الخبير التربوي محمدن التمين لموقع الفكر/ إصلاح 1999 تم التحضير له خارجيا ضمن اتفاقية مع فرنسا تشمل توقف الرئيس معاوية عن متابعة برنامجه التعريبي

في إطار مواكبة موقع الفكر لمجريات الساحة الوطنية، وسعيا منه إلى إطلاع المتابعين الكرام على تفاصيل الأحداث، بتحليل متوازن، ونقاش متبصر، نلتقي اليوم مع أحد أبرز أطر التعليم بالبلد، ممن خبروا دروب التعليم وعايشوا تحدياتها في حقبه المختلفة.

نتابع معه اليوم لنستجلي من خلاله ما وراء الخبر... في لقاء شامل حول واقع التعليم وآفاق إصلاحه، وتقويم الإصلاحات المتتالية للتعليم، فأهلا وسهلا بضيفنا الكر يم محمدن بن التمين،مفتش تعليم أساسي،خبير محلف لدى المحاكم في مجال التربية، عمل

في قطاع التعليم لمدة 35 سنة، على التوالي: من مدير مدرسة، إلى مفتش جهوي، إلى مدير مساعد للتعليم الأساسي، ثم مديرا لمدرسة تكوين المعلمين، ثم مديرا جهويا للتعليم، وأخيرا مديرا جهويا للمعهد التربوي الوطني، فيكون بهذا قد عمل في أهم مجالات التعليم؛ فإلى نص المقابلة:

موقع الفكر: ما تقويمكم لواقع التعليم الأساسي في بلادنا؟

الخبير التربوي محمدن التمين: الكل يرى أن التعليم فاشل، وكل يرى سببا لفشله من زاويته، وهذا التصور الحاصل عند المواطنين من أن التعليم فاشل ليس بالأمر الجديد ولم يزل يتنامى في أذهان الناس، وعندما تسألهم عن المعايير التي بنوا عليها هذا التصور، ترى أن المعيار المشترك لديهم والذي لا يكلف الدليل عليه جهدا هو أن خريجي الجامعة لا يمكن لأحدهم كتابة اسمه بطريقة صحيحة، وهذا يكفي مؤشراعلى تدني المستوى؛ وأسباب فشل التعليم متعددة فلا يمكن حصرها في سبب واحد ولا في أسباب محدودة العدد، غير أن المحللين وخصوصا من الشباب يرجعونها إلى أسباب قد لا تكون موضوعية وهم معذورون في ذلك لأنهم لم يشاهدوه عن قرب، أو شاهدوه في ظروف محدودة لا تؤدي إلى نتائج ذات مصداقية، ولكن من شاهد التعليم في ظروفه المتعددة بما يمكنه من المقارنة بينها وما نحن عليه الآن مع اعتبار الزمان والمكان يعطي رأيا أقرب ما يكون للواقعية، فالدراسات التربوية ترجع فشل التعليم إلى عوامل عدة من بينها: البرامج، والكتب المدرسية، والمدرس، والوسائل الديداكتيكية، فلكل جزء مما ذكر تأثيره على النظام التعليمي ، هذا بالإضافة إلى لائحة طويلة من الأسباب لا يمكن حصرها يذكرها الخبراء في التعليم وغير الخبراء، ولكن الأكثر خطرا من هذا وذاك هو أن نظامنا التربوي يًسير من الخارج بلغة أجنبية ومخططات استعمارية لا تريد الخير لموريتانيا ولا تسعى إلى تقدمها، وذلك ما برهنت عليه الأحداث من خلال إصلاحات التعليم المتكررة ولاسيما ما تم سنة: 1999 والذي كان هو أسوء وأكثر ضررا لما قيم به في التعليم تجاه موريتانيا، كانت نتائجه في غاية السوء فهو الذي مازلنا نعيش مرارته حتى الآن وعلى مدى عشرين سنة؛ وذلك نتيجة للإختلالات التي ولد بها وظلت تصاحبه حتى اليوم؛ أذكر منها على سبيل المثال لاالحصر ما سوف أذكر هنا مما تم لي مع وزير التعليم، حين كنت ضمن الوفد الذي رافقه في مسعاه إلى إقناع الشعب بهذا الإصلاح الذي لم يؤخذ رأيهم فيه مسبقا، ففي إحدى الجلسات عندما جاء دوري في الكلام بصفتي ممثلا للمعهد التربوي الوطني المنتظر منه أن يوفر الكتب، طلبوا مني الكلام فلم أستجب، ولسوء حظي أن الوزير كان يعرفني، فأصر على تدخلي، فما كان لي إلا أن أعتذر له بحجة تكون مقنعة ترفع عني الحرج، فكان مسوغي هو أني لا يمكن أن أتدخل فيما لم أكن مقتنعا به أصلا، لماذا؟ ذلك لأنكم ذكرتم أنكم قمتم بإعداد خطة نظرية وبالطبع تكون محتاجة إلى أداة تنفيذ، لكنكم لم تذكروا ما ذا أعددتم لتنفيذها، حيث إن أداة التنفيذ الأوحد هي المدرس، ماذا قمتم به في هذا الاتجاه؟من أجل أن يقوم المدرس بهذا العمل لا بد أن تتوفر فيه ثلاثة شروط لا يمكن الاستغناء عن أي منها:

