الباحث أحمد القاري يتحدث لموقع الفكر عن حقيقة المستكشفين الأوروبيين.. منصرون أم غزاة؟" (مقابلة)

فند الباحث والمفكر أحمد القاري ما تدعيه المصادر الغربية من عدم ارتباط عصر الاستكشافات الجغرافية بدوافع لخدمة التنصير والمصالح الكنسية وذلك بتصوير المستكشفين حملة مشعل التنوير والتحضر وما هم في الحقيقة إلا غزاة نذروا أنفسهم لخدمة النصرانية وخرجوا يحملون الصلبان وبمباركة كبار القساوة.

وضرب الباحث المثل بالمستكشفين الثلاثة (كلومبوس- وديكاما -وماجيلان ) الذين ولدوا في جيل واحد تقريبا وارتبط عصرهم باستكمال سيطرة النصارى على الأندلس وطرد المسلمين منها.. بل إن هناك صلة وثيقة بين ما قام به المستشرقون وسقوط الأندلس على حد تعبيره.

واستعرض الباحث في هذه المقابلة الخاصة مع موقع الفكر جوانب تعضد ما ذهب إليه وذلك من خلال تتبع أهم المحطات في حياة المستكشفين الثلاث والتي ظلت في دائرة التعتيم حتى وقت قريب، وهذا نص المقابلة:

الباحث أحمد القاري: بسم الله الرحمن الرحيم، أشكركم على إتاحة هذه الفرصة، كي أساهم في إثارة هذا النقاش؛ وأنا أرغب في إثارة النقاش والانتباه إلى الطريقة التي ننظر بها إلى التاريخ الغربي عموما، وإلى مسألة الاستكشافات والاختراعات خصوصا؛ وفي هذا اللقاء،  سنتحدث عن ما يسمى بالاستكشافات الجغرافية من خلال أهم رجالها في التاريخ الغربي، وهم كلومبوس (مكتشف أمريكا)، وديكاما، (مستكشف رأس الرجاء الصالح وهو أول غربي يصل إلى الهند)، وكذلك ماجيلان، (وهو أول من قام بدورة حول العالم).

حسب ما تدعيه المصادر الغربية، في مقرراتنا المدرسية، يجري الحديث عن عصر الاستكشافات والمستكشفين؛ وعادة يتم تدريس هذا الموضوع بشيء من الاختصار، خاصة من خلال أسئلة: "هل تعلم كذا؟ ومن فعل كذا؟ ومن اكتشف كذا؟ ودائما ما تقدم تلك القصص على أنها إنجازات قد أفادت البشرية، ويقدم أصحاب الاكتشافات، على أنهم أبطال خدموا البشرية؛ ويفهم التلميذ أن غرضهم من ذلك هو خدمة البشرية، وأن يتعرف العالم على بعضه؛ وهذا أمر مخالف تماما للواقع وبعيد منه كل البعد،؛هؤلاء الغزاة الثلاثة، (كولومبوس وديكاما وماجيلان)، ولدوا في جيل واحد؛ فكولومبوس، ولد سنة 1451،  وديغاما،  ولد بعده بتسع،  سنوات ثم ولد ماجيلان بعد ذلك بعشرين سنة؛ وهذا العصر ارتبط في الجزيرة الإبيرية باستكمال سيطرة النصارى على الاندلس وطردهم للمسلمين؛ وهناك ترابط شديد بين ما قام به هؤلاء الثلاثة من غزوات وبين سقوط الاندلس وهذا ما سأوضحه بشيء من الاختصار.

