن دبلوماسي فرنسي يكشف أن الرئيس المالي السابق أماني توماني توري "ATT" كان له خط اتصال مباشر مع إياد غالي "

"طالبان، نسخة مالي"

يقدم الفصل الخاص ب "طالبان، نسخة مالي" شبكة قراءة غير مسبوقة حول عمل مجموعة نصرة الإسلام والمسلمين (GSIM) التابعة لإياد غالي.
لقد مكن هذا النموذج التجميعي من توحيد مجموعات متباينة، تتجاوز مجتمع الطوارق. 

وذلك من خلال عدد الهياكل التنظيمية التي تم زرعها في الإطار العرقي المفتوح أمام السكان العرب أو الطوارق أو الفولاني أو البامبارا .

 تقدم  GSIM نفسها من خلال هوية وطنية مالية مماثلة للديناميكية التي خلقتها طالبان في تحالفاتها مع الهياكل القبلية الأفغانية" .

يقدم هذا الكتاب أيضا مفاتيح لفهم الحريق الجهادي في البلدان المجاورة لمالي. في بوركينا فاسو، ألم تكن المشكلة الرئيسية للرئيس روش مارك كريستيان كابوري - الذي أطاح به انقلاب في 24 يناير 2022 - عدم ثقته في جيشه؟ "لقد همش تقريبا جميع الجنرالات وكبار الضباط" الذين خدموا في عهد الرئيس بليز كومباوري ، حتى بعد تفكيك "فيلق الأمن الرئاسي" ، الحرس الخاص لرئيس الدولة السابق.

"حطام سفينة التضامن الدولي"

لكن الفصل الأكثر  أهمية في هذا الكتاب هو "حطام سفينة التضامن الدولي"، وهو موضوع نادرا ما ينال نصيبه من النقاش.

يمكن أن تعلم أنه في "مختبر الساحل" ، يتنافس ما لا يقل عن خمسة عشر استراتيجية مختلفة للمنظمات الدولية (الأمم المتحدة ، الاتحاد الأوروبي ، الاتحاد الأفريقي ، بنك الاستثمار الأوروبي ، البنك الدولي ، البنك الأفريقي للتنمية ، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ...) مع بعضها البعض. كل منظمة لديها ممثل خاص بها ... ناهيك عن المبادرات الأوروبية "الوطنية" التي يكرر بعضها البعض. إسبانيا، هولندا، ألمانيا... 

لقد امتلك كل طرف "سياسته الخاصة في تقديم المساعدات لدول الفضاء الساحلي" بالإضافة إلى سياسة فرنسا التي تدعي التنسيق بين "شركائها". وبالنسبة لدول الساحل، فإن "المزايدة على الاستراتيجيات، وتكديس الهياكل، وتكاثر المبعوثين الخاصين يتحول إلى كابوس: كل مانح يأتي بإجراءاته وأعبائه وبيروقراطيته ومبانيه الفاخرة وحديقة الكمبيوتر الحديثة الخاصة به ومساعديه التقنيين الذين يتقاضون رواتب" بسعر" ويتحركون في سيارات رباعية الدفع.

إنه كما يرى صديق ابا فجور في تكاليف التشغيل لا يتناسب مع حياة سكان الساحل الذين سحقتهم الأزمة الأمنية »

لكل ساحله
منذ عام 2020،  بدأ "تحالف الساحل"  يدعي أنه وحده حشد 21.8 مليار يورو لتمويل ألف مشروع في دول الساحل الخمسة.

 ولكن في كثير من الأحيان ، يصدق أن لكل ساحله الخاص به.

لكل ساحله من حيث نقاط التركيز والاهتمامات المتضاربة التي تجعل الجميع يدخل في تناقضات وتعارض مصالح مع الجميع

وفيما تتناول الفصول المتبقية من الكتاب النفوذ الروسي والتركي والجزائري في منطقة الساحل، يسير قلم الكاتب بهدوء إلى سؤاله المركزي، هل ستكون مالي هي أفغانساتاننا، إنه السؤال المطروح بقوة في كل أروقة السياسة الفرنسية، وأولى الإجابات وأوضحها هي انسحاب فرنسا من مالي، كما انسحبت الولايات المتحدة من أفغانستان، والنتيجة أيضا خسائركبيرة، وعداوة معلنة من حكام باماكو، لحكام باريس.