طبقت شهرة الشيخ سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي الآفاق، ورقت به مراقي السعود درجات العلو في أنحاء العالم الإسلامي، وكلما مضى طبق من شهرته بدا طبق، وكلما انثنى جيل مثنيا عليه، عاد جيل آخر يجدد الثناء للرجل الموسوعي، الذي ولد بين جبال تكانت، وظل يسمو في القمم ويرقى في الدرجات، حتى أصبح علما على الإتقان وغدا اسمه علامة مسجلة للفضل والتقوى وحسن التأليف وعمق المعرفة.
ولد الشيخ سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم في مدينة تجكجه التي يعربها المؤرخ الكبير أحمد ولد ممون في كتابه عون العليم في معرفة ابن الحاج ابراهيم باسم "عيون البقر"
ويمكن اعتبار الشيخ سيدي عبد الله أحد أهم وأفضل أعلام الجيل الثالث من سكان هذه المدينة التي أسسها العالم والولي الصالح محنض (محمد) أحمد بن ينداحمد بن يعقوب العلوي، والذي هاجر بقومه إلى وادي تكججة وهو أعمى ضرير محمول على الأعناق، وذلك فرارا من الحرب الدموية التي دارت رحاها ثلاثين سنة بين فرعي المجموعة العلوية البيظ والكحل في شنقيط.
وفي تجكجة ولد سيدي عبد الله في حدود 1152 هجرية، وهو ما أثبته صاحب الوسيط، ونظمه أيضا نجل الشيخ في تأريخه لميلاد ووفاة والده سيدي عبد الله.
وكان والده الحاج إبراهيم عالما جليلا وإماما في الورع والزهد، آخذا نفسه بالعزائم من تقشف وإقبال على الله، وقد توفي وابنه صبي صغير، فكفلته أمه مريم غل بنت عبد الله القلاوية، وتواترت المصادر على كرم نجارها ورجاحة عقلها ودورها المؤثر في تربية ابنها سيدي عبد الله وذلك بعون من أخيها العالم الورعي الثري أحمد بن عبد الله القلاوي الذي ارتحل إلى أخته بما معه من ثروة وجاه وعلم وأقام معها في الحي العلوي بتجكجه، وعليه درس ابن أخته سيدي عبد الله مبادئ ومعاقد مهمة من العلوم.
وفي محيطه القريب درس سيدي عبد الله أيضا على العالم الجليل عمار بن الحاج، وعلى الشيخ الطالب بن بوكسه العلويان، ويستغرب ابن مامون في ترجمته المستوعبة للشيخ سيدي عبد الله أن يكون قد درس على والده ويذكر أن الحاج إبراهيم دفن في مصر في رحلته للحج، وأقيمت عليه هنالك قبة لما رأى الناس من صلاحه وفضله.
وقد انتقل سيدي عبد الله وهو في سن البلوغ إلى منطقة الكبلة متنقلا بين الشيخين الجليلين المختار بن بونه الجكني وسيدي عبد الله بن الفاظل الباركي، وعليهما أخذ علما جما ومعرفة واسعة، وأعجبتهما منه قريحة غير قريحة وذكاء غير كاب، وذهن متوقد، وعارضة قوية في الأخذ والاستيعاب، وقلم متوهج في النظم والتقييد.
وقد كان رفيقه في هذه الرحلة ابن عمه حرمه بن عبد الجليل، وقد درسا في محظرتي ابن بونه وسيدي عبد الله بن الفاظل مختلف الفنون الفقهية واللغوية والأصولية وامتازت المدرستان بأنهما مدرستا علم ونظر ونقاش ومذاكرة دائمة، وكان الرجلان من أعمدة المحظرتين ومن أكثر تلاميذهما شهرة.
وبعد أن أكمل المعارف الواسعة في المحظرتين قرر الرجل السفر نحو المغرب وافدا على مدارسها العلمية وخزانات مكتباتها العامرة، في ظل سلطانها العالم الشهير سيدي محمد بن عبد الله، وقد كتب الشيخ سيدي عبد الله إلى أهل تجكجه رسالة مطولة يتحدث فيها عن المغرب وعن حواضره الثقافية والحياة العلمية بشكل عام في تلك البلاد.
وقد استفاد سيدي عبد الله في المغرب علما جما ومكتبة وافرة، وعلاقات قوية مع السلطان سيدي محمد بن عبد الله الذي مكن الفقيه العلوي من أسباب الحج، ونقله في باخرة تمخر به عباب البحر الأبيض المتوسط إلى مصر، وهنالك فتح صفحة علمية أخرى في لقاءاته وعلاقاته مع علماء الأزهر الشريف، وقد ذاع صيته هنالك حتى أهداه حاكم مصر محمد علي باشا فرسا من عتاق الخيل المعروفة يومها باكحيلات مصر، فباعها واشترى بثمنها شرح الإمام الحطاب على مختصر الشيخ خليل، وقال عبارته الشهيرة جعلتها حطابا.
وبعد رحلته العلمية التي استمرت قرابة عشرين سنة عاد الرجل إلى أسرته
تلاميذ الشيخ سيدي عبد الله.. قادة العلم وزعماء المجتمع
درس على الشيخ سيدي عبد الله بن الحاج ابراهيم جم غفير من التلاميذ وتصدر عليه عدد كبير من العلماء منهم على سبيل المثال:
الشيخ الطالب بن حنكوش العلوي
الشيخ عبد الرحمن بن اطويلب العلوي
الشيخ محمد الحافظ
الشيخ محمد بن محم عاشور العلوي
الشيخ سيدي بن مولود العلوي
الشيخ السالك بن عمار العلوي
الشيخ الإمام محمد الحافظ بن المختار العلوي
الشيخ سيدي ابراهيم بن الطالب عبد الرحمن العلوي
الشيخ عبد القادر بن سيدي بن الحاج
الشيخ أحمد بن الطالب محمد
سيدي أحمد بن الإمام بن الحاج إبراهيم
المرابط عبد الله بن سيدي محمود الحاجي
العلامة الطالب أحمد بن اطوير الجنه الحاجي
الفقيه تقي بن اطوير الجنة الحاجي
الشيخ محمد محمود بن إطوير الجنة الحاجي
العلامة سيدي المختار بن سيدي أحمد بن سيدي الهادي الجكني وأخوته
الفقيه سيدي أحمد بن باب بن أحمد الجكني
الفقيه الحبيب بن محمد بن الحاج الجكني
الفقيه السالك بن أحمد مولود الجكني
الفقيه سيدي أحمد بن الحبيب الجكني
العلامة المختار بن الطالب أعبيدي الجكني
الشيخ سيدي أحمد بن الحبيب بن المختار الجكني
العلامة سيدي محمد بن محمد الحبيب المسومي
العلامة محمد المصطفى بن سيدي عبد الرحمن المسومي
العالم والقاضي المؤرخ صالح بن عبد الوهاب الناصري
العلامة سيدي أحمد بن اعل الداودي العلوشي
محمذن بن سيدي الديماني
وغيرهم كثير من مختلف قبائل وأعراف البلاد، وإلى جانب هؤلاء فقد تسلسل العلم والفتوى والإقراء والسيادة في أبناء الشيخ سيدي عبد الله وأحفاده من بعده، وما زال العلم طلبا وبذلا سنة خالدة وسبيلا لاحبا بين أجيال هذه الأسرة التي عرفت بالعلم والورع، والزعامة وتركتها كلمة باقية في عقبها إلى يوم الدين
وقد ترك الشيخ سيدي عبد الله مؤلفات خالدة بالغة الأهمية منها على سبيل المثال
مراقي السعودوشرحه “نشر البنود
نظم “طلعة الأنوار” وشرحه هدى الأبرار
نظم غرة الصباح” وشرحه نيل النجاح
نور الأقاح وشرحه “فيض الفتاح
روضة النسرين” وشرحه يسر الناظرين
طرد الضوال والهمل عن الكروع في حياض مسائل العمل
نظم في القراءات الثلاث
نظم “مكفرات الذنوب” وشرحه،
“صحيحة النقل في علوية ايدوعل وبكرية محمد قل
تحرير المقالة في تحريم ونكالة”،
و”مطية النجح لسامع النصح
وعدد كبير من الفتاوى
وقد تحولت بعض مؤلفاته إلى متون عالمية عابرة للقرون والثقافات والشعوب مثل كتابه مراقي السعود الذي أصبح مقررا علميا للأصول في مختلف المحاضن والحواضر العلمية
