قليل من أبناء هذا الجيل من يعرف قصائد (المصغرات) التي وإن كانت في غرض الهجاء المتبادل بين الشاعرين الفحلين المتمكنين (المصباح وولد أبنو) إلا أن تلك القصائد كانت تجديدًا في علوم اللغة، وأغرت متذوقي الشعر بتتبع السجال، في جوانبه الإبداعية، لا القدحية، وقد تمنى جمهور المصغرات آنذاك (هما مصغرتان فقط) لو أنها تواصلت، ويؤثر عن أحد علماء تلك الحقبة قوله إن مساعي اصلاح ذات البين بين المصباح وولد أبنو قد قطعت سجالًا مفيدًا لإحياء دارس اللغة ولبحث عويصات الصرف..
لقد كان ولد أبنو هو البادئ، حيث قال في مطلع مصغرته الأولى من نوعها في تاريخ هذا النمط الإبداعي:
أثار غُريِّمي وشجا عُقيْلي
طُليلٌ للحبيب بالتُّلَيْلِ
نظرت رُسيْمه فجرى دُمَيعي
وسال على نُحَيْري كالسُّيَيْلِ
وظل صُويحبي حيران تجري
عبيرته بذياك الطليلِ
وختمها داعيًا المصباح الى القرض في هذا المنوال قائلًا:
فدونك ذا النظيْم فإن تجبه
أجبه في البحير والفعيل
ففأجاب المصباح برائعته التي يقول في مطلعها :
وقفت على التليل فبت ليلي
دَيينا من طليل بالتليل
طليل من عُبيلة لاتلم يا
عُويذل إن حبستُ به جُمَيلي
طليلات العقيلات اعتراني
غريّمها السُّويلب للعُقيل..
ما أردتُ أن أصل إليه هنا هو ضرورة ترك السجال - الدائر بين النحوي الصوفي والمجلسي السلفي - في سياقه الفكري المفيد، فهو فرصة للصوفيين للرد على اتهامات السلفيين التي سكتوا عنها كثيرًا والتي بلغت حدّ التكفير..
لستُ في هذا السجال مع أي طرف لكني أعلم أن الصوفية التي ينتمي إليها العلامة الشيخ محمد الحسن ولد أحمدو الخديم والعلامة أبّاه ولد عبد الله، لا يمكن بأي حال من الاحوال أن تكون كفراً… من من علماء السلفيين يمكن أن نقارن علمه اليوم بعلم طالب في محظرة التيسير أو محظرة النباغيه؟
أعتقد أن هذا السجال فرصة للصوفيين لإعلان البراءة من مسلكيات بعيدة كل البعد عن نهج الشيخ التيجاني والشيخ ابراهيم نياس، من قبيل الرقص والاختلاط، وقد حدثني العديد من مشايخ التجانية أنهم يستنكرون كل ذلك، ولكن البعض يستبيحه، غفر الله لهم ..
دعوا السجال متواصلًا، فقد يقرب بين أبناء الأمة والوطن.. قد يفهم السلفيون أن الصوفية ليست كفرًا.. قد ينصف الرأي العام ، الذي يُشحن على مدار الساعة، بأفكار الغلاة والتكفيريين أن الصوفية في الأصل وفي الفرع زهد في الدنيا وابتغاء لما عند الله، وأن بعض مشايخها لا يمثلونها، وأنها ليست رقصًا وغناءً ووثنية..
لقد شاهدتُ وسمعت الشيخ الددو يلتمس الدعاء من خليفة الشيخ ابراهيم ويبسط إليه يديه متهللًا ومستبشراً..
والشيخ الددو ليس بكافر قطعًا، ولا يمكن أن يلتمس الدعاء من كافر..