فشل الحوار السياسي يخدم المصلحة العامة!/ محمد يعقوب ولد محمد سالم

 

السياسة فن ولعبة غريبة الهدف منها ليس الربح أو الخسارة بقدر ما يراد أن تستمر اللعبة ولا تتوقف، لأن التوقف يعني الانتقال من اللعب المضبوط بقواعد إلى الصراع العرقي والجهوي وحتى مواجهات على صعيد الأجهزة وعندها تبدأ الأضرار في الوقوع.
إن كان هناك ثابت في السياسة فهو أن الأطراف لا يجب أن يتفقوا أبدا لدرجة التماهي، هكذا نحافظ على التوازن الجدلي الرقابي، ونحافظ على الوسيط المنضبط بين عبثية الجماهير وأجهزة الحكم. ما يجب أن يتواشج ويتفق هو النسيج الاجتماعي وللأسف الفرقاء هنا لا يمكن أن يجتمعوا إلى طاولة واحدة.
نحن نعلم أن التهديد الوجودي الأول للبلاد ليس اقتصاديا فالمؤشرات واعدة والوضع الاقتصادي رغم المشاكل ما يزال تحت السيطرة، الفساد المالي والإداري المستشري مشكلة طرفية يمكن حلها في أيام وشهور، في الأساس يجد دعامته في مشاكل اجتماعية أخرى كالقبيلة، الجهوية، ودرجات الامتياز العرقي. هذا هو المحز الذي يكبح جهود الإصلاح ويمنع ظهور نتائج الخطط المبذولة، كما أثبتت التجارب أنه عائق وعقبة كأداء في وجه تطبيق القواعد القانونية في صورتها العامة والمجردة.
تذكرون المشكلة بين شريحة لمعلمين وبعض النافذين وتحول الأمر لقضية رأي عام، ومطالبة البعض بفتح تحقيق رسمي في الموضوع؟ يومها صدرت بيانات قبلية شديدة اللهجة ضد الدولة والجهاز القضائي في حال الاستجابة للمطالب، تلك الواقعة تحديدا كانت هي الدافع والبركسيس الذي حول المئات من أبناء شريحة لمعلمين من الاعتدال الوطني إلى التعصب العرقي، والوقوف خلف منت خيطور التي نجحت في استمالتهم عبر خطابها المشحون.
بيرام الداه اعبيد أيضا صرح أنه بدأ النضال عندما كان كاتب ضبط، وفي واقعة قام أحد القضاة بتوريث أموال هالك من شريحة لحراطين لأسياده.
النظام وتحت وطأت الضغوط الحقوقية ومحاولة تلميع ملف البلاد الإنساني- العصى السحرية للحصول علي القروض والدعم- عمل على صياغة ترسانة قانونية تتاخم حدود الكمال، لكن تطبيقها بشكل عام ومجرد واجهة بعض المشاكل والعقبات كشفت عن عمق المشكلة وتشعبها.
من هذه الثغرات يكتسب الخطاب العرقي وجاه وعمدة ومن هنا تتعقد الأمور، حتى وصل شطط البعض درجة الحديث عن تعويضات، أو اعتراف رسمي بوقوع جريمة تاريخية في حق مكون معين. وهذا بصراحة ضرب من العبث والسفسطة وكل نظام يفكر مجرد تفكير في التعاطي مع هذا النوع من المطالب العبثية يرتكب خطأ تاريخي جسيم، خير مثال على ذلك ملف الإرث الإنساني الذي ما إن بدأ طرحه وتداوله بشكل رسمي، حتى ظهرت حركة ايرا ، وولد أحمد عيشة على رأس حزب يميني، كما تم الترخيص لحزب عرقي خاص بالزنوج وظهرت حركة اجعبن ، وحراك لمعلمين وبعض التصدعات داخل شريحة البيظان.
الخلاصة والدرس التاريخي يصرخ بنا أنه عند فتح هذا الباب لن يقفل أبدا...