كولومبوس

ويكفي النظر إلى تاريخ وصول كولومبوس إلى ما سمي لاحقا بأمريكا وكان يعتقد أنه الهند وذلك سنة 1492 وتزامن ذلك مع سقوط غرناطة واستكمال الملكين الكاثولكيين السيطرة على الأندلس؛  فهذان الحدثان (الوصول إلى أمريكا وسقوط غرناطة) وقعا في نفس السنة وربما لولا سقوط غرناطة ما كان لكولومبوس أن يحصل على التمويل لرحلته ولم يحصل عليه إلا بعد أن شعرت الملكة إزابيلا وزوجها فيردناند بأنهم أكملوا مهمتهم الرئيسية والأساسية في حروب الاسترداد بإكمال السيطرة على الاندلس، وبدء التحضير للجزء الثاني، حيث كانا يطمحان (ومعهما الكنيسة ومن ورائها البابا) إلى أن يستردوا شمال افريقيا أيضا  إلى الكاثولوكية والنصرانية؛ وقد حققوا انتصارات جعلتهم يطمعون في أن يكملوا هذه المهمة، من خلال المدن التي سيطرت عليها اسبانيا والبرتغال على السواحل في شمال المغرب وفي الصحراء، وامتدادا من البرتغال حتى خليج غينيا؛  فهذا الارتباط أساسي جدا وهو ارتباط ديني فكولومبوس على أنه شخص يتبع للمسيحية ويخدم أهداف الكنيسة الكاثولكية وطموحات الملكة الكاثولكية في هزيمة ما كانوا يسمونه "المحمديين"، ونشر المسيحية في العالم لكن هنا لابد من الإشارة إلى ارتباط آخر بين غزوات هؤلاء المستكشفين الغزاة وبين ما حصلت عليه جزيرة إبيريا (منطقة الأندلس عموما) من معارف وعلوم أثناء الفترة الإسلامية،  فالمسلمون تركوا في البرتغال (وخاصة في لشبونة) معارف علمية واسعة في صناعة السفن والملاحة البحرية وحرص البرتغاليون على أن يظلوا يحافظون على أسرار هذه المعرفة وعلى أن يحتكروها عن باقي الأوروبيين وكان ذلك سببا في أنهم كانوا أول من قام بغزو البحار من الأمم الأوروبية وأنهم بنوا امبراطورية واسعة كانت ربما ستستمر لو لم يقضي عليها المغاربة في معركة "وادي المخازن"،  واستفادة البرتغاليين من الخبرة الاسلامية في صناعة السفن والإبحار عززها جهد أمير برتغالي يسمى "هندري ملاح"، الذي أسس مدرسة لعلوم البحار وكان لها دور كبير في نشر المعارف المرتبطة بالسفن والملاحة، وفي اختراع نوعية جديدة من السفن يمكنها أن تبحر بعيدا عن السواحل وتختلف عن السفن التي اعتاد الأوروبيين صناعتها وكانت ضعيفة ولا يمكنها أن تبتعد كثيرا في الأعماق.

 هندري ملاح أقنع أباه الملك البرتغالي بغزو "سبته" سنة 1415، وفي سبته شاهد هندري ازدهارا اقتصاديا شديدا، واكتشف أهمية خط التجار الصحراوي وأهمية السيطرة على الطرق التجارية، بل انبهر كثيرا مما شاهده من رفاه الحياة وتقدمها في سبته، فكان ذلك حافزا له على أن يحلم بأن يغزو البرتغاليون البحار وأن يسيطروا على المزيد من الأراضي فقام بقيادة حملة وصلت إلى الرأس الأخضر وسيطر عليها البرتغاليون ووصل حتى سواحل غانا وكان أهم ما يحرك هندري ملاح في غزواته أسطورة شائعةعند النصارى حول وجود مملكة مسيحية وراء أراضي المسلمين، شرقا وكان المسيحيون يعتقدون أنهم إذا وصلوا إلى تلك المملكة وتحالفوا معها سيتمكنون من القضاء على المسلمين، وإخضاعهم؛ هذا الوهم بالنسبة للمعلومات الجغرافية التي كانت سيئة في اوروبا كان جزءا من الأوهام الشائعة؛ فالمستكشف ماجيلان وديغاما إضافة إلى هندري ملاح كانوا يعتبرون الوصول إلى تلك المملكة النصرانية الموجودة في الشرق هدفا أساسيا، وكانت الروايات التي تنتشر في اوروبا حول هذه المملكة أنها مملكة أسطورية تتحدث عن ثروات كبيرة ، وعدد هائل من المقاتلين، وتعطي للأوربيين أملا وحلما بأنهم مجرد أن يصلوا إليها سيحسمون الصراع مع الممالك والإمارات الإسلامية التي كانت في ذلك الوقت تتفوق عليهم من حيث القوة العسكرية والتجارة والسيطرة على البحار وفي مستوى الحياة والرفاهية؛  كان كولومبوس حاضرا حين استسلمت غرناطة وكان فرحا بأن آخر عقبة تحول بين الملكين إزابيلا وفرديناند،   ومع التركيز على فكرته الطموحة قد تم تجاوزها، منعته الملكة الكاثولكية من السعي للحصول على تمويل من مصدر بديل، ومضت سنتين وهي تموله بما يكفي بالكاد لكي يعيش وتعطيه ثلاثة آلاف مرابطي  من حين لآخر ولم يكن هذا ما يبحث عنه (والمرابطي هي العملة التي ظلت مستعملة في اسبانيا  حتى  سنة 1854).

