محمد أحمد السالك: ميزة الإصلاح الحالي للتعليم بعده عن التجاذبات الساسية التي قوضت الإصلاحات السابقة( مقابلة)

قال المفتش محمد أحمدو ولد السالك إن موريتانيا شهدت عدة منتديات للتعليم وشهدت عدة إصلاحات أو مشاريع إصلاح البعض منها بمثابة قرار سياسي كما هو حال إصلاح العام 1999، ومن الناحية الفنية هنا سأسمي الأشياء بمسمياتها، أي الاسم الذي اختير لها دون تلميح، حيث كان آخر هذه الإصلاحات إصلاح 1999.

وأضاف ولد ولد السالك إن الإصلاح الأخير الذي اعتمد في العام 2022،  أنضج إلى حدما على نارهادئة وعلى أرضية لم تشهد أيّ ضجيج أو خلاف سياسي وهذاهو ما ميّز الإصلاح الأخير، حيث توج بقانون توجيهي يختلف عن قانون إصلاح  التعليم في 1999 وجميع الإصلاحات التي سبقته،  فإصلاح 2021 والذي بدأ بالفعل 2022 تم من خلال قانون توجيهي، وهنا عندما نقول "قانون توجيهي" فهو بمثابة نص تأسيسي يمكن أن يكمل بقوانين أخرى.

وهذا نص الحوار: 

موقع الفكر: ماتقويمكم لنجاح منتديات التعليم 2021،  والإصلاح المنبثق عنها وما الذي يميزها عن منتديات 2013؟ 
المفتش محمد أحمدو ولد السالك:
شكرًا،بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، بالفعل شهدت موريتانيا عدة منتديات للتعليم وشهدت عدة إصلاحات أو مشاريع إصلاح البعض منها بمثابة قرار سياسي كما هو حال إصلاح العام 1999، ومن الناحية الفنية هنا سأسمي الأشياء بمسمياتها، أي الاسم الذي اختير لها دون تلميح، حيث كان آخر هذه الإصلاحات إصلاح 1999، وقبله في ظل الدولة الحديثة كانت هناك عدة إصلاحات مثل إصلاح  1967و1973 و 1979، وقبل استقلال الدولة كان هناك إصلاح 1946، ثم إنشاء النظام التربوي الذي بدأ تقريبا مع مجيء الاستعمار، كل هذه الإصلاحات امتازت بتشكيلها أرضية لخلافات اجتماعية وإثنية وسياسية إلى حد ما!، بينما الإصلاح الأخير الذي اعتمد في العام 2022،  أنضج إلى حدما على نارهادئة وعلى أرضية لم تشهد أيّ ضجيج أو خلاف سياسي وهذاهو ما ميّز الإصلاح الأخير، حيث توج بقانون توجيهي يختلف عن قانون إصلاح  التعليم في 1999 وجميع الإصلاحات التي سبقته،  فإصلاح 2021 والذي بدأ بالفعل 2022 تم من خلال قانون توجيهي، وهنا عندما نقول "قانون توجيهي" فهو بمثابة نص تأسيسي يمكن أن يكمل بقوانين أخرى وهذا النص عبارة عن قانون يضم ديباجة و90 مادة وملحقات، كما نصّ  أنه سيكمل بقانونين اثنين، أحدهما يتعلق بهندسة اللغة وآخر يتعلق بالتعليم الخاص، إذًا، هو بمثابة نص تأسيسي أساسًا ناهيك عن أنه نصّ أن يكمل بملحقات لها قوة قانونية كقوّته، فقد نصّ في المادة 67 "  على أنه  في غضون اثني عشر شهرًا من صدور هذا القانون التوجيهي على السلطة الحكومية المعنية أن تقرّ نصًا قانونيًا خاصًا يحدد الخطوط الموجهة للهندسة اللغوية التي يتعين اعتمادها في النظام التعليمي الوطني في إطار إصلاح بعيد المدى وفي إطار الإجراءات الانتقالية". 
