فهذا هو التصوُّف الذي نريد: تصوُّف التربية والأخلاق القرآنية والنبوية، التصوف الذي يغذّي الإيمان، ويرقّق القلوب، ويحرّك الدوافع، ويشحذ الإرادة، ويهذّب النفس، ويقوّي السلوك الخيّر للإنسان، في ضوء الكتاب والسنة، وهدي السلف الصالح، فهو الذي نحرص عليه، وندعو إليه، وهو الذي يقوم بمهمة (التزكية) التي أشار إليها القرآن في معالم الرسالة المحمدية: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأمِيِينَ رَسُولا
مِنْهُمْ يتَلْوُ عَليْهِمْ آياَتِهِ وَيزَ كِيهِمْ }[الجمعة:2]. وهو (مقام الإحسان) الذي جاء في حديث جبريل المشهور، وعرفه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله: "الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" .
التصوف السلبي المرفوض:
أما إذا كان التصوف سلبية كالتي عبر عنها بعضدهم بقوده: دع الخلق للخالق، واترك الملك للمالك! يريدد تعطيل الأمدر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو مرفوض، ومثل ذلك قولهم: أقام العباد فيما أ ارد! فهو كلام حق يراد به باطل!
وإذا كان التصوُّف إلغاء شخصية المريد أمام شيخه، كما قالوا: من قال لشيخه: لم؟ لم يفلح! وقالوا: المريد بين يدي الشيخ كالميت بين يدي الغاسل! فهو كذلك مرفوض.
وإذا كان التصوُّف تفرقة بين الحقيقة والشريعة، كالذين قالوا: من نظر إلى الخلق بعين الشريعة مقتهم، ومن نظر إليهم بعين الحقيقة عذرهم! فلسنا منه في شيء.
وإذا كان التصوُّف كهانة وتجارة بالدين لدى العوام، الذين يقادون بالأساطير والمبالغات، وتصنع لهم التمائم والأحجية والتعاويذ، الحافلة بالتهاويل، وتقدّم لهم الثقافة المنوّمة للعقول، المخدّرة للعزائم، فهو باطل نبرأ منه.