عائدات موريتانيا المالية من الغاز: أي مستقبل للتنمية ؟ (2) / سيد أحمد ابوه ‏

الجزء الثاني ويشمل المحورين الثالث والرابع

المحور الثالث: حول الشراكة لتطوير واستغلال حقل السلحفاة-آحميم

لما كان حقل السلحفاة الكبير-آحميم يغطي منطقة بحرية حدودية مشتركة بين موريتانيا والسينغال ولأن الشركات الدولية تشترط لاتخاذها قرارا نهائيا بالاستثمار في المشاريع بين الحدودية مستوى عال من التعاون بين البلدان المعنية  فقد كان لزاما على البلدين تصور مقاربة مشتركة لتسيق جهود تطوير واستغلال هذا الحقل الواعد وذلك ما حصل في انواكشوط 9 فبراير 2018 حين وقع البلدان اتفاقا للتعاون تم بموجبه اعتبار حقل السلحفاة وحدة لا تتجزأ والاتفاق على تقاسم إنتاجه من الغاز تناصفا كما تم بموجبه توحيد أطر التفاوض مع الشركات وضبط آليات التنسيق والمتابعة وفض الخلافات كما اتفق الطرفان على أن تقاسم الإنتاج والتكاليف يظل بدون تغيير ما أمكن ذلك لتوفير شروط استقرار المناخ التعاقدي والاستثماري بالنسبة للعلاقات مع الشركات المستغلة ووفقا لهذا المبدأ وحسب الاتفاق فإن أي مراجعة لتوزيع نسب تقاسم الإنتاج بين البلدين لا يمكن أن تحصل قبل مضي خمس سنوات من تاريخ بداية الإنتاج وتكون وقتها على أساس معطيات إنتاج فعلي وليس تقديري وباعتبار لتموقع الأصل الجيولوجي للغاز الذي تم استخراجه فعلا والقيام طبقا لذلك بإدخال التصحيحات المناسبة بحيث لا يظلم أي من البلدين جاره وشريكه. 
لقد ضبطت اتفاقية التعاون ثلاثة أمور إضافية جوهرية يتعلق أولها بالنظام الجبائي حيث تم الاعتراف لكل بلد بجباية مستحقاته على الشركات المستغلة للحقل وذلك وفقا لنصوصه الجبائبة ولبنود عقده المستقل عن البلد الآخر مع الشركات وبخصوص الجباية على شركات المناولة وأي متعاقد آخر محلي أو أجنبي في كلا البلدين على صلة بأنشطة المشروع فقد تم الاتفاق على إيداع المحاصيل الجبائية المتأتية من تلك النشاطات في حساب موحد وقسمتها تناصفا بين البلدين دون اعتبار لإقليم النشاط. الأمر الجوهري الثاني الذي ضبطته الاتفاقية هو إلزام الشركات المستغلة بتزويد السوق الداخلي للبلدين من الغاز للاستخدام المحلي و بسعر موحد لكلا البلدين عند نقطة الشحن وأن يتم البيع حصريا للشركة أو الشركات في البلدين التي يحددها كل بلد ويتعلق الأمر الجوهري الثالث بإلزام الشركات المطورة  احترام معايير دولية صارمة في موضوع حماية البيئة والوسط البحري حيث اتفق البلدان على طبيعة ومستوى تغطية عقود التأمين المطلوبة من الشركات وذلك وفقا لقوانين البلدين المتعلقة بتأمين المخاطر المرتبطة بالنشاطات البترولية وهي غالبا مخاطر مرتفعة رغم تقدم التكنولوجيات المستخدمة حيث نذكر جيدا كارثة خليج المكسيك قبالة لويزيانا سنة 2010 وما انجر عنها من أثر كارثي على البيئة والانسان.