و نصّ في المادة 88" على أنه تلحق به الإجراءات الاستعجالية المتعلقة بتعليم اللغات وتعليم ماقبل التعليم الابتدائي والتعليم الابتدائي والمهني" وبالفعل صدر ملحق مكمل للقانون، إذًا، هذه هي ميزة هذا القانون التوجيهي، وتميز بكونه تم في سياق سياسي يختلف عن السياقات السياسية السابقة و كذا في سياق لم يشهد أيّ تجاذبات سياسية، والتجاذبات السياسية الخطيرة هي التي تسحب البساط من تحت النظم التربوية عبر تاريخ البلد، فمثلًا نحن نعلم أن فرنسا عندما أسست لنمطين من المدارس أحدهما سمته نمط ايكول "école «  وآخر سمته مدرسة "madrasa » ف "ايكول" تطلق على المدارس التي أنشئت لأبناء المجندين وأبناء الأوروبيين أنفسهم وكانت في الضفة ولغير الناطقين بالعربية أساسًا، ثم مدرسة وكانت بدايتها بعيد الحرب العالمية الأولى ثم قبل رحيل الاستعمار وبعيد الحرب العالمية الثانية حوُّلت كل مدارس "ايكول"  إلى مدرسة، تلك المدارس سابقا كانت مدرسة إلى حد ما يتقاسم فيها  الوقت بين اللغتين العربية والفرنسية وكانت في المستوى الابتدائي كلها، بينما كانت "ايكول " تدرس التلاميذ  باللغة الفرنسية حصرًا. 
بعيد الحرب العالمية الثانية وقبيل الاستقلال اعتمد نظام تربوي بمقتضاه تم حصر العربية في مادتي اللغة العربية والتربية الاسلامية كمادتين اختياريتين في المرحلة الإعدادية.
وبعد الاستقلال مباشرةً 1965 فكرت الدولة في مراجعة النظام التربوي، وبالنسبة لي النظام التربوي مسألته مسألة هُوية في الأساس كما أن الدستور يحدد الوثيقة الفنية المحددة لشكل الدولة وشكل النظام ،فالنظام التربوي كذلك هو المحدد للهوية الثقافية للبلد. 
تم إنشاء مرسوم بمقتضاه لاتكون اللغة العربية والتربية الإسلامية اختيارتين في المرحلة الإعدادية وحدثت اضطرابات معروفة أدت إلى أحداث 1966،  على إثرها تمت مراجعة تربوية كانت هي المراجعة الأولى تقريبًا في ظل الدولة، ثم جاءت بعد ذلك مراجعة العام  1973 وكانت هادئة إلى حد ما وبعد ذلك مراجعة 1979 والتي أدت إلى أحداث استشهد فيها أحد الطلبة رحمه الله وبعد ذلك إصلاح 1999، الذي لم يشهد أي أحداث لأنه في الحقيقة يعد تراجعًا في دور ومكانة اللغة العربية وبالفعل كانت ردود فعل المدافعين عنها والمناوئين لذلك النظام  عبارة عن بيانات فقط. 
ثم بعد ذلك جاء هذا الإصلاح وجاء في إطار تهدئة سياسية وبالفعل كان لذلك ثمرته حيث لم يشهد أي ردة فعل وهذا ما ميزه، ومن مميزاته كذلك أنه في ظل نوع من الخصخصة التي يشهدها العالم اليوم، 
يقد  هذا الإصلاح مزيدا من العودة بالمنظومة التربوية إلى كنف الدولة لأنه منع بشكل  كلي وجود أي تعليم ماقبل الابتدائي أو ما كان يسمى برياض الأطفال في القطاع   الخاص، فقد تم تأميمها إن صح التعبير فقد كانت مجالًا للاستثمار، والآن أصبحت حكرا للدولة، أيضًا أصبحت المرحلة الابتدائية أصبحت  حكرًا للدولة كذلك ويوجد هذا في كثير من دول العالم اليوم ففيه ما يسمى بالتعليم القاعدي وهذا حكر للدولة في بعض البلدان فهو المرحلة الأولى لنشأة مواطني ذلك البلد، ومن ثَمّ فليست مجالا للاستثمار نهائيا، فهذا النظام، ةالقانون  التوجيهي الجديد قوّض التعليم الخصوصي كذلك وأعاد النظام التعليمي شيئا فشيئا إلى الدولة، فالسنتان الأولى والثانية من المرحلة الابتدائية الآن لاتوجدان في التعليم الخصوصي، وتواصل الدولة احتكار التعليم الابتدائي في أفق العام 2026 لتصبح المرحلة الابتدائية كلها تابعة للدولة حتى مرحلة الإعدادية المرحلة الثانية من التعليم القاعدي،فهناك نوع من تقويضها في إطار النظام التربوي وجعل الكثير من المحددات والضوابط للاستثمار في هذا المجال، فمثلا جاء في المادة 50 مجموعة من الاشتراطات والالتزامات التي تلزم الحكومة باتخاذها حيث تنص على أنه بعد صدور هذا القانون التوجيهي يتعين على السلطة الحكومية اتخاذها. 