-أن يكون مقتنعا، وخائفا، وطامعا،

- فهو ليس مقتنعا لأن المبررات المقدمة لهذا الإصلاح ليست مقنعة ولم يؤخذ رأيه مسبقا فيها؛

- والطمع مفقود لغياب المحفزات وضعف الراتب، الأمر الذي لا يدعوه إلى بذل جهد مضاف وحتى إلى تأدية الواجب؛

- والخوف معدوم بموجب انعدام مبدأ المكافأة والعقوبة أصلا في نظامنا التسييري للموظفين؛ وذلك رغما عن إدراكنا بأن الله تبارك وتعالى أعلم بالبشر، خلقه وخط له الطريقة التي فيها صلاحه في الدنيا والآخرة، فمن مشمولات تلك الخطة مبدأ الثواب والعقاب، حين خاطب الله النبي صلى الله عليه وسلم قائلا:{وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون}، وقال{فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره}، فمن لم يستعمل جانبي الخوف والطمع في التعامل مع الإنسان لن يفلح في مسعاه، فالناس قد مات فيها الضمير المهني، وليست كلها مقتنعة ولا كلها وطنية. عندما كانت المكافأة والعقوبة موجودتان كانت مستويات التعليم أحسن من الآن بكثير، مع ضعف الوسائل الديداكتيكية في ذلك الوقت؛ غير أن الضمير المهني كان حاضرا وبقوة لدى المعلمين؛ على سبيل المثال عندما كنت مفتشا في الثمانينات أثناء زياراتي لبعض المدارس وجدت بعض المعلمين يدرسون أقسامهم تحت الأشجار، كما وجدت مدرسة من أربعة فصول في حي كل بناياته أعرشة، وعندما سقطت مدرستهم التزم الحي بتوفير الأعرشة التي يسكنون فيها بالتناوب يوميا ليتعلم فيها الأطفال، وبما أن العريش غير جاهز لاستيعاب المدرس والسبورة مع التلاميذ تبقى السبورة والمدرس في الخارج، والمعلم يمارس عمله من هناك في ظروف بالغة الصعوبة، ومع ذلك كانت مخرجات هذه المدرسة جيدة كما شاهدت. إن ضعف مستويات التعليم عندنا اليوم يعززها ضعف الحكامة بحيث إن الوزارة عاجزة عن توفير معلم لكل قسم، مع وجود المعلمين متكدسين في الإدارات الجهوية وفي المفتشيات وفي بعض المدارس.

مع وجود مدارس مكتملة الأقسام لا يوجد فيها إلا مديرها، وأخرى تبقى مغلقة أكثرية العام بدون مدرس، ولهذه الظاهرة بعض الأسباب:

- ضعف الرقابة على الموظفين من طرف الدولة؛

- عدم كفاية المديرين الجهويين لتسيير الأشخاص، وذلك لعدم اختصاصهم في المجال، وذلك لأن أغلبيتهم من أساتذة التعليم الثانوي الذين لا خبرة لهم بشؤون التعليم الأساسي بما يضعف أداءهم، لاتوجيها ولا تكوينا ولا تسييرا للأشخاص، وذلك لأن خبرة الأستاذ لا تتجاوز اختصاصه الذي تم تكوينه من أجله، ليكون أستاذا لمادته: رياضيات أو علوم أو لغة، فتعيينه مديرا للتعليم الأساسي يعتبر ظلما بحقه، وبموجب ذلك يظل يشعر بعدم كفايته لهذه المهمة المكلف بها، ولذلك فهو لا يريد أن يتخذ قرارا خارج ما تأمره به الوزارة، ينفذ ما أمكنه منه على استحياء، لا يريد أن ينتبه إليه أحد مخافة أن يظهرفشله؛ وهذا مخالف لما يمكن أن يقوم به المدير الذي هو في الأصل من قطاع التعليم الأساسي.

