كتب الدكتور المرسي محمود شولح لموقع الفكر
بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
في وقوع الحجر وسده فم الغار مصلحة للناس في كل زمان ومكان .
وسبحان من أطلع حبيبه e على ذلك : ﴿ تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ ([1]).
( وفيه الإخبار عما جرى للأمم الماضية ليعتبر السامعون بأعمالهم فيعمل بحسنها ويترك قبيحها) ([2]).
لقد خرج الرهط يرتادون لأهليهم ، فدخلوا هذا الغار فسقط على الغار صخرة من الجبل سدت فم الغار ، و هذا الحجر قد هبط من خشية الله ليغلق عليهم ، ولكي تأخذ البشرية درساً عظيماً في التوسل إلى الله تعالى بصالح العمل وقت الكرب حين يضيع الأمل عند البشر .
واجتمعت الأسباب لدخول الرهط للغار فقد أووا إليه بأرجلهم ، ودخلوه بأنفسهم ، واختاروا المبيت فيه .
في رواية سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه : "حتى أووا المبيت إلى غار" كذا للمصنف ، ولمسلم من هذا الوجه : "حتى أواهم المبيت " وهو أشهر في الاستعمال ، والمبيت في هذه الرواية منصوب على المفعولية ، وتوجيهه أن دخول الغار من فعلهم ، فحسن أن ينسب الإيواء إليهم ([3]).
فلم يكن دخولهم الغار وهو المكان الذي جرى فيه الاختبار ، وحصلت فيه المحنة ، بفعل غيرهم ، أو بعمل غيرهم ، إنما كان بفعلهم ، وعملهم
ففي رواية : " فقال بعضهم لبعض : لو دخلنا هذا الكهف" ([4]).
فالفكرة لدخول الكهف نابعة منهم ، وتوافقوا عليها، ولم يختلفوا حولها .
Å المطــر :
في إحدى روايات الحديث أن المطر كان داعياً إلى دخولهم الغار ، ففي رواية : " ألجأهم المطر للغار " .
فكان المطر من الأسباب الداعية إلى تكوين المحنة ، وتشكيل صورتها العامة ، فلو لم يكن مطر ما دخلوا الغار ، و استمروا في رحلتهم ، فقد كان نزوله في وقت بعينه داعياً إلى دخول الغار .
وبهذا تشترك الآيات الكونية لتكون سبباً في تشكيل الصورة العامة للمحنة ، والتي يترتب عليها الدروس والفوائد .
Å وقوع الحجر من الجبل :
من توافق الأسباب وقوع الحجر من الجبل ، فلم يكن وقوعه صدفة ، أو عبثاً , إنما كان وقوعه بأمر الله تعالى .
زاد الطبراني من حديث بن النعمان بن بشير : " إذ وقع حجر من الجبل مما يهبط من خشية الله حتى سد فم الغار " .
عَنْ أَنَسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « أَنَّ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ فِيمَا سَلَفَ مِنَ النَّاسِ ، انْطَلَقُوا يَرْتَادُونَ لِأَهْلِهِمْ ، فَأَخَذَتْهُمْ السَّمَاءُ ، فَدَخَلُوا غَارًا ، فَسَقَطَ عَلَيْهِمْ حَجَرٌ مُتَجَافٍ حَتَّى مَا يَرَوْنَ مِنْهُ حُصَاصَةً ) ([5]).
فمن الدلائل في ذلك :
- استسلام الحجر لأمر الله تعالى وخضوعه لحكمته ، فقد كان هابطاً من خشية الله ، وكاشفاً استسلام الكون بأسره لحكم الله تعالى .
- وقوع الحجر في وقت بعينه ، فلم ينـزل الحجر قبل دخولهم الغار ويسد فمه ، وبالضرورة لا يدخلونه لعدم وجود مدخل إليه ، وإنما كان وقوعه وهم موجودون فيه ، فتزامن وقوع الحجر مع وجودهم فيه ليتحقق مراد الله تعالى .
- إرادة الله تعالى فوق كل إرادة ، فما كانوا يرون خصاصة في سقوط الحجر، وما كانوا يتصورون وجود محنة بسبب وقوعه ، ولكن إرادة الله فوق كل شيء ، وحكمة الله تعالى تجعل من حبسهم في الغار مصالح وفوائد للأمة .
Å سد الصخرة فم الغار :
لم يكن الأمر في الصخرة في مجرد هبوطها ، فقد تهبط ولا تحدث مشكلة ، ولا يترتب عليها كبير شأن ، وقد تهبط على الغار ولا تسد شيئاً منه ، أو تسد بعضاً يسمح لهم بالخروج ، وإنما كان الأمر في الصخرة في هبوطها وسدها فم الغار .
قوله ( فانطبق عليهم ) أي باب الغار، وفى رواية موسى بن عقبة عن نافع في المزارعة فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فانطبقت عليهم . وفى الأدب بلفظ " فانطبقت عليهم" وفيه حذف المفعول والتقدير نفسها أو المنفذ ، ويؤيده أن في رواية سالم : " فدخلوه ، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار" ([6]).
فمقصود أن تنـزل الصخرة وأن تسد فم الغار ، وأن تنطبق عليهم تماماً، و لا تسمح لهم بالخروج ، وذلك لتحقيق مراد الله تعالى
([1]) سورة هود آية : 49 .
([2]) فتح الباري بشرح صحيح البخاري 6/590، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني .
([3])فتح الباري بشرح صحيح البخاري 6 / 585 أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني .
([4]) مستخرج أبي عوانة .
([5]) مسند أحمد بن حنبل ، رقم الحديث ( 12221 ) ، قال الهيثمى في المجمع 8 / 143 : رواه أحمد وأبو يعلى ، وكلاهما رجاله رجال الصحيح
([6]) فتح الباري بشرح صحيح البخاري 6 / 585 أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني .