خطوة مهمة لتجسيد الإصلاح في التعليم الأساسي

بقلم : باب أبات سيدي اعمر  أستاذ تعليم عالي

بقلم : باب أبات سيدي اعمر

المواطن الصالح غاية جوهرية و شرط أساسي لنمو و لازدهار أي بلد، إنه أهم الثروات التي يحتاج الوطن إليها من أجل الإقلاع و النماء. بل إن الثروات بدونه لا تساوي شيئا، فالمواطن المتعلم المنفتح  و الملتزم و المتسلح بأدوات العصر و المتحرر من عقد الاستيلاب و القابلية له، هو الذي يستطيع توظيف الثروات و الإمكانات المختلفة لرفاه و تطور بلده.

لكن هذا المواطن هو الآخر منتوج لمنظومة متكاملة معقدة من العوامل و الشروط و المؤثرات المختلفة التي تتطلب المتابعة و البحث و التصميم لضمان خلق هذا المواطن و تصنيعه.

إنه "وصفة طبية" على مؤسسات التعليم و هيئاته ورجاله و إداراته، أن تجد(بتشديد الدال) لتوفيرها وفق أمثل الشروط و أدق المقاييس.

و قد يكون مما يسهل هذه العملية كون الإصلاح أصبح اسما و شعارا بارزا للوزارة الوصية على القطاع، و هو منذ سنوات أصبح موضوعا مشتركا للعديد من المشاريع و البرامج و الملتقيات و الورشات، و بالتالي فلا يجب أن يكون الحديث عنه اليوم صيحة في واد أو قفزة في فراغ.

لكن الموضوعية تقتضي، و الواقعية تستلزم، أن نقر أن الإصلاح لكي يكون ممكنا، يجب أن يبدأ متدرجا و عمليا، متجنبا بيع الأوهام للناشئة و ذويهم، و ترديد شعارات جوفاء، لا تمت إلى واقع الناس بصلة.

و مع أن مجالات الإصلاح المنشود متعددة لتعدد الاختلالات، و متنوعة لتنوع المخالفات و التجاوزات، إلا أننا سنركز في هذه السطور على مجال واحد نرى أهمية قصوى لتناولهو إعادة النظر فيه.

إنه اللغة، أي لغة التعليم، و لست في حاجة هنا للتذكير بضرورة تعليم الطفل بلغته الأم، و تلقينه مبادئ العلوم و أساسيات المعارف بهذه اللغة التي تعد جزءا من هويته و بعضا من كينونته.

و ليس دافعنا لتأكيد ذلك إيديولوجيا رغم و جاهته عندنا، لكنه واقعي و مصلحي "براكماتي" مجرد. ذلك لأن التردي الذي وصل إليه المستوى التعليمي عندنا عائد في المقام الأول إلى التحديات المرتبطة بهذا العامل(عامل اللغة).

و لكون كاتب السطور أستاذ تعليم عال، يمارس التدريس أيضا في المستويين الأساسي و الثانوي منذ سنوات، فقد أمكنه أن يعاين بنفسه كم هي متعددة و معقدة و متشابكة تلك التحديات و الاختلالات الناتجة عن فرض لغة  غريبة على بيئة الطفل أو الفتى، لغة دخيلة على حياته و وعيه، منبتة تماما عن مخزونه المعجمي و مستوى إدراكه المفاهيمي.

لقد أبصر بأم عينه كيف يجد التلميذ نفسه أمام عقبة كأداء، و هو الذي كان مطلوبا منه أن يستوعب فكرة الدرس و يفهم الظواهر المتناولة فيه، فيجد نفسه مطلوبا منه قبل ذلك أن يفهم العبارة اللغوية الحاملة للفكرة أو الشارحة للظاهرة.

إن فهم المضمون المعرفي مشروط بفهم السياق اللغوي العارض له، و هكذا نكون قد زدنا هذا التلميذ عبئا إضافيا و حملناه وزرا لا ضرورة له، في حين كان دورنا يتمثل في تخفيف العبء و تقليل الوزر.