 نرى أنه في الأسابيع الماضية قام المدير الجهوي في ولاية الترارزة بإجراء بالغ الأهمية تم بموجبه خلق توازن في المعلمين بين المدارس مكن من توفير المدرسين للمدارس بعضها من بعض، قامت عليه الدنيا بالاحتجاجات ، غير أنه لم يعبأ بذلك ولم يثنه عن قراره، وذلك لأنه كان على دراية كاملة بما يفعل،

لأنه يتصرف بموجب تخصصه كمفتش مدير جهوي للتعليم الأساسي؛ وذلك ما عجز عنه المديرون من الأساتذة بل استنكره بعضهم، كما أن الوزارة لا يمكنها أن تبرر عدم التغطية من المعلمين بالعجز في عددهم، إذ يوجد الآن 3.400 معلما قد تم تكوينهم في مدارس المعملين يعملون الآن مراقبين في المدارس، هؤلاء لو تم ضخهم في المدارس لتمت تغطية العجز فيها، على أن يقع تعويضهم في الرقابة بمقدمي الخدمة الذين لم يتكونوا بعد على التعليم بالقدر الكافي؛ ولكننا نحتاج إلى إرادة وطنية صادقة تضمن لنا تعزيز الحكامة الضرورية لعمل يؤدي إلى نتيجة مؤكدة.

 

موقع الفكر: ما هي الإصلاحات التي تمت في قطاع التعليم؟

الخبير التربوي محمدن التمين: منذ العام 1957م إلى اليوم جرت 5 محاولات من الذي يسمونه تجوزا إصلاحات في التعليم وهو ليس كذلك؛ لأن الإصلاح كما هو معروف لابد أن يكون على أساس تساؤل: لماذا هذا الإصلاح؟ هل جاء لإصلاح لعلاج ما كان مؤكدا فساده؟ وما ذا نرتجى من ورائه؟ هذا من

الضروريات التي لم يتم استحضارها، فما كان يحدث فقط هو اجتماع يقوم به مجلس الوزراء أو المجلس العسكري، ويكون القصد من ورائه هو تسوية مشكلة سياسية بلبوس ثقافي قائمة في ذلك الوقت، على أن يتم بموجبه أخذ قرار لتسوية ذلك المشكل، يقتصر فيه على إجراء يتعلق بزيادة سنة أو نقصان سنة في نظام التعليم، أو زيادة مادة أو حذف مادة من البرنامج، بما يؤدي إلى السكوت على هذا الإجراء مدة زمنية غير محددة، تقلب البرامج التعليمية وتؤلف الكتب من أجل هذا مع تكلفتها الباهظة ليتم تجديدها في مناسبة أخرى قد لا تكون بعيدة؛ يستثنى من هذه الإصلاحات المرتجلة: إصلاح 1999، وإصلاح 2013؛ وذلك لأن إصلاح 1999 تم التحضير له خارجيا ليجيء ضمن اتفاقية مع فرنسا مقابل سكوت القضاء الفرنسي عن متابعة المسؤولين الموريتانيين على تبعات أحداث 1989 مقابل ربط العلاقات الدبلوماسية بين موريتانيا ودويلة إسرائيل، وكذلك توقف الرئيس معاوية عن متابعة برنامجه التعريبي الذي كان ينفذه في التسعينيات من القرن الماضي، وللحيلولة دون استهجان هذا الخبر الذي أوردت لكم ممن لم يكن على علم بجهود معاوية في مجال التعريب، أقدم لكم شهادتي في الموضوع بصفتي شاهد عيان، حيث تم تحويلي سنة 1993 من

الإدارة الجهوية في إينشيري إلى الإدارة الجهوية في كيديماغا ولكم أن تقدروا مستوى عدم رغبتي في هذا التحويل، فعند مراجعتي للوزارة بشأنه أخبرت بأنه صادر عن سلطات عليا، وأن القصد منه هو تعريب ما أمكن من التعليم الأساسي في تلك الولاية، وأن اختياري لتلك المهمة كان بموجب أنني خلال سنواتي الخمس في تيرس زمور تمكنت من القضاء على الفرنسية في التعليم الأساسي والثانوي؛ وكانت محفزاتي على القيام بهذا العمل الجديد تتمثل في: أن من أعطيهم أسمه ليساعدني في هذه المهمة يحولونه معي، ومن أعطيهم أسمه من الذين يحاولون عرقلتي يحولونه عني، فقلت لهم أنني قبلت التضحية من أجل هذه الهمة ولكنني لا أريد أن أسبب ضررا لأحد بتحويله إلى كيديماغا في هذه الظروف القاسية حيث لا توجد بها كهرباء ولا ماء صالح للشرب، ولا أمن، الأمر الذي بموجبه فرضت علي السلطات عند قدومي حمل السلاح، واشترط علي الأمن أن لا أبيت أثناء أسفاري في الولاية إلا في مكان فيه تجمع عسكري، بقيت تلك السنة وحدي أنا المدير الجهوي وأنا المفتش، وعلى كل حال بعد خمس سنوات تمكنت من نقل نسبة التعريب في الولاية من 32% إلى 85%.

