لماذا يمتنع البنك المركزي عن إصدار المراسيم التطبيقية للبنوك الإسلامية- موقع الفكر

  ما زال البنك المركزي في موريتانيا يحتجز منذ سنوات المراسيم التنظيمية المطبقة لقوانين المالية الإسلامية التي أقرتها موريتانيا منذ سنوات، ضمن تحول نحو أسلمة المعاملات المالية.
ورغم أهمية هذه المراسيم وترقب الاقتصاديين والمستثمرين الموريتانيين لها، وما يتوقع أن يترتب عليها من حركية اقتصادية، لشعب يتوق إلى تطهير معاملاته الاقتصادية، والابتعاد بها عن دائرة "الحرب مع الله"، إلا أن جهات نافذة في المركزي ما تزال مصرة على عرقلة هذه المراسيم بشكل خاص.
ويؤكد اقتصاديون موريتانيون في تصريحات متعددة لموقع الفكر 
أن ما تحقق في سبيل تعزيز المعاملات الإسلامية في موريتانيا، كان نتيجة نضال ومطالبات طويلة.
ومن أبرز الخطوات الإيجابية التي قطعها البنك المركزي في اتجاه أسلمة القوانين الاقتصادية.
-    السماح للبنوك الإسلامية قبل إصدار القوانين المنظمة للقرض، الذي يؤصل لعمل هذه المؤسسات المالية، فعمل هذه البنوك الإسلامي كان في ظل حكم الأمر القانوني 20/ 2006، الذي لا يتحدث عن الخدمات المصرفية الإسلامية،  بل  أن مادته رقم 20  تعكر الصفوة، على هذه التجربة حيث تمنع على البنوك ممارسة كثيرا من الأنشطة التجارية وعمليات البيع والشراء.

فيحسب للبنك المركزي أنه  تعاطى معها إيجابا فرخص لكل هذه البنوك رغم وجود المادة 20 من الأمر القانوني 20-2006، فلا تأسيس قانوني لوجود هذه البنوك.

وتعاطى معها إيجابا حين كانت عرضة للإزدواج الضريبي، فكان بإمكان الضرائب أن تأتيها أول النهار على أنها مؤسسات إقراض فتأخذ منها الضريبة، وفي المساء تأتي إليها بصفتها مؤسسات تجارية لأن الضرائب تستمسك بوثائق على أن البنك يمارس التجارة والبيع والشراء، بغرض الربح.

فأصدر البنك المركزي ساعتها تعميما يعتبر فيه كلما يصدرعن البنوك والمصارف الاسلامية ولوكان بشكل تجاري،  حيث اعتبره البنك المركزي عمليات مالية عادية.
-    إصدار قانون القرض 2018 الذي خصص الباب الثالث منه للمنتجات الإسلامية في المالية والخدمات المصرفية، لأول مرة.
-    إقرار النظام الأساسي  للجنة للمطابقة مع الشريعة، وخرجت هذه الفكرة للنور بتعيين اللجنة، دون أن يكون لها دور كبير فعال في السير نحو أسلمة القطاع.
بقي الكثير ..

