في رثاء كولن باول/ محمد محمود إسلم عبد الله

 

في أمة مهزومة كأمتنا اليوم مع الأسف لا تستغرب أن تجد من يدبج المراثي للعدو ، ويمجد خصاله ، ويبحث له عن تاريخ ومآثر يتغنى له بها بكل صفاقة وقلة حياء.

 إنها اللعنة الأزلية التي تحدث عنها ابن خلدون في مقدمته عازيا أسبابها لولع المغلوب بتقليد الغالب ، وانبهاره بقيمه.

ومادام الشيء بالشيء يذكر ، ولأن أحد وزرائنا السابقين فتح لنا مشكورا باب رثاء باول أجدني مجبرا على الإدلاء بدلوي لذكر محاسن هذا الميت الذي سيذكر له التاريخ أنه من ألقى في فبراير عام 2003 خطابا مشحونا كذبا مليئا بالتهم الملفقة أمام الأمم المتحدة كان سببا في تدمير حضارة هي الأقدم على ظهر البسيطة ، واحتلال بلد وشعب ووأد أحلام أمة بأسرها في العزة والكرامة والتحرر.

سجن أبو غريب وهتك أعراض حرائر العراق كل ذلك كان من حسناته ، وداعش وأخواتها في بلاد مابين النهرين ، تهجير الأقليات ، الأكراد ، والكلدان الآشوريون ، والتركمان ، والأرمن ، والغجر ، والإيزيديون ، والصابئة وتصفيتهم في ميزان حسناته ، فضلا عن الحرب الأشرس بين المكونين الدينين السني والشيعي في العراق والتي مازالت في عنفوانها إلى حد اليوم.

لاأريد هنا أن أذكر وزيرنا المبجل بقتل قادة العراق والتنكيل بهم والزج بهم في السجون ، ومحاولة اجتثاث البعث ، والتضحية بالشهيد الشهم صدام حسين في يوم الحج الأكبر ، خشية أن يكون كل ذلك لايعني له الكثير.

صحيح سيدي الوزير أننا نمر بأدنى نقاط الحضيض التي وصلنا إليها عبر تاريخنا الطويل ، وأزمتنا أزمة مركبة متشابكة ، لكن لم نصل يوما إلى درجة الإنبتات من جذورنا ، وتمجيد القتلة الآثمين تحت أي ظرف.

هل تعلم سيدي الوزير أنك جرحت مشاعرنا وآذيت وجداننا الجمعي وذاكرتنا؟

هل تدري أنك آذيت الإنسانية الحقيقية جمعاء والفطرة السليمة وطعنتها في الصميم؟

هل تدرك كم جانفت الصواب والحقيقة فيما ذهبت إليه؟

وهل تظن أن الذين تستدر عواطفهم يمكن أن يطعموك من جوع ، أو يؤمنوك من خوف؟

سامحني من فضلك فلم أكن أدرك أن الهزيمة النفسية والأخلاقية يمكن أن تصل حد تكريم الجلادين والقتلة ، لم أكن أظن أن الدم العربي يمكن أن يصير ماء ، وأن موت الغزاة الحاقدين المغتصبين سيثير لدى بعضنا كل هذه المشاعر المختلطة من التبجيل والإجلال ، ولله في خلقه شؤون.

كامل الود