- إصلاح 2013 جاء بعد أن اتضحت بوادر فشل إصلاح 1999، فكان الهدف من هذا الإصلاح الجديد هو ذر الرماد في العيون لإلهاء الناس عن تبعات فشل ذلك الإصلاح المشؤوم الذي مازلنا نكتوي بناره إلى اليوم.، كان إصلاح 2013 هو الأقرب إلى إصلاحات التعليم الموضوعية حيث تم فيه اتباع كل الخطوات الضرورية للإصلاحات وكانت مخرجاته في غاية الأهمية وتمت المصادقة عليها بدون استثناء من طرف حوالي 1000 مشارك في المنتديات التي كانت برئاسة الوزير الأول الذي تعهد بدوره بتطبيقها؛وكان من أبرز مخرجات هذا الإصلاح النص التالي:

(ضمان التعليم باللغات الأم على جميع مستويات النظام التربوي، وبالأخص في مراحل التعليم القاعدي(الأساسي- الإعدادي)، وذلك من منظور تحسين جودة التعلُّم؛ مع السعي تدريجيا إلى إتقان لغتيْن على الأقل من لغات الانفتاح)؛

ولكن القصد من هذا الإصلاح ظل ماثلا أمام أعين السلطات التي كانت ترمي من ورائه إلى إشغال الناس به عن مساوئ إصلاح 1999 فترة من الزمن منتظرين تطبيقه، وأني لهم ذلك؟ فلقد تم طمر مخرجاته في مكب النفايات ليعوض عنه بملهات أخرى جديدة متمثلة في مسرحية مدارس الامتياز! التي كانت كاريثية هي الأخرى بتكاليفها الباهظة مع أنها لم تضف جديدا، كون تلامذتها ينجحون هم الأوائل؟ معقول لأن أولئك تم اختيارهم أصلا من مدارسهم بحجة أنهم هم الأوائل ولو أنهم بقوا فيها لنجحوا بنفس الترتيب، وذلك بحجة نجاح من كانوا تحتهم في الترتيب في المدارس الأصلية ولم يحالفهم الحظ وقتها في الالتحاق بمداس الامتياز نجحوا متفوقين؛ فكرة مدارس الامتياز هذه التي صرفت فيها مبالغ كان لها أن تصرف في ما هو أبقى وأبلغ جدوائية ذلكم هو العمل على الكشف عن الموهوبين وأصحاب القدرات الخاصة، تلك الفئة النادرة التي كانت هي السبب في تقدم الدول التي اعتنت بها، فعوضت بمواهب أبنائها عن المصادر الطبيعية المعدومة لديها، مثل كوريا الجنوبية وغيرها، وحسب التحريات والبحوث التي قمنا بها سابقا فإن شريحة الموهوبين في موريتانيا تناهز نسبتها 3% من الشعب؛ وتكاليف اكتشاف المواهب وتنميتها أقل بكثير من تكاليف مدارس الامتياز؛ إن  هذه الأمة بإمكانياتها الهائلة على جميع المستويات لا تحتاج إلى أكثر من رجال وطنيين لا ينتمون إلى اللوبي الفرانكفوني ولا يحسون ولا يفتخرون بأنهم صناعة فرنسية.

 

موقع الفكر: يلاحظ من وقت لآخر مراجعة البرامج المدرسية، فهل هذه المراجعة استجابة لحاجات وطنية أم تناغم مع توجهات دولية أم لمجرد استدرار التمويلات؟