ولنفهم أهمية هذا الاتفاق ومحوريته بالنسبة للمشروع فقد كان الشرط الأساس لقبول الشركات تحمل المخاطر المالية للبدء في المرحلة الأولى من تطوير المشروع وخلال سنة كاملة ابتداء من تاريخ توقيع الاتفاق عقدت الفرق الفنية للبلدين وللشركات المستغلة عشرات الاجتماعات حتى وصلنا في  21 ديسمبر 2018 إلى القرار النهائي للاستثمار ويظل الاتفاق على أهميته لبنة مهمة في توطيد عرى التعاون والتنسيق بين بلدين يجمعهما ما هو أكثر وأعمق بكثير مما يفرقهما.     

المحور الرابع: حول عائدات الغاز المالية لكل من موريتانيا والسينغال

تمتلك موريتانيا 14% كحصة وطنية أي بإعمال مبدأ التناصف مع السينغال (x50%)  ما مجموعه 7% من حصة الإنتاج الاجمالي  لحقل لسلحفاة الكبير-آحميم والذي وصل تنفيذ اشغاله إلى حدود 75% ولمحاولة الإحاطة سنقوم بجرد كل العائدات المتوقعة بما في ذلك تلك الهامشية منها و تتوزع العائدات التي ستجنيها البلاد إلى ثلاثة فئات كما يلي:
أولا: العائدات المؤكدة والمعتبرة:
-    عائدات الحصة من الإنتاج: وهي نسبة الدولة الموريتانية بعد طرح 62% من الإنتاج والذي تستبقيه الشركة كنفط كلفة تعويضا لها عن تكاليفها من نفقات استثمار CAPEX ونفقات عملية أوتسييرية OPEX والتي تحملتها خلال مراحل الاستكشاف والتنقيب والتطوير وطبعا يتحول نفط الكلفة إلى نفط أرباح عند اكتمال استرجاع المستثمر تكاليفه وكما أوردنا في المحور الأول فإن نسبة ال 38% المتبقية وهي نفط الربح يتم توزيعها بين الدولة والشركة بتطبيق مبدأ مؤشر الربحية.
-    العائدات الجبائية: تدفع الشركة للدولة الموريتانية سنويا وبعنوان الضريبة على الشركات 27% من صافي أرباحها ولموريتانيا أفضلية هنا على السينغال والذي تصل فيه هذه النسبة إلى 25% فقط ويضاف لهذا المورد حصة الدولة من العائد الجبائي على كل عقود المناولة للمشروع وهو العائد الذي يتم تقاسمه مناصفة مع السينغال.
ثانيا: العائدات المؤكدة ولكنها هامشية:
-    إتاوات المساحة: وقيمتها من دولارين إلى أربعة دولارات سنويا عن كل كيلومتر مربع من مساحة الرخصة خلال فترة التنقيب و170 دولار سنويا عن كل كيلومتر مربع من مساحة الرخصة خلال فترة الاستغلال أي خلال الثلاثين سنة القادمة وللعلم تبلغ مساحة المقطع C8 ما مجموعه 12 ألف كيلومتر مربع.
-    منحة التكوين ودعم القدرات: وهي منحة لدعم القدرات المؤسسية لوزارة النفط من خلال الدعم الإداري والفني وتكوين الخبرات وقد تحصلت منها الوزارة على 7 مليون دولار خلال السنوات العشر الماضية.
-    منحة التوقيع: وقد تم ضبطها بعقد الاستكشاف – الإنتاج وهي منحة رمزية من مليون دولار دفعتها Kosmos Energy للدولة غداة التوقيع قبل عشر سنوات. ويذكر هنا أن إتاوات المساحة ومنحة التكوين ومنحة التوقيع لا تدخل ضمن التكاليف البترولية التي يسترجعها المستثمر. 
ثالثا: العائدات التعاقدية ولكنها مستبعدة:
-    منح الإنتاج: وضبطت وفق آلية تدرج وتبلغ 6 مليون دولاركمنحة أولى و8 مليون دولاركمنحة ثانية و12 مليون دولاركمنحة ثالثة و20 مليون دولار كمنحة رابعة ولكن صرف هذه المنح مشروط بتحقيق إنتاج يومي ولمدة ثلاثين يوما متتالية (أي بدون انقطاع) قدره ما يعادل 25000 برميل نفط بالنسبة للمنحة الأولى و 50000 برميل نفط بالنسبة للمنحة الثانية و 100000 برميل نفط بالنسبة للمنحة الثالثة وأخيرا 150000 برميل نفط بالنسبة للمنحة الرابعة. نعم أصنفها على أنها مستبعدة لسبب بسيط وهو أن السلطة والقرار في عملية الإنتاج ليسا بيد البلدين وبالتالي فشرط تتابع الثلاثين يوما يظل شرطا نظريا، لا شك أنكم فهمتم ما قصدته. 