مكانته العلمية وثناء العلماء عليه
عرف العلماء للشيخ سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم مكانته العلمية وقدره وفضله، وتباروا في الثناء عليه وعلى مؤلفاته، ومن تلك الشهادات ما كتبه العالم الجليل محمد فال اباه بن عبد الله متحدثا عن كتاب نشر البنود "“إن كتاب نشر البنود على مراقي السعود للعلامة المحدث الأصولي مجدد عصره ورائد مصره سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم رحمه الله تعالى من أجل وأنفع ما خدم به فن أصول الفقه عموما وأصول المذهب المالكي على وجه الخصوص لما جمع من جودة التخليص والتلخيص في النظم ومن بسط العبارة والتحرير في الشرح على غير العادة الأغلبية للمؤلفين في شروح متونهم العلمية، ومع أن المؤلف رحمه الله ذكر في مقدمة نظمه أنه وضعه لجمع أصول المذهب المالكي لانفراده في الصقع المغربي ـ وإن كان محاذيا في ترتيب أبوابه لكتاب جمع الجوامع للإمام السبكي الشافعي المذهب ـ فقد تلقته الأمة بالقبول في المشرق والمغرب، وتلقفه طلبة العلم من المالكية وغيرهم، فكان النظم متنهم المعتمد، والشرح مرجعهم المستمد، وقد اطلعنا على نسخة من هذا الشرح عليها خط المؤلف في إجازة منه للعلامة المحقق أحمد سالم بن الإمام الحاجي الوداني رحمه الله، في النظم وشرحه مؤرخة بعام 1226هـ، أي قبل وفاة المؤلف بسبع سنين، وفي رحلة المُجاز المذكور إلى الحج مر بفاس فلقي عالمها في زمنه بلا مدافع الشيخ حمدون بن الحاج رحمه الله فأوقفه على نسخته من الكتاب التي عليها خط المؤلف فقرظه حمدون بأبيات مرسومة على ظهر النسخة المذكورة وهي من مشطور الرجز:
هذي أصول علوية علت أصلا وفي سوق ذوي العلم علت
عن غُرر من الجوامع جلت ومن سوى ما يُعتنى به خلت
بل لم تكن إلا فرائد اجتلت في نحر طالب وفي النفس حلت
عُرُبُ أبكار بها تدللت قطوف أفكار بها تذللت
أحكمت آياته ثم فصلت.
وأوردها ابنه العلامة المحقق الطالب بن حمدون رحمه الله في كتابه: “الأزهار الطيبة النشر فيما يتعلق ببعض العلوم من المبادئ العشر” في سياق حديثه عن جمع الجوامع وشروحه وأنظامه..”.
أما العالم الجليل باب بن أحمد بيب العلوي فيقول في الثناء على سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم:
والشيخ عبد الله نجل إبرا هيم أجل العلماء قدرا
عام ثلاث وثلاثين سنه القبة الزهراء صارت مدفنه
أحيا علوم الشرع حتى ظهرت وأهلك البدعة حتى دثرت
طود علوم ما له نظير يزول وهو لم يزل ثبير
قد كاد أن يوصف بالترجيح لعلمه وفهمه الصحيح
وهو الإمام الحجة العريف له الفتاوى وله التصنيف
علم الحديث فيه لا يبارى كأنما نشأ في بخارى.
وما زال تراث سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم موضوع بحث دائم وعمل ثقافي مستمر، وقد كثرت الشروح على كتبه، وخصوصا مراقي السعود الذي شرحه عدد من العلماء الموريتاني والمغاربة، واعتمدته المدارس العلمية في موريتانيا والخليج ومصر وشرق آسيا متنا ثابتا في أصول الفقه، وقد حقق الكثير من كتبه، وكانت مواضيع لرسائل جامعية في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.