لا أريد مطالبة الوزارة بتعميم التعليم باللغة الوطنية على الفور، رغم و جاهة مطلب كهذا مبدئا و غاية. إنما أريد ببساطة أن نيسر على تلامذتنا المترشحين للمسابقات الوطنية، بأن نقدم لهم الامتحانات في نسختين واحدة باللغة الوطنية و الثانية باللغة الأجنبية، حتى يسهل عليهم استيعاب المواضيع و فهم المطلوب منها.

ان المصيبة الكبرى التي واجهتنا طيلة سنوات الإصلاح المزعوم الماضي، ان التلميذ يخرج من قاعة الامتحان و لم يفهم الموضوع المقدم له أو بعض جزئياته.

و سوف نضرب مثالين من واقع امتحانات مسابقة دخول الإعدادية، منوهين بمدي منطقية و حجية طرح مواضيع المسابقات المهنية الوطنية باللغة الوطنية مع الأجنبية(أعني مسابقتي تكوين المعلمين و المدرسة الوطنية للصحة).مع انهما موجهتان لمترشحين بالغين أصبحوا على درجة من النضج المعرفي و التمكن اللغوي.

بينما أطفال السنة السادسة الأساسية، أولى منهم و أحق بهذه المساعدة، و أحوج إلى هذا التيسير، بأن تترجم لهم مواضيع امتحاناتهم المصيرية بلغتهم الأم، إن لم تطرح لهم حصرا بها.

أما المثالان: فأولهما حدث في السنة الدراسية قبل الماضية، حيث جاء في مسألة امتحان الحساب استعمال كلمة (stock).و هي كلمة متخصصة إلى حد ما، ليست حاضرة بما فيه الكفاية في المعجم المحدود من اللغة الأجنبية المألوف و المتداول في الوسط المدرسي، و نتج عن ذلك عدم فهم للمسألة أثر على الكثير من المترشحين، في حين أن الموضوع لو كان مصحوبا بترجمته العربية لما عانى أي طالب من أي إشكال.

أما المثال الثاني فقد ورد في إحدى الامتحانات التجريبية منذ سنة أو سنتين على مستوى إحدى مقاطعات العاصمة، و في نفس المسألة، أي مسألة الحساب للسادس الابتدائي، حيث كان موضوع المسألة قطعة أرض في مقاطعة الرياض في منطقة العمود 12 أي (pk 12) بالأجنبية ، و قد فهم الكثير من التلاميذ أن هذا الرقم أي(pk 12) هو أحد أبعاد القطعة الأرضية فضاعت نقاط المسألة بسبب هذا الفهم.

أن ماقلناه في مادة الحساب ينطبق بشكل أكثر بشاعة على مادة العلوم، إذ المصطلحات أصعب و السياق اللغوي أكثر تعقيدا، مما جعل العديد من المدرسين يعرضون عن تقديم دروس المادة لقصور معظم التلاميذ عن القدرة على فهم مفرداتها، فيكتفون بتحفيظهم ملخصات بأسئلة و أجوبتها النموذجية لأهم مواضيع المقرر.

ان اكتفاءنا بمثالين من المرحلة الابتدائية هو لتجنب الإطالة، و لكون صعوبات و تحديات هذه المرحلة تنتقل مع الطالب إلى المراحل الأعلى لكنها تكون بالضرورة أقسى و أمر.

فهل سترفق الوزارة هذا العام بناشئتنا و تحتفي بلغتنا الوطنية، فتقدم امتحانات المسابقات الوطنية للمواد العلمية على الأقل في مستوى السادس الابتدائي باللغة الوطنية إلى جانب الأجنبية؟. و إن لم تفعل ذلك و حالت دونه معوقات لوجستية فهل ترخص للمراقبين ان يشرحوا لهم مضمون الأسئلة باللغات الوطنية؟

بقلم : باب أبات سيدي اعمر

أستاذ تعليم عالي، يدير مدرسة تعليم خصوصي