التجديد يشمل كيان الإنسان كله:
والتجديد للدين ليس فكرياً فحسب، كما هو مفهوم الكثيرين، عندما يذكرون التجديد ويتحدثون عنه، فلا يكاد يدور بخلدهم إلا تجديد الاجتهاد، وايقاظ العقل المسلم لمواجهة تطوارت الحياة. ولا ريب في أن تجديد الفكر، وإحياء الاجتهاد، وتصحيح الفهم، يأتي في طليعة التجديد المنشود، فإن العلم يسبق العمل، والفكرة تسبق الحركة. وحسبنا أن الله بدأ وحيه لرسوله صلى الله عليه وسلم بآية: {اقرأ) والقراءة هي مفتاح العلم والفكر والتأمل.
ولكن الإنسان ليس عقلاً فقط، بل هو عقل وقلب، وجسم وروح، فلا بد للتجديد أن يشمل كيان الإنسان كله، وهو ما رعاه الإسلام أعظم رعاية، فأعطى لكلّ منها حقه .لهذا كان وجوب العناية بالضمير والوازع الأخلاقي إلى جوار التجديد العقلي، أمراً لابد منه.
تجديد عمر بن عبد العزيز في ميدان الحكم:
وقد اتفق العلماء الذين عنوا بتحديد أسماء المجدّدين في تاريخ الإسلام، على أن عمر بن عبد العزيز هو مجدد المائة الأولى (ت101ه) على رغم قصر مدة خلافته، فلم تزد على ثلاثين شهراً. وتجديد عمر لم يكن في الجانب الفكري، أو العلمي – كتجديد الشافعي في أرس المائة الثانية أو تجديد الغزالي في المائة الخامسة – بل كان تجديدُه في ميدان العمل والحكم، حيث أبطل تقاليد الجور، وأحيا سنن العدل ،وأزال المظالم، ورد الحقوق إلى أهلها، ورفض مطالب الطامعين من أهله، وأشاع جو التقوى لله، والخشية منه، والرغبة فيما عنده، ولهذا اعتبروه خامس الراشدين.
فعل ذلك كله بلا ادّعاء ولا تظاهر ولا تفاخر، بل كان يناجي ربه ارجياً خائفاً، فيقول: اللهم إن عمر ليس أهلاً أن ينال رحمتك، ولكن رحمتك أهل أن تنال عمر!![1]. وقال له مرة أحد الناس بعد موقف من مواقفه المحمودة: جزاك الله عن الإسلام خيراً يا أمير المؤمنين، فقال: بل جزى الله الإسلام عني خيراً!!2. فرد الحق لأهله، ووضع الأمر في نصابه، فالإسلام هو الذي صنع عمر وليس عمر الذي صنع الإسلام.
[1]-رواه ابن عساكر في تاريخه) 45/224(.
2 - رواه الإمام أحمد في الزهد صد 297 نشر دار الكتب العلمية – بيروت.