الخبير التربوي محمدن التمين: المبررات التي سوغت بها هذه الإجراءات ليس فيها جديد أو ما يخدم التعليم خدمة مؤكدة، أبرز ما جاءت به مما هو مستحدث هو مقاربة الكفايات، تلك المقاربة التي جاءت لتنسخ مقاربة الأهداف التي كانت بأيدي المدرسين، قرأوها وتدربوا على تطبيقها منذ نعومة أظافرهم، ولديهم كتب مؤلفة عليها تتوسع فيها وتشرح غوامضها، جاءتنا مقاربة الكفايات على أيدي من يدعون أنهم خبراء ولكن خبرتهم إن كانت ليست قطعا في مقاربة الكفايات، وذلك لأنني كنت من بين جماعة المعهد التربوي المكلفة بتأليف الكتب وتكوين المدرسين على تدريسها، فكان ذلك موجبا لعلاقتنا المباشرة بهؤلاءالخبراء، الذين لم يقدموا لنا فكرة ولا كتابا ولا نموذجا لتطبيقاتها في أية جهة من العالم، سوى أنهم ذكروا بمحاولات لتطبيقها في بعض أحياء فيتنام، وأظن أن ذلك من باب(الي داير يكذب إبعد اشهود)، طلبنا منهم أن يعدوا لنا دروسا نسير على منوالها، فقالوا لنا يكفي أن تقوموا أنتم بمحاولة فتعرضوها علينا لنعطيكم رأينا عليها، وأغلبيتنا لم تعد إليهم عندما لاحظت ما قدموا لزملائهم. هذه المقاربة تم اعتمادها وألفت الكتب عليها ولم يتم تجريبها ولذلك أربكت المعلمين والأساتذة، والمؤطرين، ولكن تمويلاتها كانت بالغة السخاء، ومع ذلك شغلت الناس عن مساوئ إصلاح 1999وعلى العموم أنا أمضيت 5 سنوات في المعهد التربوي وكثيرا ما كنت أشرف على تأليف أو تزكية بعض الكتب على هذه البرامج المتجددة، أنا ومن كان معي من الخبراء الوطنيين والأجانب في تأليف هذه الكتب حسب مقتضيات البرامج الجديدة لم نلاحظ أي ضرورة لتجديد هذه البرامج ولا لترقيعها، ومما يؤكد لنا عدم جدية هذه الإجراءات هو كون هذه الكتب المؤلفة على البرامج الجديدة لم تخضع للتجربة قبل تعميمها على المدارس؛ فلم يبق لدينا من مبررات لهذه التعديلات في البرامج إلا إذا كان المقصود من ورائها هو استجداء للتمويلات الخارجية، وإلهاء الناس عن المشاكل الوطنية التي هي أكثر إلحاحا.

 

موقع الفكر: إلى م ترجعون الأزمة المستفحلة في نقص الكتب المدرسية؟

الخبير التربوي محمدن التمين: يعود ذلك بالأساس إلى كثرة تحول النظام التربوي من برنامج إلى آخر، بما يستوجب من المعهد التربوي تلبية رغبات الوزارة بالاستجابة لمتطلبات البرنامج الجديدة بتأليف كتب في جميع المستويات والاختصاصات على مقاس النظام الجديد، هذا مع عدم عناية المدارس بالكتب التي توزع عليها بحيث لا يتجاوز عمر الكتاب عندهم سنة واحدة، مع أن المعهد يبذل جهودا محمودة من أجل توفير الكتاب المدرسي، وذلك من خلال توزيع كميات منه كبيرة كل سنة على المدارس، مع فتح أكشاك جهوية ومحلية وبأثمان ميسرة.

 

موقع الفكر: هل يقوم المعهد التربوي بتوفير الكتب للمدارس الخصوصية؟

الخبير التربوي محمدن التمين: هذا هو ما كان عليه في الفترة التي كنت فيها مديرا جهويا للمعهد التربوي، ربمالا يقسمون عليهم الكتب بالقدر الذي يقسمونه به على مدارس الدولة ولكنهم مقابل ذلك يسعون إلى توفير الكتب لهم في الأكشاك بأثمان ميسرة.

 

موقع الفكر: زيارة الوزير الأول السابق للمعهد التربوي والتي أمر فيها بتحقيق بخصوص النقص الحاصل في الكتاب المدرسي، سياسية أم أنه كان ينوي إصلاح هذا الخطأ؟

الخبير التربوي محمدن التمين: لا توجد لدي معلومات دقيقة تمكنني من الإجابة على هذا السؤال وذلك لأنني لم تكن لدي علاقة مباشرة بالمعهد،ولا بالوزير، ولأنني أيضا لا أحب الخوض في ما ليست لدي عنه معلومات مؤكدة، ولكن تقرير لجنة التحقيق التي أمر الوزير بتكوينها كفيل بالإجابة على هذا السؤال، وتلك تقريرها لم أطلع عليه إذا كان قد نشر.

 

موقع الفكر: هل سبق أن طلبتم زيادة ميزانية المعهد التربوي؟

الخبير التربوي محمدن التمين: أنا كنت في المعهد مديرا جهويا فقط، وانقطعت علاقتي المباشرة به منذ تقاعدت منه سنة 2005 وعلى ذلك يكون المهيأ للجواب على هذا السؤال هو المدير العام للمعهد.

 

موقع الفكر: هل يخضع التأليف في المعهد التربوي للزبونية؟

الخبير التربوي محمدن التمين: لم أشاهد ولم أسمع أي مظهر من مظاهر تعامل العهد بالزبونية مع المؤلفين، وخصوصا أنني قد تعاملت معهم في هذا المجال بعد تقاعدي وكان ذلك في غاية الشفافية والاحترام.