لحد الآن قيم بدراسة وحيدة (معلنة) من طرف البنك الدولي نهاية 2019 لتقدير إجمالي العائدات المالية على فترة 25 سنة المتوقعة للمشروع وهي فترة مرشحة للزيادة حسب فرضيات الاستغلال ويبقى ذلك رهينا ببداية الإنتاج وعدم تعثر المرحلتين الثانية والثالثة من المشروع للوصول إلى إنتاج عشرة ملايين طن وتقييم المخزون على أساس معطيات التشغيل الفعلي وتسمح مدونة المحروقات بفترة تعاقدية قصوى من ثلاثين سنة بالنسبة للغاز مع إمكانية تمديد العقد عشر سنوات في حال ثبت عند اتنهاء الفترة التعاقدية استمرار وجود مخزونات قابلة للتسويق . طبيعي أن الشركة والبنوك التي اقترضت من عندها لتمويل المشروع قاموا بدراسة جدوى أكثر تفصيلا كل من ناحيته ولكنهم يخفونها لأسباب معلومة في هذا المجال ويبقى الثابت أن شركة ك BP لا تأخذ قرارها النهائي بالاستثمار إلا حين تكون احتمالية الخسارة ضئيلة جدا ومرتبطة بكوارث طبيعية لا يمكن التنبؤ بها وهذا ما يطمئن البلدين، وعموما إذا ربحت BP سنربح معها وإذا خسرت ستخسر لوحدها.... وطبعا سنأسف لخسارتها أسفنا لخسارة أي مستثمر اختارنا كوجهة، نعم تلكم هي قاعدة اللعبة. وبالعودة إلى دراسة البنك الدولي فستحصل موريتانيا خلال هذه الفترة على 14,5 مليار دولار أمريكي تشمل كل العوائد المذكورة آنفا أي بمعدل إيرادات سنوية قدره 580 مليون دولار وهي نسبة تقارب في متوسطها 4,4 % من الناتج الداخلي الخام السنوي على طول الفترة احتسبت عن طريق قسمة العائد السنوي المتوقع على الناتج الداخلي الخام السنوي المتوقع. وتتوزع هذه العوائد إلى 13 مليار دولار إيرادات مباشرة لخزينة الدولة و 1,5 مليار دولار إيرادات SMH. 
طبعا سنجني على الأقل ضعف هذه الإيرادات من حقل بئر الله الواقع بنفس المقطع والذي ستحكمه نفس بنود العقد الحالي إذا ما استطاعت الشركات تقديم خطة التطوير والوصول إلى القرار النهائي للاستثمار وأعتقد أن المؤشرات إيجابية للتقدم في هذا المسار.  
أما بخصوص عائدات السينغال وسأختصر كونها ليست موضوع المقال فتمتلك السينغال 20% كحصة وطنية أي بإعمال مبدأ التناصف مع موريتانيا (x50%)  ما مجموعه 10% من حصة الإنتاج الاجمالي  لحقل السلحفاة الكبير-آحميم وتتوزع العائدات التي ستجنيها السينغال من هذا الحقل ومن مشاريعها الأخرى والتي من ضمنها حقل Sangomar النفطي الذي يدخل حيز الإنتاج العام القادم بطاقة 100 ألف برميل نفط يوميا كما يلي:
-    عائدات من حقل السلحفاة الكبير-آحميم حوالي 16.5 مليار دولار على كامل فترة المشروع
-    عائدات من حقل Sangomar لا أملك تحديثات عنها بشأن مرحلته الأولى والممتدة لست سنوات مبدئيا ابتداء من العام القادم رغم أن تنفيذ الأشغال لم يتجاوز بعد 52% وكان صندوق النقد الدولي قد قدر عائدات السينغال المتوقعة من النفط والغاز خلال السنوات 2023-2025 ب 200 مليار افرنك غرب إفريقي أي حوالي 350 مليون دولار. 
