9. تجديد الدين من داخله والاجتهاد من أهله في محله:
تجديد الدين من داخله: تجديددُ الفهم له، وتجديدُ الإيمان به، وتجديدُ العمل به، وتجديدُ الدعوة إليه. تجديدُ العقول والأفكار، وتجديدُ القلوب والعواطف، وتجديدُ الإردات والعزائم ،وقد بين لنا رسولنا الكريم في حديثه شرعية التجديد للدين حين قال: "إن الله يبعث لهذه الأمة على أرس كل مائة سنة من يجدّد لها دينها"2. والتجديدد الحق يشمل جانب العلم والفكر، كما يشمل جانب العمل والسلوك.
وأبرز معالم تجديد الدين الفكري هو: إحياء مبدأ الاجتهاد الذي لا تحيا الشريعة إلا به، سواء كان اجتهاداً إنشائياً أم انتقائياً، كلياً أم جزئياً، فردياً أم جماعياً. على أن يكون الاجتهاد من أهله: الذين استجمعوا شرائطه المعروفة، العلمية والأخلاقية، وفي محله: أي في غير القطعيات، التي تجسّد وحدة الأمة العقدية والفكرية والشعورية والعملية، وهي قليلة جداً، ولكنها مهمة جدداً؛ لأنها تُمثل (الثوابت)التي لا يجوز اختراقها بحال.
إ ن شعار الوسطية يدعو إلى تجديد منضبط، وإلى اجتهاد معاصر قويم، واضح الأهداف، بين المناهج، يرفض موقف الذين يغلقون باب الاجتهاد، ويوجبون التقليد على كل العلماء، وموقف الذين يفتحون أبوابه لكلّ من هب ودب، بلا قيود ولا ضوابط. أولئك الذين سخر منهم الأديب الرافعي بأنهم يريدون أن يجددوا الدين واللغة والشمس والقمر!!3
10. الدعوة إلى فقه جديد:
ولكي يتم التجديد للدين حقاً – كما أشار إليه الحديث النبوي – لابد من تأكيد الدعوة إلى تجديد (الفقه القرآني والنبوي)، وهو فقه في الكون، وفقه في الدين.
ففي فقه الكون قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أنْشَأكُمْ مِنْ نفْسٍ وَاحِدةٍ فمُسْتقَرٌّ وَمُسْتوْدعٌ
قَدْ فَصَّلْناَ الاْياَتِ لِقَوْمٍ يفْقَهُونَ} [الأنعام:98]. وفي فقه الدين قال تعالى: { فلَوْلا نفَرَ
مِنْ كُلِ فِرْقةٍ مِنْهُمْ طَائفِة لِيتَفَقَهُّوا فِي الدِينِ وَلِينُذِرُوا قَووْمَهُمْ إِذاَ رَجَعوُوا إليْهِمْ لَعلَهُّمْ يَحْذرَو نَ} [التوبة:122]، وقال صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين"1.