كان البعض يقول إنه لايمكن أن يدرس التلاميذ إلا في الابتدائية الخصوصية وتم الكثير من التحايل على الإصلاح وأصبح البعض يسجل التلميذ على أنه يدرس في السنة  الثالثة رغم أنه يدرس في السنة الثاثثة وقد تم التصدي لذلك بالتفتيش ومحاصرة  مثل هذه الحالات من التحايل والتصدي لها والتقيد الصارم بدفاتر الالتزامات مع تعزيز قواعد الشفافية والمساءلة والحصر التدريجي لتدخل التعليم الخاص في المراحل ما قبل الابتدائية وهذا محل الشاهد فالابتدائية لايشرف عليها إلا الدولة. 
وكذلك ترقية مؤشرات الإنصاف والجودة.. إذًا،  فهذا القانون قوض التعليم الخصوصي لأن التعليم هو صناعة الأجيال ويعرف بعض خبراء التربية بأنها: وصاية هدفها أن توصل الفرد إلى مرحلة لايحتاج بعدها إلى وصاية. ومناهجه هي المخرج الفعلي المعبر عن هوية أي بلد ومخرج التعليم هو المواطن ومن ثم فإن هذا النظام التربوي للإصلاح الجديد أعطى مجموعة من الميزات جعلته إلى حد ما أشمل من غالبية الإصلاحات السابقة. 
بالنسبة لتوقع نجاحه من عدمه فعادة مالم يأت في أول الأمر لايأتي في آخره كما يقول المثل" ألّ ما جَ فأوّل الگصعة ما اجي فأعگابها " فردات الفعل على هذا النظام التربوي لم يشهد لها أي أثر يذكر، معناه أنه كان محل اتفاق وإجماع ومن أسبابه طبعا السياق الذي جاء فيه بالإضافة إلى أنه ينص على ترقية اللغات الوطنية وعلى ترقية المهارات والمعارف الحديثة، معناه أنه إلى حدّ ما يحتوي مشمولات جيدة مدعاة للقبول وبالفعل قوض مرفقا مهما وهو التعليم الخاص لأنه مجال استثمار لكن من سيادة الدولة إعادة تبعية النظام التربوي للدولة وبالفعل لو كانت دفاتر الالتزامات مطبقة من قبل لما كانت هناك مشكلة،  ففي الأصل نجد النصوص المنظمة للتعليم في موريتانيا أن المواطنين الموريتانيين لايدرسون إلا في مدارس البلد والمدارس الأجنبية لايحق لأي مواطن موريتاني أن يدرس فيها إلا بإذن خاص من وزير التعليم، وهذا  الفقرة من القانون لم تطبق. 
موقع الفكر:  المدارس الأجنبية هناحكر على الأغنياء، أليس كذلك؟ 
المفتش محمد أحمد ولد السالك:
لا، لا، نحن لاتعنينا الطبقات الاقتصادية لأنها غير معنية بمجال التعليم فاليوم يوجد موظف يتقاضى راتبًا قدره 300 ألف قديمة يصرف منها مبلغ 200 ألف في التعليم ويوجد آخر يتقاضى 100 ألف أوقية قديمة، لايصرف منها حتى 5‎%‎ في التعليم، معناه أن مسألة أهمية التعليم تختلف من فرد لآخر.