وأخيرا وتجنبا لكل لبس يحصل في الجدل الذي يطل برأسه من وقت لآخر حول عائدات موريتانيا المتوقعة من الغاز والتفاوت في النسب مع السينغال ورأي البعض حول حصص المستثمرين أرى من المهم التعامل بواقعية مع المعطيات التالية:
أولا: كل الأرقام حول العائدات هي تقديرات رغم تأسيسيها على دعائم علمية إلا أنها تظل محكومة بظروف الإنتاج وبعوامل السوق (سعر البيع) وبالتصحيحات المنتظرة إثر المراجعة الأولى بعد خمس سنوات وبمدى احترام البلدان الكبرى لالتزاماتها بخصوص الحد من استهلاك الوقود الأحفوري والغاز من ضمنه وإن كان أقل تلويثا.
ثانيا: الغاز ليس كالبترول (ليس نفس السوق) فليس للغاز منتدى ينظم سوقه على غرار أوبك وأوبك+ الذي ينظم 70% من إنتاج وتصدير النفط بالعالم في حين أن الغاز يتسم بالموسمية (ذروة الاستهلاك في فصل الشتاء) ويالمناطقية فالسعر في Henry Hub يصل تارة إلى ثلث السعر في آسيا.
ثالثا: لم تكن موريتانيا قبلة جاذبة للاستثمار ومن الطبيعي أن مدونة المحروقات الخام قدمت تحفيزات للاستثمار في استكشاف واستغلال ثرواتنا وهو ما مكننا من الحصول على المتاح بالنسبة لحصتنا في آحميم إضافة إلى أن الأمر حكمته إكراهات أخرى تتعلق بقدرتنا على تعبئة مساهمتنا في المراحل الثلاث لحقل آحميم والتي تبلغ الآن مليار دولار وكانت ستصل إلى مليار ونصف المليار دولار لو كانت حصتنا 10% وليست 7% مع ما نعرفه جميعا من وضعية صعبة لمديونيتنا الخارجية كما أن الحل الذي توفر لاحقا بالاقتراض من BP و Kosmos Energy لم يكن على الطاولة إبان توقيع العقد وهو الحل الذي مكننا من تحرير مساهمتنا في المرحلة الأولى من حقل آحميم والبالغة 304,5 مليون دولار ومكن السينغال من تحرير نفس المساهمة بمبلغ 430 مليون دولار ولم يعترض صندوق النقد الدولي على القرض والذي نشره على موقعه وهو غير ميسر وذلك لاعتباره أن ربحية المشروع مضمونة وأيضا وهو الأهم أن هذا القرض لا يغطيه ضمان سيادي من الدولة بل تغطيه عائدات الإنتاج.
رابعا: لم يأت المستثمرون إلينا لسواد عيوننا، إنهم مستثمرون ينشدون الربح ومن حقهم استرجاع كل التكاليف التي تحملوها في الاستكشاف والتطوير فالغاز كان عندنا منذ ملايين السنوات ولكننا لم نكن نعلم عنه وليست عندنا لا التكنولوجيا المعقدة لاستخراجه ولا الأموال المطلوبة لاقتنائها وبالتالي من المهم تطوير العلاقة مع المستثمرين أيا كانت القطاعات التي يستثمرون بها عندنا على أساس الربحية المتبادلة حتى نحسن من جاذبية بلادنا للاستثمارات الأجنبية ويمر ذلك بثورة في ذهنية الموريتاني وهو يتعاطى مع الأجنبي مستثمرا كان أو زائرا حتى نستعيض عن السؤال التقليدي: كم سنستفيد من هؤلاء؟ إلى السؤال كم سنستفيد مع هؤلاء؟