كلام أبي حامد الغزالي في الإحياء:
أما الصوفية الذي يقوم منهجهم على الغلو في الجانب الروحي، فنجد منهم من تفرض عليه الوسطية الإسلامية نفسها، فيعبّر عنها في مناسبة وأخرى، ومن هؤلاء: الإمام أبو حامد الغزالي، الذي لكتابه إحياء علوم الدين تأثير ملحوظ على جمهور غفير من المسلمين، نراه ينوّه بنظرة الإسلام الوسطية ويرشد إليها، برغم انحيازه إلى التصوف وما فيه من مبالغات في النظر والسلوك. ولكن يأبى الإسلام بفلسفته الوسطية المتغلغلة في كل تعاليمه، كما هي متغلغلة في أعماق كل مسلم، إلا أن يفرض نفسه على الغزالي المتصوّف ويدفعه إلى أن يقول هذه الكلمة أواخر كتاب (الزهد) من (إحيائه) رحمه الله.
فبعد أن تحدّث الغزالي عن طوائف الناس واتجاهاتهم ومواقفهم من الحياة الدنيا وشهواتها، قال في نهاية هذا الباب أو الكتاب:
(ووارء هذا مذاهب باطلة، وضلالات هائلة، يطول إحصاؤها إلى ما يبلغ نيّفا وسبعين فرقة. وانما الناجي منها فرقة واحدة، وهي السالكة ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهو أن لا يترك الدنيا بالكلية، ولا يقمع الشهوات بالكلية. أما الدنيا فيأخذ منها قدر الزاد، وأما الشهوات فيقمع منها ما يخرج عن طاعة الشرع والعقل، ولا يتبع كل شهوة، ولا يترك كل شهوة، بل يتبع العدل، ولا يترك كل شيء من الدنيا، ولا يطلب كل شيء من الدنيا، بل يعلم مقصود كلّ ما خُلق من الدنيا، ويحفظه على حدّ مقصوده، فيأخذ من القوت ما يقوّي به البدن على العبادة، ومن المسكن ما يحفظ عن اللصوص والحرّ والبرد، ومن الكسوة كذلك، حتى إذا فرغ القلب من شغل البدن، أقبل على الله تعالى بكُنه همته، واشتغل بالذكر والفكر طول العمر، وبقي ملازما لسياسة الشهوات ومراقبا لها، حتى لا يجاوز حدود الورع والتقوى.
ولا يُعلم تفصيل ذلك إلا بالاقتداء بالفرقة الناجية وهم الصحابة، فإنه عليه السلام لمّا قال: "الناجي منها واحدة" قالوا: يا رسول الله، ومن هي؟ قال: "ما أنا عليه وأصحابي" .
وقد كانوا على النهج القاصد، وعلى السبيل الواضح، الذي فصلناه من قبل، فإنهم ما كانوا يأخذون الدنيا للدنيا، بل للدين، وما كانوا يترهبون ويهجرون الدنيا بالكلية، وما كان لهم في الأمور تفريط ولا إفراط، بل كان أمرهم بين ذلك قواما، وذلك هو العدل والوسط بين الطرفين، وهو أحبُّ الأمور إلى الله تعالى. والله أعلم .
كلام ابن الجوزي:
وقال ابن الجوزي:
(احذر جمود النقلة.. وانبساط المتكلمين.. وجموح المتزهدين.. وشره أهل علم الهوى .. ووقو ف العلماء على صورة العلم من غير عمل .. وعمل المتعبّدين بغير علم