يقول د. محمدً بن حمينَ لموقع الفكر: "هنالك قانون أظنه صدر في العام 2018م، ينظم معاملات المصارف الإسلامية فيه باب  يسمى الباب الثالث وهذا الباب ينص في بعض مواده  على أن تكون هناك  هيئة رقابة شرعية على مستوى البنك المركزي وأن تكون هنالك  هيئات للمطابقة الشرعية على مستوى البنوك المحلية ودور هذه الهيئات إنما  هو  أن تطابق عملياتها مع ما رسم على مستوى البنك المركزي، لكن هذا القانون لم يفعل حتى الآن بما ينبغي ولم تصدر اللوائح والتعليمات اللازمة  المتعلقة به وفيه كثير من النواقص تتعلق بطريقة الرقابة الشرعية لأن البنوك الإسلامية تختلف عن البنوك التقليدية في كثير من الأمور خاصة  فيما يتعلق بالسيولة وما يتعلق بالمساهمين في الشركات لأنها بنوك تجارية وليست بنوك سيولة وهي بنوك في معاملات مالية ذات  اقتصاد حقيقي وليست اقتصادا نقديا، والقانون فيه نواقص و الإجراءات  والمساطر  والتعليمات  التي تطبقه لم تصدر حتى الآن".
وفي سياق متصل فإن البنك المركزي ما يزال يماطل في إصدار القوانين التطبيقية للباب الثالث من قانو مؤسسات القرض، مما يراكم أضرارا اقتصادية ومؤسسية متعددة للمصارف ومؤسسات القرض الإسلامية في موريتانيا.
ووفق خبراء اقتصاديين فإن من أبرز تلك الأضرار:
-    غياب أي دور للبنك المركزي في متابعة الحوكمة الشرعية للبنوك الإسلامية وهي قطاع عريض من السوق المصرفية في البلاد، حيث يسيطر على أكثر من ثلث المؤسسات البنكية (6 بنوك إسلامية من أصل 16 بنكا)، و25 من مؤسسة القرض الصغيرتصرح أنها تعتمد الشريعة الإسلامية من أصل 30 مؤسسة صغيرة مختصة في هذا المجال، كما أن كل البنوك الموريتانية التقليدية في عامتها تعلن عن وجود فروع إسلامية، أو نوافذ إسلامية لها.
وهو ما يلغي دورا مهما من أدوار البنك المركزي، ويجعل عمله قاصرا عن الوصول 
إلى الرقابة التي هي من صميم تخصصه.
-    غياب أي دور لحماية المستهلك الذي يتعامل مع هذه المصارف الإسلامية حتى يتأكد من أن الخدمات والمنتجات التي قدمت له على أساس معين،  مطابقة للشريعة الإسلامية، وموافقة لدفتر الالتزامات وبالعقد المبرم بين الزبون والمؤسسة المصرفية، وبدون 
إصدار اللوائح التنظيمية فإن هذا الحق سيظل مهدرا.
-    انعدام أي فعالية للجنة المطاقة: وهو ما يعني مزيدا من الترهل والإهمال، وإظهار عدم الجدية تجاه الصناعة الإسلامية في الصيرفة، رغم أن اللجنة أصدرت مشكورة ما يسميه البنك المركزي والخزينة السندات الإسلامية، رغم أن تعيين هذه اللجنة لم يراع قوانين البنك المركزي نفسه الذي ينص على أن يكون أعضاؤها متخصصين ومتفرغين ولا يتقاضون رواتب من أي جهة أخرى، وهو ما تم خرقه بشكل واضح.
حيث أن من بين أعضائها موظفون..
-    تنظيم المنافسة بين البنوك الإسلامية والبنوك التقليدية: حيث تتمتع هذه الأخيرة بساحات خاصة لا يمكن أن تصل إليها البنوك الإسلامية، حيث لا يملك البنك المركزي أي رقابة على النوافذ الإسلامية في البنوك التقليدية، وهو ما قد يضعف مصداقية هذه النوافذ بشكل دائم، كما أنه يضعف جانب البنوك الإسلامية التي تجد نفسها في مواجهة منافسة غير منطقية وغير قابلة أيضا لتأكيد " مواكبتها الإسلامية"
ويمكن الجزم أن البنك المركزي قد ترك الحبل للغارب للمؤسسات التي تعلن عن نفسها " إسلامية" لتمارس ما شاءت من أعمال ومعاملات مالية دون أي سبيل لتأكيد إسلاميتها.

قالت الدكتورة رقية بنت منيه لموقع الفكر: "إن قانون المالية الإسلامية على مستوى البنك ينص على أن الهيئة تواكب عمل المالية الإسلامية، وهي نواة لأي عمل تنظيمي للمصرفية الإسلامية في المستقبل، وللأسف لم يخضع اختيار اللجنة لمعايير شفافة والتي حددها القانون الجديد 036 /2018  وتنص على ضرورة التخصص في المالية الإسلامية والعلوم المساعدة، لذا ينبغي مراجعة اختيار اللجنة وفق الترتيبات الجديدة.

ورغم ما يصرح به من أن اللجنة مؤقتة ويجري تجديدها كل سنتين لكن مرحلة كورونا عرقلت التقدم في تنفيذ هذه الإصلاحات، وهو ما نرجو تداركه مع قرب انتهاء المأمورية الثانية للجنة المطابقة بالبنك المركزي"

ويؤكد خبراء اقتصاديون موريتانيون أن تفعيل "الحوكمة" الإسلامية كفيل بترقية وتنقية معاملات البنوك، كما أنه قد يوفر مصدرا ماليا خيريا يخفف من الفقر حيث يفترض أن عائدات وأرباح المعاملات التي تخالف الشريعة الإسلامية، ينبغي أن تصرف بشكل حصري في وجوه الخير، بحيث لا يستفيد منها البنك المعني في أي من أعماله، وهو ما يجري به العمل في كثير من البلدان التي نفذت نظام حوكمة إسلامية صارمة.