 

موقع الفكر: ماذا تعني المدرسة الجمهورية بالنسبة لكم؟

الخبير التربوي محمدن التمين: تهدف المدرسة الجمهورية إلى خلق ثقافة من القيم والمواقف والأنماط السلوكية الاجتماعية وهي تؤسس لتشكيل تفاعل اجتماعي بين الإنسان والإنسان.ومن مزايا هذه المدرسة:

1. الاقتصاد في الموارد البشرية والمادية.

2. بناء أسس التعايش السلمي.

3. تلبية التعارف في المشروع الإسلامي.

4. تنمية روح التعاون والعمل الجماعي.

5. خلق جو مشابه للحياة العادية.

ومن المؤكد أن فكرة الدولة الموريتانية في إنشاء مدرسة جمهورية تعتبر بالغة الأهمية، حيث سينقلنا من نظام مدرستين: مدرسة نظامية للفقراء، ومدرسة حرة للأغنياء، فبموجب المدرسة الجمهورية يتم دمج جميع الأطفال في نظام واحد لا فرق فيه بين الغني والفقير، ولا الأبيض والأسود، يتعايش فيه جميع الأطفال الموريتانيين بحظوظ متساوية، متجهين إلى تشكيل شعب منسجم يعمل من أجل بناء دولة موحدة مستقلة وقوية، وأتمنى أن لا يخرج بنا التوسع في دمقرطة المدرسة الجمهورية المنتهج في الغرب إلى الحرية في المعتقد.

 

موقع الفكر: إلى م ترجعون الأزمة المستفحلة في تردي نسب النجاح في الامتحانات الوطنية؟

الخبير التربوي محمدن التمين: ترجع هذه الظاهرة إلى أسباب عدة كنا قد ذكرنا بعضها ضمن أسباب تدني مستويات التعليم بصفة عامة، ويمكنني الآن أن أقتصر هنا على سببين  رئيسيين في نظري هما:

- عدم أخذ المواد المدرسة أصلا باللغة الأم، ولاسيما الرياضيات والمواد العلمية، وذلك ما تم تأكيده من طرف الدراسات المقامة في هذا المجال؛ فبعد إصلاح 1999 الذي اعتمد فيه تدريس المواد العلمية والرياضية باللغة الأجنبية، تبيّنُ الدراسات الوطنية والإقليمية تراجع أداء تلامذتنا في الرياضيات: في المرحلة الابتدائية، ونقص الاهتمام لديهم بالعلوم والتكنولوجيا في المرحلة الإعدادية، والثانوية، ومرد ذلك العزوف عن المواد العلمية والضعف فيها إلى كون هؤلاء الأطفال- في المرحلة الأساسية- تلقوا تعليمهم للمواد العلمية بلغة أجنبية، وذلك ما تؤيده كذلك الدراسات التي أجريت من قبل: اليونسكو، والبنك الدولي، حيث تؤكد أن التلاميذ يتعلمون بشكل أفضل وأسرع وبحماس عندما يدرسون العلوم بلغاتهم المتداولة؛ وأن التدريس في جميع المواد باللغة الأم ليس فقط يزيد درجة الفهم للمتعلمين، ولكنه أيضا يمهد الطريق لمزيد من التنمية الوطنية. وهذا كذلك ما يؤيده الخبراء من أقطار متفرقة على سبيل المثال: الفيليبين توصلت إلى أن التدريس باللغة المحلية يشجع الأطفال على البقاء في المدارس بدلا من التسرب، وأن الأطفال الذين يتعلمون بلغتهم الأم يحصلون على تقديرات عالية في اختبارات العلوم والرياضيات، مع العلم أن الفيليبين فيها 120 لغة محلية. ويعد من الأسباب الأساسية لتلك الأزمة سبب آخر، هو تغييب الإملاء عن مسابقة دخول الإعدادية، عندما كان من يحصل على خمسة أخطاء في الإملاء يقصى من المسابقة كانت المستويات مرتفعة، وذلك لأن التلميذ كان يجتهد لتقوية مستواه في الإملاء، ولشدة علاقة الإملاء باللغة يتقوى مستواه فيها، وبما أن اللغة حاملة لجميع المواد فبقوة التلميذ فيها يقوى في بقية المقرر، وعلى هذا تكون إعادة الإملاء للمسابقة بقوته القديمة ضمانة للرفع من مستوى التلاميذ؛ هذان سببان رئيسيان يكفي كل واحد منهما في التأثير سلبا على نسب النجاح، يضاف إلى ذلك ضعف أداء المدرس، حين انعدم لديه الضمير المهني مع غياب المحفزات من مكافأة وعقوبة، وانعدام المعايير التي يتم عن طريقها إسناد المهام لأصحاب الكفاءات، لورضي المدرس وبذل مجهودا أكثر لكانت النتائج أبلغ.

 

موقع الفكر: منذ متى تم اختفاء نظام العقوبة والمكافأة؟

الخبير التربوي محمدن التمين: ليس لدي تاريخ محدد باليوم يمكن الرجوع إليه في هذا الشأن، غير أنه منذ تغيير الحكم السياسي في البلد سنة 1978 لم يبق فيه مجال للعمل بالمعايير التي يتم بموجبها تطبيق مبدأ المكافأة والعقوبة، حين استبدلت المعايير الموضوعية بالوساطة من طرف مراكز القوة من ضباط وأصحاب نفوذ ورؤساء قبائل.

 

موقع الفكر: هل صحيح ما يقال من أن اختفاء العقوبة والمكافأة كان بسبب دخول أهل العربية في التعليم؟

الخبير التربوي محمدن التمين: هذا غير صحيح، أولئك لا سلطة لهم على هذا المجال، ومن المشاهد أن القادمين من المحاظر هم أكثر الموظفين التزاما، بموجب الوازع الديني والأخلاقي، فالقادمون من المحاظر هم أكثر الناس خوفا من عقاب الله؛وسبق لي أن أشرفت على اكتتاب للمعلمين من الشارع سنة 1980. شمل هذا الاكتتاب أكثر من200 من معلمي اللغة العربية، وكنت على يقين من مستقبل هؤلاء، وذلك لأن المعارف النظرية لا تعوزهم والخبرة مكتسبة وهم شباب لا يرضون بأن يكونوا دون زملائهم في الميدان، فما عليهم إلا تكملة ذواتهم بذواتهم، وهكذا فعلوا بعد مدة قصيرة، فلم يقبلوا أن يتميز عليهم من سبقوهم للمهنة.

 

موقع الفكر: ما الفرق بين المعلمين الذين اكتتبتم والعقدويين الحاليين؟

الخبير التربوي محمدن التمين: المقارنة بين المجموعتين قد يكون فيها ظلم بحق مقدمي خدمة، وذلك لأن الفرق بين ظروفهما كبير وبالغ الخطورة يتمثل أساسا في أن مجموعة 1980 قد تم اكتتابهم على أسس واضحة: - - رواتب مساوية لرواتب زملائهم في الميدان؛

- وضعيتهم القانونية واضحة حيث يتم دمجهم في الوظيفة العمومية بعد فترة تربص محددة.

بينما مقدموا خدمة لم تتوفر لهم هذه الامتيازات حيث بدأوا حياتهم المهنية بالبحث عنها: المظاهرات والاحتجاجات أمام السلطات والإضرابات، في الوقت الذي وجدوا فيه التعليم على صفيح ملتهب، بما يجعلهم لا يستفيدون من زملائهم من المعلمين القدماء، اللهم إلا إذا ما كان يتعلق باكتساب بعض ثقافة الاحتجاجات والإضرابات، وعدم الرضي عن الوزارة والدولة، بل يعطونهم المثال الأسوأ عندما يكون مقدم الخدمة في مدرسة ويضرب مديرها فلم يبق أمامه في هذه الحالة إلا الإضراب مع عدم اقتناعه بدوافعه وعدم الاستفادة من نتائجه إذا كانت؛ من خلال هذه الوضعية لا يمكنني التقييم ولا المقارنة بين المكتتبين سنة 1980 ومقدمي خدمة سنة 2020 وهذا كله باعتبار فارق الزمان والمكان.

 