ماقلته واضح وهو أن وزارة التعليم خلال سنوات معينة، كان من النادر أن تعطي رخصة لتلميذ موريتاني كي يدرس في المدارس الأجنبية إلا بمبررات مقنعة كأن يكون وصل مرحلة معينة من التعليم مثلًا، ويقدم ملفه لوزير التعليم ولكن هذا النظام الخاص الترخيص لم يفعل، بل يتم تجاوزه غالبًا وهذه مسؤولية الجهات الرقابية المعنية، والرقابة هنا تستوي فيها الإدارة التعليمية والعمومية الإقليمية،  أي مسؤولية الولاة والحكام وفق القانون الموريتاني، ومعنى ذلك أن ماكان يحدث ليس هو الأصل، حتى إنك تجد مؤسسات تعليمية تدّعي أن نظامها التعليمي نظامًا موريتانيًا والحال أنها ليست كذلك ويتم التغاضي عنها مثل المدرسة التركية فنظام هذه المدرسة ليس نظامًا موريتانيا وبشكله الحالي يوجد به الكثير من المهادنات والخالفات للقانون الموريتاني والأصل أنه إذا كانت المدرسة تتبع لسفارة بلدها فإنها تتبع النظام التربوي لتلك السفارة ويكون دخولها وفق دخول الموريتاني للمدارس الأجنبية، أما إذا كانت استثمارا خاصًا في إطار النظام التعليمي فعلها التتقيد بالنظام التربوي الموريتاني، والنظام الموريتاني محدد المواد بحيث لايمكن أن تدرس فيه اللغة التركية ولا البرتغالية ولا الإيرلندية مثلًا..

موقع الفكر:  أشدتم بإصلاح 2021، وذكرتم أنه محل إجماع،  ألم يكن إصلاح ومنتديات 2013 محل إجماع؟ 
المفتش محمد أحمد ولد السالك
:عام 2013 أقيمت منتديات للتعليم ،المنتديات إذا لم يتحول مخرجها إلى قانون يسير يلغي ويحل محل القوانين السابقة فلايمكن أن تقارن مع الإصلاحات التي نظمت بقانون، فقانون التعليم يلغي ويحل محل القانون السابق 1999 ، فبعد 1999 لم تصل تلك المراجعات إلى أن تصاغ بشكل قانون وإنما كانت عبارة عن إصلاحات جزئية تكمل بمراسيم ومن حين لآخر فهناك مراجعات في المناهج وغيرها ولكن النظام التربوي كنظام تربوي من حيث طبيعة عدد السنوات في الابتدائية والإعدادية والثانوية ومن حيث توزيعه إلى شعب ومن حيث الغايات الكبرى كان آخر إصلاح يتعلق به هو إصلاح 1999،  وبعده جاء هذا الإصلاح الجديد وفي الحقيقة لا أشيد به ولا أفنده بل أقدم عنه معلومات فنية فقط ، ومعناه أننا لانبالغ إذا قلنا إنه تم على نار هادئة ولم يشهد ارتدادات، خلافًا لجميع الإصلاحات السابقة تقريبا ، معناه أنه كان هادئا من حيث السياق العام ولم يعترض أي أحدٍ عليه أو يطالب بإلغائه . 
موقع الفكر: يرى البعض أن الإصلاح الحالي ملغم، ويتحدث عن الهوية واللغة بحذر وبطريقة غير مفهومة، وترضيات؟ 
المفتش محمد أحمد ولد السالك:
تماما هذا هو المطلوب رضى الناس وليس إثارة القلاقل، إذا بالمحصلة النهائية هناك خارطة طريق مستمرة وتمت بالفعل، الآن نحن في بداية إبريل المقررات التي وصلها الإصلاح الجديد التي تبدأ من السنة الثالثة ابتدائية مقررات الحساب باللغة العربية  الآن متوفرة لدى التلاميذ،  معناه أنه اتخذت له الإجراءات التي جعلته واقعا ملموسا حيث كان يدعي البعض عدم القدرة على تطبيقه  في المرحلة الابتدائية ومن ناحية أخرى فإني أرى مسألة المنصة جيدة وأصبح الجميع يريدون تسجيل أبنائهم حتى لايتجاوزو السن ولكي يحصلوا على رقم وطني  في المنصة. 
وماكان يشكك في إنجازه أصبح موجودا على  أرض الواقع، طبعًا أنا هنا لست ناطقا باسم الوزارة وإنما أقدم معلومات فنية. 
موقع الفكر: ما العوامل التي أدت بالإصلاحات السابقة جميعا إلى الفشل؟
المفتش محمد أحمد ولد السالك: أولا أريد أن أنبه إلى مسألة وهي أننا مازلنا نعيش بدايات هذا النظام التربوي وبالتالي فالحكم على نجاحه من عدمه سابق لأوانه، بالنسبة للإصلاحات السابقة فعاملها الأساسي هو تقريبا إصلاح في ظل الدولة الحديثة عمرها خمس سنوات و مازالت هوية البعض محل نقاش عنده، و أعتقد أن من الأسباب التي جعلت الإصلاحات السابقة تفشل بالدرجة الأولى مسألتين إحداهما البعد السياسي في الموضوع لأنه متعلق بالهوية وإذ ذاك في الستينيات والسبعينيات لم يقتنع المواطنون بوحدة الهوية فموريتانيا قبل الاستعمار لم تكن لديها سلطة مركزية وبعد الاستعمار كانت هناك تجاذبات مع الأطروحات الأيديولوجية كلها يريد أن يرى نفسه والهوية التي يؤمن بها في الأنظمة التربوية، بينما الآن الأيديولوجيا تكاد تكون اختفت في معظم العالم، والعالم أصبح لديه نظام سياسي واقتصادي وحيد ومهيمن وعليه فمستوى الاصطفاف الأيديولوجي المؤثر على الهوية اختفى في موريتانيا، ومن ناحية أخرى فمعظم تلك الإصلاحات كانت إجراءات و قرارت فمثلًا إصلاح 1999 كنت حينها أستاذ ميداني ولا أريد أن أعلق على جانب الهوية واللغات لكن الوسائل المصاحبة له والتي ينبغي أن توفر من أجل أن يتم لم تتوفر، فمثلا تدريس المعلوماتية في السنة الثالثة والرابعة إعدادية كم من إعدادية بموريتانيا يوجد بها الكهرباء حتى تدرس بها المعلوماتية ولذلك لم تفعل الإجراءات المصاحبة له أصلًا،  معناه أنه في بعض الأحيان يكون قرارا سياسيا ليس مشفوعا بتدابير إجرائية تمكن من إنجاحه فهذان عاملان من أهم العوامل التي أدت به إلى الفشل وأرجو أن تستمر الدولة في هذا الإصلاح على نفس النمط المتبع الآن وتوفر له مقتضياته ، وفعلًا مازالت به مقتضيات غائبة إلى حد ما ومن أهمها وضعية المدرسين، وما يفشل الإصلاحات هو عاملان أساسيان هما: عامل ذاتي مرتبط بالإصلاح نفسه والمقتضيات المتخذة له والعامل الثاني عامل وطني اصطفاف حول الهوية والتشكيك في النظام التربوي والوضع الإقليمي والدولي. 
موقع الفكر:  ما الأسس الموضوعية والفنية للإصلاح الجاد و العناصر اللازم توفرها لكي يبلغ الإصلاح الغايات والأهداف المؤملة؟
المفتش محمد أحمد ولد السالك:
أولا أن يكون منطلقًا من المواطن الموريتاني من مبتغيات الموريتانيين وهذه عبر عنها في المنتديات الماضية من حيث الهوية ومن حيث مواكبة التطورات. 
الشرط الثاني أن تتوفرله الوسائل والإمكانات، كي ينج وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً، ولايمكن أن نتحدثعن نجاحه حتى الآن. 
موقع الفكر: من اللافت أن نصيب التعليم من الميزانيى في الوقت الحالي يمثل 12% في حين أنها مثلت نسبة 19% في العام 1996؟
المفتش محمد أحمد ولد السالك: هذه المعطيات لا أمتلك قراءتها لأنه في بعض السنوات السابقة كانت كتلة الأجور قطاعية بينما في السنوات الأخيرة صارت كتلة الأجور مركزية بمعنى إذا كانت النسبة كبيرة ومن بينها كتلة الأجور فهذا لا يعني ارتفاع النسبة أما إذا كانت مثلًا نسبة 12 أو 19 بالمائة ليس من ضمنها كتلة الأجور فهذه ليست الكتلة الأكبر وبالتالي فالسؤال عن 12 و19 بالمائة هل تشمل كتلة الأجور هنا يمكن أن يجيب النواب البرلمانيون المتابعون أو الاختصاصيون بمعنى أن مسألة النسبة مهمة جدة من نسبة الميزانية لكن لو اعتمدت سياسة حوافز كبيرة لكان لها تأثيرها أيضًا بالإضافة لوضع المدرس وكذلك بالإضافة للوضع الاجتماعي الحاضن للنظام التربوي، فإذا كانت غالبية الموريتانيين ترضى عن النظام التربوي، لاتلفت انتبتههم مدارس اجنبية، أما إذا كان العكس فستكون تلك هي الكارثة والمسألة الأخرى أنه لما توفر له الوسائل والإمكانات وهذه لا يمكن الحديث عنها بعد، لأن الوسائل  كلما تقدم النظام التربوي  تضاعفت وازدادت وبالإضافة إلى أننا كذلك لم نشهد أي تحول يتعلق بالمدرسين.

موقع الفكر: موقع الفكر: هل المشكل اللغوي مشكل تربوي أم سياسي؟
المفتش محمد أحمد ولد السالك: وجهة نظري أن المشكل اللغوي لا يستطيع أن ينفك عن السياسة لأنه مسألة هوية والهوية مسألة سياسية بامتياز، أيضا هو مسألة فنية كذلك بالأساس وإمكانية حصول الطالب على المعارف والمهارات ومستوى تمكنه منها إذا كانت بلغة يتلقى مفرداتها بشكل يومي فهذا يختلف عن لغة أخرى لا يلتقي مفرادتها بشكل يومي وليست لغته الأم ،والبعض يظن أن اللغة لايمكن لأي تعليم لايستخدم اللغات القابضة الآن على زمام  البحث العلمي والتكنولوجيا لايستخدمها التعليم لايمكن أن ينجح وهذه معلومة خاطئة فهل اليابانيون والصينيون الذين يدرسون بلغاتهم مثلا متخلفون في البحث العلمي والتكنولوجيا؟ ومعناهذا أن اللغة أداة وليست مرتبطة بالضرورة بالتقدم العلمي، صحيح يمكن أن تتوفر المراجع بلغات أجنبية لكن من الناحية العملية فاللغة كوسيلة للتعلم ونقل المعارف للمتلقي أسهل على المتلقي بلغته الأم من اللغات الثانية، هذا من الناحية الفنية،  أما من الناحية السياسية فهي مرتبطة بالهوية ونعرف أساتذة الرياضيات الموريتانيين المتميزين هم خريجي الشعبتين العربية والفرنسية وغالبية الأساتذة هم مخرج  التعليم العربي من الدفعات القديمة في شعبة الرياضيات العربية ويجتازون المسابقات في فرنسا حين كانت الثانوية ست سنوات وهذا دليل أن اللغة لم تكن عائقا أمام التلاميذ لأنها تشتمل على جانب فني وآخر هوياتي. 
موقع الفكر:
المفتش محمد أحمد ولد السالك: لا،  أعتقد أن الفلسفة التي يسير فيها النظام التربوي الحالي معقولة جدا وأعتقد كذلك أنه لا ينبغي اختلاق المشاكل لها وعرقلتها ، الابتدائية الآن ستدرس فيها المعارف كاملة باللغة العربية وهذا وصل للسنة الثالثة الآن وهنا سنكون أمام تلاميذ تخرجوا من الابتدائية بلغة واحدة وأرضية معرفية واحدة وهذا مدعاة للوحدة الوطنية، أيضًا الهوية العربية الإسلامية الأفريقية لأنها جامعة بين الموريتانيين، من الناحية الفنية فالغالبية لغتهم في البيت أو في الشارع أو بالتلقي غالبًا..
موقع الفكر: هل يمكن النهوض بالتعليم بموظفين يعيشون واقعا مثل واقع المدرس؟
المفتش محمد أحمد ولد السالك:هنا لانتحدث عن المدرس المتقاعد لأنه لم يعد يدرس بل نتحدث عن الموظف فهناك ميزة أو مؤشر يسمى بالرضا الوظيفي وهنا نتساءل هل يعيش الموظفون الرضا الوظيفي أولا يعيشونه؟، الجواب بطبيعة لا، لايعيشونه إطلاقًا وبالتالي فالرواتب الحالية رواتب مزرية لكني أعتقد أنه بدل الدفع بالمدرسين والمؤطرين للعمل في القطاع الخاص من أجل توفير ظروف أفضل ونأخذ ثلاثة مدرسين من أجل القيام بدور مدرس واحد في إحدى الدول ينبغي أن نزيد الرواتب كثيرا وفي المقابل يرفع العبئ التدريسي طبقًا للمتاح والممكن فنحن لا نريد الإنهاك ويكفي أن يتم التقيد بالعبئ التدريسي الفعلي للمدرس، 30 ساعة للمعلم و 22 ساعة لأستاذ سلك أول و 18 ساعة لأستاذ سلك ثاني و6 ساعات بالنسبة للأستاذ الجامعي وهكذا.. وفي تقديري أنه لابد من إنجاز مقاربة من أجل رؤية الكفاف للمدرسين ويتم الفصل التام بين القطاع الخاص والعام،  ولوزارة  الصحة تجربة مشابهة في هذا والشيء بالشيء يذكر فقطاع الصحة من القطاعات المشابهة لقطاع التعليم حيث قررت أن الطبيب العام سيتقاضى 500 ألف قديمة،  دون الحوافز الأخرى، والريوع وسياسة تحصيل التكاليف،  وبالمقابل فإن الفكرة من وجود القطاع الخاص سواء في التعليم أو الصحة إيجاد فرص عمل لمجموعة من الأشخاص لها كفاءات لم تجد فرصًا في الوظيفة العمومية وسبق للمدرسة العليا للتعليم أن أطرت وكونت أساتذة بنفس مواصفات أساتذة التعليم العمومي وهؤلاء ليسوا موظفين بل مهيئون للانخراط  والتوظيف في التعليم الخاص، فلو أُلزم القطاع الخاص بأن من يستثمر في القطاع يلزم أن تكون له وسائل  وإمكانات يكتت بها موظفين فيهم يجب أ، وبمرتبات مجزية، وبالمقابل موظفي القطاع العام ينبغي أن يعتمدو على المرفق العمومي، معنا ذلك  توفير الكفاف لهم و إلا فإن هذا سيكون نوعًا من امتصاص الدماء فقط لاغير، وينبغي أن يتغير هذا مع تغير قيمة العملة ومستوى المعيشة لكي يحصل نوع من الرضا الوظيفي، تبقى مسألة التأمين الصحي والضمان الاجتماعي في المقابل النسب المقتطعة ليست كبيرة والموظفون عمومًا لايقبلون ولا يرحبون بالتقاعد نظرا لتدني رواتب التقاعد، معناه أن مقاربة المعاش مسألة أخرى ليست بتلك البساطة.

موقع الفكر:  إلام  ترجعون الأزمة المستفحلة في نسب النجاح في الامتحانات الوطنية، وهل ترون أن هذه النسب الكارثية للنجاح في الامتحانات مظهرا من مظاهر الفشل أم أنها مظهر مظاهر  الجدية والصرامة في التقويم؟ 
المفتش محمد أحمد ولد السالك:
على كل حال مسألة تدني نسبة النجاح موجودة فعلًا ولايمكن تجاهلها ومسألتها مركبة ومتعددة الجوانب، أحيانًا يكون البرنامج المقرر ضخم بحيث يصعب استيفاؤه من المدرس ويقيمه على ذلك الأساس في الوقت المناسب لأن تقديم المقرر ليس هو كل العملية وإنما ينبغي استصحابه بتقييم المدرسين لتلامذتهم وهذا عامل مهم والعامل الآخر هو ضعف الرقابة وكذلك عوامل اللغة وعوامل أخرى متعددة عامة من مؤثرات مختلفة،  مثل الهواتف والبرامج، وظروف البلد والمؤثرات من حولنا وأنا شخصيا لا أعتقد أن ثمة إرادة سياسية سواء الآن أو سابقًا للحد من أعداد الناجحين ولا أي إرادة للتدخل للجان التحكيم في الامتحانات والمسابقات بغية تغيير النتائج، وإنما هي حصيلة طبيعية لتقويم معارف التلاميذ الذين يظهر أنهم لم يتمكنو من استيعابها وثمة تعلق بأن كل تلك المواضيع سطر عنها في البرنامج ستكون من ضمنها مواضيع الامتحان والضعف الشديد للمستويات… وفي السابق كانت هذه الشعب في المتناول  بينما ثمة شعب تحتاج مستوى من الذكاء والتميز، اليوم صار تدني المستويات في جميع الشعب وأعتقد أنها ظاهرة جديرة بأن تدرس وتعالج، لا أن تقوم الدولة بإعطاء دروس تقوية هنا أو هناك فتلك ترقيعات لا تفيد وثد تكون من أسباب تدني التلاميذ وارتباط التلميذ بالآخر طيلة اليوم من الصباح حتى منتصف الليل بحيث لايبقى له الوقت لمراجعة دروسه وتنقيحها واستيعابها وأرى أنها عملية معقدة وأستبعد أيّ تدخل سياسي أو إداري أو تربوي فيها. 
موقع الفكر: هل اشتمل إصلاح 2021، على مراجعة وتقليص للبرامج أو مواكبتها لسوق العمل؟ 
المفتش محمد أحمد ولد السالك: 
أولًا من حيث التشخيص في الحقيقة أن برنامج السنة السادسة ابتدائية أو سابعة ثانوية  ليس معزولا عن بقية البرامج نهائيا ففي الغالب الأعم من لم يحصل القاعدة قبل السنة النهائية في السنة السادسة ابتدائية مثلًا ليست لديه دراية بالسنوات التي قبلها ويريد النجاح فهذا يضرب في حديد بارد ونفس الشيء بالنسبة لختم الدروس الإعدادية .. 
موقع الفكر: نسب النجاح من  المرحلة  الابتدائية 70% ونسب النجاح من المرحلة الإعدادية 40% ونسب النجاح في المرحلة الثانوية 5%؟
المفتش محمد أحمد ولد السالك:
هذا أمر طبيعي، عندما تكون هناك 300 ألف تدخل التعليم الابتدائي برسم العام 2023 من الطبيعي أن تحصل منه 50 ألف على البكالوريا، فالقانون يلزم الجميع بالتعليم الابتدائي لتمحى عنه الأمية الأبجدية ومن التلاميذ من يتسرب من المدرسة ومنهم من يغادر لأكثر من سبب، فالمشكلة من صخامة البرامج فأي تلميذ حصل معدل 18/20 في سنوات الإعدادية فهذا قد حصل نسبة كبيرة من النجاح و يسهل عليه تجاوز المرحلة الإعدادية بسهولة، لكن الآباء اليوم لايشرفون غالبًا على أبنائهم و لا على متابعتهم ويهملونهم فأي تلميذ اليوم في الباكالوريا كان يحصل على معدل 16/20 في السنة السادسة أو 17/20 في السنة الخامسة فهذا يعني أنه سيتجاوز غالبًا إذا كانت الظروف على ما يرام، لكن المشكلة ان يستفيق التلميذ أو الآباء في الوقت بدل الضائع وحينها لاينفع الندم، معناه أن المشكلة ليست في طول البرنامج وإنما في إهمال الأولياء أو الآباء ولذلك فهذه هي العوامل المتعددة المركبة. 
موقع الفكر: هل من كلمة أخيرة؟
المفتش محمد أحمد ولد السالك:طيب أشكركم في موقع الفكر على هذه المقابلة التي أتحتم لي وأسأل الله أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام وأرجو أن يهتدي الموريتانيون للإسهام في إنجاح منظومة تربوية تعكس الهوية الحقيقية للموريتانيين وتمكن الأبناء إن شاء الله من تحصيل المعارف والقدرات والكفاءات العلمية، وهنا أنتهز الفرصة للتنبيه على مسألتين ضروريتين هما أن الدولة ينبغي أن تقدم لفتة للمدرسين والمؤطرين وفي الوضع الراهن لايمكن أي نهوض بالتعليم، والمسألة الثانية على الآباء تحمل مسؤولياتهم في عدم شيطنة التعليم وأهله والعناية بالأبناء ويعلمو أنهم أمانة في أعناقهم حتى لايضيع الأبناء،  وأستغفر العظيم لي ولكم.. والسلام عليكم ورحمة الله.