دخل النقاش مع الملكة مرحلة حاسمة وكانت شروط المغامر الإيطالي واضحة في حالة نجاحه في الوصول إلى الهند أو المملكة المسيحية المفقودة في الشرق ومن تلك الشروط:

-أن يتم تعيينه أميرا للبحر الأطلسي

- أن يعود إليه تعيين المسؤولين في الموانئ التي يصل إليها

-ان يحصل على نسبة 10% من كل ما يتم شحنه من الموانئ المكتشفة.

وبالمقابل تكون غزوة كلومبوس باسم ازابيلا وتصبح الأراضي التي يسيطر عليها تابعة لها؛ استمعت الملكة إلى شروط كولومبوس في القصر بقرطبة وبناء على نصيحة كاهن اعترافها (وهو الكاهن الذي يسمع الاعتراف من الرعية في الكنيسة) نكلت عن الموافقة على المشروع وغادر كولومبوس قرطبة على بغلته حزينا، راجع ازابيلا في الموضوع وأقنعها بوجاهة المغامرة وأرسلت مبعوثا في أثر كولومبوس يخبره بأن الملكة تقبل الصفقة،  وخصصت الملكة للحملة مليوني مرابطي ولأنها لم تكن تملك المال فقد فرضت على مدينة إسبانية أن تدفع المبلغ تحت تهديد شديد بالعقوبة في حالة فشله؛ وهناك شيء آخر وهو أن ازابيلا لم يكن عندها المال لكي تمول كولومبوس فصادف ذلك الوقت أن سفن الصيد تابعة لمدينة اسبانية خالفت اتفاقا بين اسبانيا والبرتغال يقتضي أن لا تعبر سفن اسبانيا جنوب خط "بوجدور"، وعبرت تلك السفن ذلك الخط ،وسبب ذلك حرجا ومشاكل مع البرتغاليين؛  فغرمت الملكة هذه المدينة التي تتبع لها السفن بغرامة مليوني مرابطي، وأنهم لابد أن يدفعوا هذا المبلغ لكولومبوس؛ لكن يمكنهم فعل ذلك من خلال مساعدته في بناء السفن التي سيذهب بها إلى أمريكا لأن المدينة لم يكن لديها المال؛ فلجأت إلى الكنيسة لتقرضها المال، والكنيسة طلبت من البابا أن يعطيها إذنا لتصدر صكوك غفران يتم بيعها للجمهور لجمع هذا المبلغ، ووافق البابا على هذا الأمر، وهنا نرى هذا الترابط بين الكنيسة والبابا وحملة كولومبوس وبين المشاريع والترتيبات الاستعمارية التي كان الاسبان والبرتغاليون قد قسموا بموجبها السيطرة على بحر المحيط الأطلسي.