لكن تعالوا هنا دعونا نتساءل ما دامت المشكلة لها أصول تاريخية ضاربة في القدم، أين كانت كل هذه الأصوات أيام ولد الطايع، لماذا هذا الشحن والتصعيد الآن؟
السبب ببداهة هو أن النظام كان مستعدا للدفاع عن الوحدة الوطنية بالحق أو الباطل، وكان الموضوع موسوما بصفة "التابو" السياسي، وكل الذين غامروا بتجاوز الخطوط الحمر في ذلك الاتجاه دخلوا محاق القمر إلى غير رجعة.
بعد ذلك لجأ نظام عزيز في جو من المشاكل والاحتقان السياسي، وتحت وطأت ثورات الربيع العربي والأزمة السياسية الخانقة التي استمرت عشر سنوات، قام النظام في حركة غير مسئولة بإرخاء القبضة لدعاة الخطاب العرقي، كما ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تغول لبروبغندى السياسية لتشمل مواضيع ومحذورات تمس وجود الدولة. هذا بالتزامن مع ظهور تيار قوي يقوده شباب مقتربون مبهورون بالديمقراطيات الغربية وطامحين لتنوير الرأي العام عبر تشخيص الواقع الداخلي بالمنظار وعقد مقارنات تعسفية بين واقعنا المتخلف وتلك البنى السياسية التي أكملت مسار تطورها، دون اعتبار أو مراعاة للفجوة الحضارية والشروط التاريخية، ينضاف لذلك ضعف التكوين والتلقي والخبرة المتواضعة في التعامل مع هذا النوع من الملفات لصانع القرار الوطني كل هذا أكسب دعاة هذا النهج جرأة في التمادي وتجاوز المحظورات.
الحل ببساطة يكمن في عكس العوامل والمدخلات، ومن هنا يتضح أنه لا يمكن أن يكون سياسيا بحتا، والسبب أن المشكلة في طابعها الأعم اجتماعية تاريخية ذات أبعاد دينية سيكلوجية أخلاقية متعالية على الحسابات السياسية أحادية النظرة. ما نحتاجه بالفعل هو تنظير متكامل يستهدف الثوابت الثقافية والروحية المشتركة بيننا، وتوظيفها لبدأ الصدع بين المكونات والشرائح سبيلا لصهر كل القوى في بوتقة واحدة.
هذا الطرح يجب أن يستبطن آراء دينية ومجهود إعلامي ضخم، كما يلعب المثقفون وأصحاب الرأي وهيئات المجتمع المدني الدور الأكبر فيه. هذه الخطة يجب أن يشرف عليها ويديرها أشخاص درسوا العلوم الاجتماعية وأن تنظمها وتوجهها نظريات وأطروحات مستقاة من علم النفس الاجتماعي، وأن لا يقل الإطار الزمني للاهداف المرسومة عن ثلاث سنوات.
الشق الأخر لهذا الطرح قانوني متعين يتلخص في ضرورة الطرق بشدة عن طريق القوة العامة والجهاز القضائي على رأس كل سياسي يحاول لعب هذه الورقة لتحقيق مكاسب آنية، وأن يتم تتبع بوصلة الضمير الجمعي، عبر قياس نسبة تراجع هذا الخطاب في فترات زمنية متقاربة.
خلاصة القول إننا أمام خطر وجودي محدق وكل الطرق والأساليب مشروعة في مواجهته وتحييده.
رغم تحفظنا على مدير الأمن السابق، إلا أنه وخلال إعلان نتائج الانتخابات الأخيرة، عندما كان هناك مخطط ناجز لإثارة القلاقل، اجتمع بشخصيات سياسية معروفة وهددهم بأنه في حالة استمرار الفلتان الأمني سيكونون أول ضحاياه.
كما قالها صريحة في وجه بيرام الداه العبيد "لدينا كامل الاستعداد لقتل نصف هذا الشعب ليعيش النصف الأخر" بعدها قطع الإنترنت ونشر قوات عسكرية في الشوارع وحذر الجميع من الاستجابة لدعوات النزول للشارع، في اليوم المحدد كانت المحالّ التجارية مفتوحة والميادين خالية إلا من الهواء.