تواجه الدول الهشة في أفريقيا وغيرها تحديات ضخمة بسبب تغير المناخ، الذي يضر الجانبيْن الاقتصادي والسياسي، في الوقت الذي تؤدي فيه الصراعات المسلحة إلى عرقلة إدارة مخاطر هذه الأزمة.
وتعاني الدول الأفريقية -من جمهورية أفريقيا الوسطى إلى الصومال والسودان- الفيضانات والجفاف والعواصف والصدمات المرتبطة بالمناخ أكثر من البلدان الأخرى، ما يثقل كاهلها بأعباء تفوق قدراتها المنهكة بسبب الصراعات.
وبحسب تقرير حديث -حصلت وحدة أبحاث الطاقة على نسخة منه- يتأثر سكان الدول الهشة بكوارث تغير المناخ أكثر من غيرهم في البلدان الأخرى ثلاث مرات على الأقل.
وتضم البلدان الهشة والمتأثرة بالصراعات ما يقرب من مليار شخص و43% من فقراء العالم، وفقًا لتقرير صادر عن صندوق النقد الدولي، الأربعاء 30 أغسطس/آب 2023.
ومن المقرر اجتماع زعماء القارة الأفريقية في كينيا لحضور قمة المناخ الأفريقية الأسبوع المقبل (4-6 سبتمبر/أيلول 2023)، وسط آمال معلقة على وصولهم إلى حلول تدعم الدول الهشة في مواجهة تحديات تغير المناخ المتفاقمة.
الكوارث تتسبّب في معدلات نزوح عالية
تؤدي كوارث تغير المناخ في الدول الهشة إلى معدلات عالية لنزوح السكان تتجاوز ضعف نسبة النازحين من الكوارث في البلدان الأخرى.
وتُعد الدول الهشة -للمفارقة- من أقل الدول إسهامًا في الأسباب المؤدية إلى تغير المناخ عالميًا، إذ تُعد الدول الصناعية والمتقدمة المسؤولة تاريخيًا عن الانبعاثات الكربونية، لا سيما أميركا وأوروبا والصين والهند.
وتتعرّض الدول الهشة لدرجات حرارة أعلى من البلدان الأخرى، بسبب موقعها الجغرافي في مناطق حارة بطبيعتها مثل أفريقيا، ما يزيد من قابليتها للتأثر بالكوارث الطبيعية بصورة أكبر.
وتشير التوقعات المستقبلية إلى أن الدول الأكثر ضعفًا قد تواجه درجات حرارة فوق 35 درجة مئوية لمدة 61 يومًا سنويًا بحلول عام 2040، ما يزيد 4 مرات على الموجات الحرارية المتوقعة في البلدان الأخرى، وفقًا لتقرير صندوق النقد الدولي.
وتؤدي درجات الحرارة الشديدة -إلى جانب الظواهر الجوية الحادة التي تصاحبها- إلى تعرُّض صحة الإنسان للخطر وتضرر الإنتاجية والوظائف في القطاعات الرئيسة مثل الزراعة والبناء.
خسائر الناتج المحلي الإجمالي 4%
توصل صندوق النقد إلى أدلة تؤكد أن تغير المناخ يفرض تكاليف أطول على الاقتصاد الكلي في الدول الهشة، إذ تصل الخسائر التراكمية في الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول إلى 4%، بعد 3 سنوات من الأحداث المناخية القاسية.
وتزيد هذه الخسائر الكلية بنسبة 3% عن البلدان الأخرى التي لا يتضرر ناتجها الإجمالي من الأحداث المناخية بأكثر من 1%، وفقًا لنتائج تفصيلية رصدتها وحدة أبحاث الطاقة من تقرير الصندوق.
كما يتوقع أن يؤدي الجفاف في الدول الهشة إلى خفض نمو نصيب الفرد من الناتج الإجمالي بنسبة 0.2% سنويًا، ما يعني أن متوسط الدخل في هذه الدول سيهبط بصورة أكبر من البلدان الأخرى.
ولا يرجع التأثير الأكثر ضررًا للأحداث المناخية في الدول الهشة إلى موقعها الجغرافي في الأجزاء الأكثر سخونة على الكوب فحسب، وإنما يرجع -أيضًا- إلى الصراعات، والاعتماد على الزراعة البعلية (المعتمدة على الأمطار)، إلى جانب ضعف القدرة على إدارة المخاطر.
الصراعات المسلحة أحد الأسباب
تقوّض الصراعات من قدرة الدول الهشة على إدارة مخاطر المناخ، كما هو الحال في الصومال، على سبيل المثال، إذ تُعد من المناطق الأكثر تضررًا من انعدام الأمن الغذائي والجوع بسبب الجفاف الذي طال أمده بين عامي 2021-2022، تحت سيطرة الجماعات المسلحة التي عرقلت وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة.
وعادة ما تؤدي الصدمات المناخية إلى تفاقم أوجه الهشاشة في البلدان الضعيفة مثل الصراعات والجوع، ما يؤثر في الاقتصاد وضروريات البشر بصورة أساسية.
ويرجح سيناريو الانبعاثات المرتفعة لصندوق النقد الدولي زيادة معدل الوفيات الناجمة عن الصراعات بنسبة 10% من السكان في الدول الهشة بحلول عام 2060، وذلك على افتراض تساوي جميع العوامل الأخرى.
كما يمكن لتغير المناخ أن يدفع 50 مليون شخص إضافي في الدول الهشة إلى براثن الجوع بحلول عام 2060، وفقًا لتقديرات الصندوق التي رصدتها وحدة أبحاث الطاقة.
الزراعة البعلية مهددة من المناخ
تمتد أضرار تغير المناخ المتوقعة إلى نمط الزراعة البعلية المعتمدة على الأمطار بصورة أساسية، التي تمثل 25% من الناتج الاقتصادي في الدول الهشة، في حين لا تمثل الزراعة المروية عبر قنوات المياه والخزانات أكثر من 3% من إجمالي المساحات المزروعة في هذه البلدان.
وتبدو المزارع البعلية من أكبر القطاعات المعرضة لأضرار موجات الجفاف والفيضانات بصورة أساسية، مع ضعف البنية التحتية للري في الدول الهشة، ما يعرّضها للانهيار أو لأضرار جسيمة بسبب الصراعات.
وتعرّضت دولة مالي -على سبيل المثال- إلى فيضانات على طول نهر النيجر، بسبب فرار المزارعين من القتال وتدهور قنوات الصرف الصحي، كما تقلص مشروع ري الجزيرة في السودان إلى النصف -كان يغطي 8 آلاف كيلومتر من الأراضي الزراعية الخصبة- بسبب سوء الصيانة.
وتعاني أغلب الدول الهشة ضعف القدرات المالية التي تمكنها من التغلب على الأحداث المناخية التي تحتاج إلى تمويلات تتجاوز قدرة تحمل هذه البلدان بمفردها.
لهذا السبب، دعا صندوق النقد الدولي الدول الكبرى وشركات التنمية الدولية إلى ضرورة مساندة الدول الهشة عبر التمويل الميسر أو المساعدة في تنمية قدراتها لتجنب تفاقم الجوع والصراعات المؤدية إلى النزوح والهجرة.
نقلا عن محظة الطاقة