اعترضت تلك الحملة مشكلة أخرى وهي قلة البحارة المستعدين للمغامرة برحلة تبتعد فيها السفن عن الساحل بدرجة لا تظل معها مرئية وتم اللجوء إلى مجرمين وأطلق سراحهم مقابل المشاركة في تلك المغامرة وهذه المعلومات مصدرها كتاب "إزابيلا المرأة المحاربة" للمؤلفة اكريستين دوني.

وجد كولومبوس في معظم جزر  الكاريبي (التي اكتشفها) قبائل من الهنود استقبلوه هو والعصابة المرافقة له بسلمية وترحاب ووفروا له الطعام ومع ذلك لم يستطع أن يرد لهم الجميل بغير فكرة واحدة وهي كيف يستعبد سكانهم وقد تمكن من أسر جماعة منهم في رحلته الأولى وأخذهم معه إلى أوروبا حيث عرضوا على الجمهور في لشبونة وبرشلونة وغيرهم من أوروبا ضمن ما جلبته الحملة من حيوانات وفواكه عجيبة وغريبة لم يرها الأوروبيون من قبل وكانت ردة فعل المناطق التي وصلوا إليها أنهم بدؤوا بالمقاومة وقتال كولومبوس ورفاقه وقتلوا منهم الكثير من البحارة.

افاسكو ديغاما

 أما بالنسبة لديغاما فهو يقدم في المقررات المدرسية على أنه بطل،  والقصة الرئيسية التي يتحدث عنها الغرب هي إنجازه حين تمكن من اكتشاف "رأس الرجاء الصالح"، وتمكنه من الوصول إلى الهند وكان ديغاما في رحلته كلما وصل إلى مكان يجد فيه مسلمين ويجد لديهم حرية في التجارة والبحارة ويلاحظ أنهم محترمون حتى في المناطق التي لا يشكلون فيها أغلبية او لا يحكمونها، وكان هذا يسبب له حنقا شديدا أدى به إلى ارتكاب فظائع بحق المسلمين؛ وتذكر تلك الفظائع في قصة حياة فاسكو ديغاما باعتبارها حوادث وليس باعتبارها جرائم تبين طبيعة شخصه وأنه مجرد غاز سفاح، وتذكر المصادر على الخصوص حادثتين:

 الأولى هي قرصنته لسفينة حجاج كانت قادمة من الهند إلى مكة، فقد سيطر على تلك السفينة، وكان فيها 400 من الحجاج من بينهم 50  امرأة ومعهم أطفال فسلبهم كل ما عندهم من أموال، وسلب النساء الذهب والحلي، وظن النساء أن ذلك سينجيهم من بطش هذا السفاح لكنه أخذ كل هذه الأموال؛ ويقال إن تلك الأموال كانت تكفي لتحرير كل الأسرى الموجودين لدى مملكة فاس من النصارى، وعندما انتهى السفاح من النهب، قام بإحراق كل هؤلاء الحجاج وابتعد عنهم قليلا ليستمتع بمشاهدة حرقهم.

 وفي الحادثة الثانية، عندما حقق هذا القرصان حلمه في الوصول إلى الهند حين وصل إلى مدينة "كلكتا" في رحلته الثانية، وجد أن الحاكم الهندوسي يعامل المسلمين معاملة جيدة، وأن المسلمين يسيطرون على التجارة فطالب ديغاما الحاكم الهندوسي "زامورين" بإبعاد المسلمين من المدينة، وأرسل الحاكم كبير كهنته للتفاوض مع ديغاما؛ وقال الكاهن لديغاما إن الأمير لا يمكن أن يطرد المسلمين فكان رد القرصان أن قطع شفتي وأذني الكاهن وجعل مكانه أذني كلب وأعاده إلى اميره ثم قصف المدينة بما كان معه من قذائف ومتفجرات في السفن ثم غادر الساحل.

ماجلان

أما فيما يخص ماجيلان، فيمكنني القول إن اللحظة التي أيقظتني للبحث حول حقيقة هؤلاء المستكشفين القراصنة هي زيارة لمتحف مدينة "مالكا" في ماليزيا، حيث وجدتهم يضعون ثلاث تماثيل أحدهم لابن بطوطة، (باعتباره رحالة مسلما أوصل لهم الإسلام بكل سلمية فالإسلام وصل إلى تلك البلاد عن طريق التجار)، والتمثال الثاني كان تمثال ل "لابولابو"، وهو قاتل ماجيلان، ويعتبر بطلا قوميا في ماليزيا، ويعتبر بطلا أساسيا في فيلبين حتى أن صورته جزء من شعار الشرطة في الفيلبين؛  وفي يوم 27 ابريل 2017 أعلن رئيس الفيلبين هذا التاريخ يوما ل"لابولابو"، من اجل أن يتذكروا فيه هذا الرجل باعتباره أول مقاوم للغزو الأوروبي، حيث أن معركة "ماكتان" التي قتل فيها ماجيلان، حدثت في مثل ذلك اليوم سنة 1521؛ إذن ماجيلان هذا الذي يسوق في المقررات المدرسية على انه مستكشف، وقام بدوران حول الكرة الأرضية، يقدم الآن في المقررات بفيلبين وماليزيا على أنه مجرم جاء للغزو، وتسبب في مشاكل كثيرة حيث كان يحرش الإمارات في تلك المنطقة على بعضها.

 ومن أثر إنجازات ماجيلان، استمرار الغزو الإسباني للفيلبين حتى تم تحويلها قهرا من الاسلام إلى النصرانية؛ الفيلبين الآن هي البلد المسيحي الوحيد في شرق آسيا وسط بحر من المسلمين والبوذيين، ومسلمي الفيلبين اليوم يسمون من يعتنق الاسم من الفيلبين "عائدا إلى الإسلام" حيث أن فكرتهم هي أن أجدادهم كانوا مسلمين، وفرض عليهم التنصر وأن من يعتنق الإسلام اليوم إنما هو عائد إلى دين أجداده الذين فرض عليهم ترك الاسلام قهرا.

وقبل أن أختم أقول إن هؤلاء الثلاثة (كولومبوس، ديغاما، ماجيلان) هم من فتحوا الباب لعصر الاستعمار، وعصر احتكار التجارة من طرف القوى التي تسيطر على الطرق البحرية وكل ما يرتبط بذلك من تنكيل وظلم وقع على الشعوب التي كانت أقل قدرة على المقاومة في آسيا وافريقيا بشكل خاص؛ وتجربة امريكا الشمالية والجنوبية هي تجربة فظيعة فآخر الدراسات ترى أن عدد سكانهم كان أكثر من عدد سكان أوروبا، عندما قام الأوروبيون بغزوهما؛ وتقدر نسبة الهالكين من ذلك الغزو والأمراض التي جاء بها ب99% من السكان حيث يقال إن وجه القارة الأمريكية تغير بوجه تام من الناحية البشرية بسبب ذلك الغزو؛ وهذا ملاحظ اليوم من خلال اختفاء اللغات والثقافات الأصلية لتلك المناطق حيث فرض على أغلبهم أن يعتنقوا المسيحية ويتحدثوا لغات أوروبية.

هذه التجربة يمكن مقارنتها مع تجربة وصول الإسلام إلى شرق آسيا حيث انتشر دون أن يتخلص من اللغات المحلية ودون أن يحتاج إلى عمليات إبادة للسكان أو إجبارهم على اعتناق الإسلام؛ يمكن أن نقارن بين الصورتين حتى نصحح فكرة أي الطرفين (المسلمون والمسيحيون) كان يستخدم العنف في تاريخه كوسيلة لنشر دينه.

