أصحاب الغار والإسقاط على الحياة المعاصرة الحلقة (3)

كتب الدكتور المرسي محمود شولح لموقع الفكر

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

الأمة الإسلامية تستمد من تاريخ الأقدمين العبرة والعظة .وينبغى على الداعية و الخطيب والمصلح إبراز العبرة العامة من تاريخ الأقدمين والتركيز عليها ، وأخذ الهداية بعرضها على الأمةفى حاضرهامن أجل تصحيح الوضع والأخذ بعوامل النهوض

والقصة مليئة بالعبر والعظات ، وغنية بالأهداف العظيمة التى تبنى النفوس المؤمنة على الإخلاص ومراقبة الله تعالى فى السر والعلن .

والقصص عموماً  ما جاء إلا للعظة والعبرة وللإفادة منه فى الحاضر وبناء المستقبل ، والدعوة سيالة الفكر، متدفقة الرؤى، لا ينضب معينها. وتتجدد فى عرضها لتغطى المستجدات , وتستوعب المتغيرات .

والحديث له صلته بواقع الأمة الإسلامية ، وهذه الصلة موضوعية ، وقائمة على أسباب علمية ، ودواع جوهرية ، وليست الصلة قائمة على التكلف والمبالغة ، وإقحام الحديث بلا داع ، وربطه بالواقع بلا مبرر ، والجوانب العلمية تأبى أن يزج بالحديث فى هذا الجانب ، وأن ينظر إليه من منظور الإقحام ، والتدخل الزائد ، ويرجعهذا الفهم إلى سوء العرض عند بعضالقائمين على الخطاب الدينى ، وإلى سوء الإسقاط على الواقع، وإلى تغلب العاطفة على العقل ، وقيادة الجوانب النفسية وتحكمها فى القواعد العلمية والبحثية .

والمنهج العلمى والنظرة الموضوعية ترفض كل المبالغات وأنواع التكلف ، وزيادة العاطفة عن حدها ، وترفض أيضاً المعالجة الوعظية البحتة ، والنظرة العاطفية المنفردة .

والإسقاط على الواقع بقواعده وضوابطهفى جميع النصوص الشرعية ، وليس فىهذا الحديث وحده ، وما النصوص من الكتاب والسنة إلا إصلاح للواقع، وانتظام لحركة الحياة ،فالحديث له صلة وثيقة بواقع الأمة الإسلامية من خلال كشفه عن منهج النجاة ، وإيضاحه أساليب الخروج من الأزمات المعاصرة .الأمر الذى يجعل من تأمل الحديث الشريف والنظرة المحللة له  فرصة  تراجع فيها الأمة حساباتها مع نفسها ،ونقدها لواقعها  فلعلها تنهض من كبوتها، وتتمكن من مواجهة التحديات فى ظل هذه القيم .

فهؤلاء الرهط الذين هم نماذج للأمة التىأحاط بها فى حياتها المعاصرة الأزمات المختلفة ، ولم يجد الرهط ملاذاً فى الخروج من كهف البلاء والمحنة  إلاخالص إيمانهم و صالح أعمالهم

وهذه القصة قصها رسول الله صلى على أصحابه رضوان الله عليهم،وأخبرهم بما وقع لأحوال أولئك النفر الثلاثة بالتفصيل كوسيلة من وسائل تربيتهeفى بناء نفوسهم

وبموجب فكرالدعوة الإسلامية  المتدفق ، فإنها تساير الأحداث ، وتضع لكل داء دواءاً ، ولكل مشكلة حلاً ، والناظر يجد أن المحن والمشكلات من طبيعة الحياة ، ومن مقتضيات الوجود فيها ، ويجد أن الدعوة الإسلامية ليست بمنأى عن علاج هذه المشكلات بفكرها الأصيل ، ورؤاها الغنية التى تجمع بين المثالية والواقعية .

ويشكل حديث أصحاب الغار معلماً مهماً من معالم إدارة الأزمات .

وهو نموذجفيه دلالة على إدارة الأزمة على نحو يمكن من النجاة منها،والإفادة من وقوعها

وهو جانب مهم من جوانب اهتمامات الدعوة الإسلاميةينبغى العناية به

عدم معرفة أسماء أصحاب الغار .

لم يعول الحديث على معرفة الرهط ، وأسماء النفر الذين خرجوا يرتادون لأهليهم ، وكان ذكرهم على العموم . ففي الحديث : "بينما ثلاث نفر ممن كان قبلكم".

قال ابن حجر رحمه الله([1]): ( لم أقف على اسم واحد منهم ، وفى حديث عقبة بن عامر عندالطبرانيفي الدعاء أن ثلاثة نفر من بني إسرائيل ) ([2]).

فالحديث لم يذكر أسماء شخصيات القصة ، وقد ورد أنهم كانوا من بني إسرائيل فقط ، فالمقصود العبرة والعظة ، ومعرفة الأسماء لا يتوقف عليها أمر هذه العبرة ، ولهذاكانت العبرة بالأعمال المترجمة، والسلوكيات المثمرة، وليس مجرد الأسماء المجردة ، والألقاب الخالية من المضمون العملي .ولم يعرف الغار بأسماء الأشخاص ، وإنما بجودة الأعمال ، فالغار مستودع الرجال والأعمال ، فقد حوى في داخله كنوزاً عظيمة ودرراً ثمينة .

يتبع بإذن الله

([1])هوشيخالإسلام،علَمالأعلام،أميرالمؤمنينفيالحديث،حافظالعصر: شهابالدينأبوالفضل،أحمدبنعليبنمحمدبنمحمدبنعليبنأحمد،الكنانيالشافعيالمصريالمولدوالمنشأوالداروالوفاة،الحافظالإمامالمعروفبابنحجرالعسقلاني.وابنحجرنسبةإلىأحدأجدادهكانيلقببذلك - علىالأرجح - ويقالله: العسقلاني؛لأنأجدادهمنعسقلان.انظر: شذراتالذهب،لابنالعمادالحنبليج/ 9 ص 395- 399.

 

([2])فتحالباريبشرحصحيحالبخاري6 / 585 .أحمدبنعليبنحجرالعسقلاني