موقع الفكر: ما سبب ضعف الطاقة الاستيعابية لمؤسسات التعليم العالي؟

الخبير التربوي محمدن التمين: لست على اطلاع كاف بشؤون التعليم العالي، وما أعلمه هو أن فيه موظفين يتحكم فيهم النظام الفرنسي تحكما قويا، فوزير التعليم العالي ذاته يفتخر أمام الملإ بأنه من صناعة فرنسية ومستشاروه فرنسيون، وكل هذه الخبرة ربما توفر وضعية غير جيدة للتعليم الوطني، فقد أعرضوا عن تلامذة المحاظر بحجة واهية مفادها أن أعمارهم بلغت 25 سنة، وعن غيرهم بحجة أن الجامعة ليس فيها أماكن فارغة؛ أقبح ما قيل في الاعتذار، لماذا لا يضمن التخطيط المحكم المفروض أن يكون حاضرا توفير حجرات للطلاب في كل الظروف في دولة مثل موريتانيا لا يمكن أن تعتذر بالفقر مع امتلاكها لمصادر طبيعية مهمة ومحدودية عدد سكانها؛ فلا أستبعد أن يكون ذلك جزء من الحرب القديمة المتجددة بين اللوبي الفرنسي والمحظرة، عمل هذا اللوبي على محاصرة المحظرة من أعلى بمنع تلامذتها من دخول الجامعة بوسائله الخبيثة المختلفة، وبتجفيف منابعها بموجب إصلاح 1999 الذي فرض تدريس الرياضيات والعلوم في الابتدائية باللغة الفرنسية حتى لا يتمكن تلامذة المحظرة من إجراء مسابقة دخول السنة الأولى إعدادية، فقبل هذا الإصلاح كان بإمكان تلميذ المحظرة أن يجري جميع المسابقات الوطنية دون أن يدخل المدرسة؛ لأنه لا يحتاج للفرنسية في الرياضيات والعلوم؛ ورحم الله حسني بن ديدي الذي أتقدم في حقه بهذه الشهادة، فعندما كان وزيرا للتعليم عام 1981م اجتمع مرة مع طاقمه الوزاري وقرروا أن لا يسمح بالترشح لمسابقة دخول السنة الأولى إعدادية إلا لمن كان مترشحا من مدرسة نظامية، ويعني ذلك حرمان تلامذة المحاظر من الترشح لأنهم لا يعرفون الفرنسية، عندما قدمت على الوزير لأخذ المحضر من أجل تقديمه للطباعة، فأثناء استقبالي لوصايا من طرف الوزير تخص إعداد المحضر، لاحظ الوزير أن لدي تحفظات على هذا المحضر، فأمرني بالجلوس فسألني قائلا: ماهي ملاحظاتكم على هذا المحضر؟ فقلت له إنها تتعلق بما يسببه هذا القرارمن الضرر بتلامذة المحظرة، حيث يمنعهم من المسابقات بكونهم لا يتقنون الفرنسية، وهم الذين كانوا ينجحون في المسابقة دون أن يكلف نجاحهم الدولة أي مجهود، لا في توفير المدرسين، ولا في الحجرات، ولا في أي نوع من الوسائل المدرسية، فلا أجد اليوم مبررا لغلق الباب أمامهم باشتراط اللغة الفرنسية عليهم في المسابقات لدخول الإعدادية؛ عندها طلب مني الوزير أن أناوله المحضر، فقام رحمة الله عليه بالشطب على تلك الفقرة التي تشترط أن يكون المترشح قادما من مدرسة نظامية؛ وظل هذا النظام قائما يترشح فيه تلامذة المحاظر وينجحون حتى تم إلغاؤه بموجب إصلاح 1999 المشؤوم.

 

موقع الفكر: ما هي ملاحظاتكم على مسابقة دخول المرحلة لإعدادية؟

الخبير التربوي محمدن التمين: منذ تقاعدي لم تعد لدي معلومات كافية لتقييم المسابقة، غير أن المطلوب في الأصل من المسابقة هو ترتيب المترشحين في لائحة يؤخذ من أعلاها ما يوفر شغل المقاعد الجاهزة لدى الإعدادية بغض النظر عن مستوياتهم، فلا يشترط فيهم الحصول على المعدل في المسابقة، غير أن المؤشر الوحيد لدي عن مستويات هؤلاء هو ما صدر عن دراسات دولية تفيد بأن الضمانة من العودة إلى الأمية يكفي منها عالميا الحصول على مستوى السنة الرابعة من التعليم الابتدائي، غير أنه في موريتانيا لابد من الحصول على مستوى السنة السادسة من التعليم الأساسي. ومن أسباب تدني مستويات التلاميذ أيضا ما ذكرت سابقا بشأن الازدواجية المبكرة وعدم التدريس باللغة الأم، وغياب الإملاء عن مسابقة دخول الإعدادية.

موقع الفكر: هل من كلمة أخيرة؟

الخبير التربوي محمدن التمين: أرجوا الخير لقطاع التعليم، وسمعت أن الدولة الآن لها نية حسنة تجاه التعليم وأنها تحاول القيام بإصلاحات، ولكن حتى الآن لم نر أي مؤشر من مؤشرات الإصلاح ولا من مؤشرات المدرسة الجمهورية، أما توفير الكتب أو طلاء أقسام أو ترميمها، وتنظيم ورشات غامضة الأهداف، فلا أرى أن ذلك هو الإصلاح، بل لا بد من أن يجتمع أهل التعليم الحقيقيين الميدانيين أصحاب الخبرة الذين عملوا في;آدوابه; وفي كل الظروف ويؤخذ رأيهم في التعليم ويتم تطبيق مقرراتهم بهذا الشأن.