 

موقع الفكر: برأيكم أستاذنا لماذا تغيب مثل هذه المعلومات رغم وضوحها وخطورتها عن المناهج الدراسية؟ وهل تعرضت الأجيال المسلمة لعملية غسيل مخ؟

 

الأستاذ والباحث أحمد القاري: السبب هو أننا نأخذ تاريخنا من جهة غير محايدة؛ فالتاريخ الغربي لا يمكن أن يؤخذ من مصادر غربية، لأنهم يتعاملون مع تاريخهم بانتقائية، كما تتعامل كل الشعوب مع تاريخها بذلك؛  فيحتفلون بالإنجاز والانتصارات ويهمشون الحوادث التي تشكل لهم إحراجا، ويعتبرون أن كلما أنجزه أبطالهم لفائدة أممهم ويحسبونه بطولة؛ الغزو بالنسبة لهم هو فتح واستكشاف وطبعا هؤلاء الغزاة  فتحوا الأروبيين ليصحبوا أسياد العالم، ويسيطروا على الثروات فلا يمكن للأوربيين ان ينكروا لهم هذا الخير.

 لكن علينا أن نستفيد من السلوك الفيلبيني والماليزي في أن تكون لنا رؤيتنا الخاصة،  خصوصا وأننا تعرضنا للأذى من هؤلاء المستكشفين وتعرضنا لتأثير عصر الاستعمار بشكل شديد جدا، فنحن نحتاج إلى أن نصيغ ما يوجد في مقرراتنا الدراسية وما يتم تداوله في إعلامنا حول ما يدعيه الأوروبيون من منجزات، يجب أن نحتكم إلى حقائق التاريخ، وليس إلى القراءة الغربية المنحازة.

 

موقع الفكر: هل يمكن أن نجري مقارنة حول طريقة تعامل المسلمين مع غيرهم خلال مراحل الفتح الإسلامي، أو طريقة تعامل النصارى مع المسلمين بعد احتلالهم للأندلس؟

 

الأستاذ والباحث أحمد القاري: لا يمكن البتة المقارنة بين سلوك المسلمين وسلوك النصارى في الحروب، اليوم في الأندلس تم القضاء على الوجود الإسلامي بالكامل فلا يوجد الآن من المسلمين في الاندلس إلا الوافدين خلال القرن العشرين وما بعده؛ وإلا فإن ما بقي تم اجتثاثه بالكامل عن طريق مؤسسة رسمية، وهي محاكم التفتيش التي أسست من طرف الكنيسة الكاثولكية، وأعطيت لها صلاحيات أن تفتش في عقائد الناس وبيوتهم وأنسابهم، لتتأكد أنهم كاثولكيون وليس عندهم أي سلوك إسلامي؛ هذه المؤسسة أثرت في اسبانيا تأثيرا عميقا ويشاهده كل من يزور اسباينا اليوم، ويرى فخذ الخنزير معلقة في كل مكان وهذا أصبح جزء من التراث الإسباني لأن الناس اضطروا في زمن ما أن يحملوا معهم لحم الخنزير أو يعلقوه في بيوتهم ليثبتوا أنهم ليسو مسلمين.

 محاربة الإسلام في تلك المنطقة وصلت درجة كان بالإمكان فيها أن يعدم شخص مسلم لمجرد اكتشاف أنه يقوم بالاستحمام للجمعة أو يظهر الفرح بعيد من أعياد المسلمين؛ في تلك المنطقة أيضا تم منع اللغة العربية والقضاء عليها، رغم أن أغلبية السكان كانت تتحدث بها، وكانت اللغة الاسبانية تكتب بحروف عربية لزمن طويل؛  ومن الأمور العجيبة أن النصارى لما دخلوا لشبونة بعد انتزاعها من المسلمين كان اول ما بدؤوا به هو أنهم ذبحوا أسطوف المدينة المسيحي.

خلاصة القول بكل بساطة إنه لا يمكن المقارنة فلا يوجد في تاريخ المسلمين أي حالة إبادة رسمية ومنظمة تستهدف فئة او دينا معينا من أجل القضاء عليه.