وزراء اقترحهم ولد أجاي ورفضهم وزير الداخلية.. هل ينجح الوزير الأول في إدارة تناقضات حكومته- موقع الفكر

وصل خبير الإحصاء المختار ولد أجاي إلى الرتبة التي كان يسعى إليها منذ فترة وهي الوزارة الأولى في موريتانيا، لم تكن الطريق طويلة أمام الرجل، استغرق الأمرأقل من  20 عاما من البدايات السعيدة والنهايات الموفقة،  حيث  انتقل من مستشار بوزارة التعليم إلى ركن أساسي وموجه نوعي لمختلف السياسات الحكومية، دون ظهير من القبيلة أو ركن من الحركات السياسية،

نَفسُ عِصامٍ سَوَّدَت عِصاما  وَعَلَّمَتهُ الكَرَّ وَالإِقداما

وَصَيَّرَتهُ مَلِكاً هُماما حَتّى عَلا وَجاوَزَ الأَقواما

ورغم أن تأثير ولد أجاي في عشرية الرئيس السابق كانت الأكبر والأهم بالنسبة للبلاد من خلال مشاريع  منها:

-         رفع واردات الضرائب وتنفيذ السياسة الضريبية باقتدار وتميز.

-         القضاء على تعدد وزدواجية  الرواتب بشكل كبير 

-   تعطيل تقدمات الموظفين العموميين طيلة 10 سنوات، ومنعهم من استعادة الاقتطاعات الظالمة، تاركا بذلك حصيلة مليارات من ديون الموظفين في عنق الدولة التي لا تفكر في سداد مستحقاتهم.

فإن حضوره السياسي في نظام ولد الشيخ الغزواني كان الـأقوى من خلال:

-         الحفاظ على نفوذه باعتباره رجل لبراكنة الأقوى.

-   بسط السيطرة على حزب الإنصاف من خلال تعيين عديله ماء العينين ولد أييه رئيسا للحزب.

-         مشاركته في الحكومة عبر عدد من الوزراء المحسوبين عليه.

-   إدارة ملف التنسيق مع الوزراء، بدلا من الوزير الأول السابق الذي تراجع دوره إلى أقصى درجة، وقد مكنته هذا التنسيق من إنقاذ أكثر من 80 مشروعا قطاعيا من تعهدات ولد الشيخ الغزواني التي كانت متـأخرة عن الآجال المحددة لها.

-   إقناع الرئيس بمركزة التعيينات الكبيرة لدى الرئاسة بدلا من منح الوزراء صلاحية تمريرها في مجلس الوزراء، وهكذا أصبح تعيين المستشارين والمكلفين بمهام والمديرين المركزيين بيد ديوان الرئاسة، مما مكن ولد أجاي من غرس أنصاره ومقربيه بشكل لافت في مختلف مفاصل الدولة، عبر تياره "متحدون"  وهو ما مكنه من الوجود المؤثر من حيث الأشخاص والمعلومات في كل قطاع.

وبلغ الأمر إصدار مذكرة بتعيين أخوين  في يوم واجد. 

-   إدارة نيابيات 2023، مما مكنه من تحقيق أعلى نسبة نجاح للأحزاب الحاكمة في موريتانيا منذ انتخابات 2006، مع ما خلف ذلك من خصومات متعددة، مع عدد من أقطاب النظام وشخصياته المجتمعية،  ومع المعارضة التي وصفت الانتخابات بالأسوء في تاريخ ديمقراطية هذا البلد، وذلك بسبب التطبيق الإلكتروني الذي فرض بموجبه ما يسميه الأوزان الانتخابية، والتي أظهرت أنه صاحب التطبيق المذكور والوزن الانتخابي الأكبر.

-   تسوية خلافاته مع أطراف سياسية متعددة، وخصوصا حلف وزير الخارجية السيد محمد سالم ولد مرزوق، حيث يشتركان في الخصومة مع وزير الداخلية.

-   إدارة الخلاف مع خصومه في الدولة، وخصوصا حلفا وزيري الداخلية والعدل، وفي النهاية حصل ولد أجاي على انحياز واضح من الرئيس الغزواني الذي تعهد في بداية مأموريته الأولى لعدد من مقربيه، بعدم التخلي عن ولد أجاي إلا إذا صدر ضده حكم قضائي نافذ، وفي نهاية مأموريته الأولى تعهد أيضا بالتمسك به نظرا لفاعليته في الإنجاز.

صلاحيات.. دون إرخاء الزمام

تتحدث مصادر متعددة عن اعتراض أقطاب داخل النظام على بعض المقترحات التي قدمها ولد أجاي للحكومة، ليفاجأ في آخر اللحظات بصدور لائحة لا تتضمنها، ومن ذلك على سبيل المثال، إلغاء مقترحه بتمثيل حزب الإصلاح من خلال عمدة واد الناقة السابق المختار السالم ولد التقي، لتختار الرئاسة بدلا عنه السيدة مسعودة بنت بحام.

وإضافة إلى ذلك كان ولد أجاي – وفق ما أكدت مصادر موثوق بها- قد أبلغ وزيرة الوظيفة العمومية السيدة زينب بنت احمدناه بعدم دخولها الحكومة الجديدة، ليتفاجأ باسمها وزيرة للتجارة والسياحة، وهي من أبرز العناصر المقربة جدا من وزير الداخلية، حيث عينها لأول مرة سنة 2006 أول والية في موريتانيا، كما حافظ لها أيضا على منصب بعض مقربيها، وبعض المناصب الانتخابية لأحد أعيان الأسرة الخاصة.

وبالإضافة إلى ذلك رفضت الرئاسة مقترحات لولد أجاي بالإبقاء على وزير المياه اسماعيل ولد عبد الفتاح، الذي كانت علاقاته قد توترت مع بعض الأحلاف السياسية القوية في بوتلميت، وخصوصا حلف رجل الأعمال أحمد سالم ولد بونه مختار، ذي العلاقة الخاصة مع وزير الداخلية،  من جهة ودخل  اسماعيل كذلك في نزاع مع مجموعة من أهل تنيرك بخصوص الحفر، حسب بيان منشور، ودخل كذلك في خصومة مع مجموعات في العكريش، هذا مع رواية أخرى تقول إن أحمد ولد داده اقترح على الرئيس تعيين لبرفسور عبد الله ولد ويه، وزيرا لأهل بوتلميت.

في مقابل ذلك استطاع ولد أجاي تعيين أحد المقربين منه وزيرا منتدبا لدى وزير الداخلية مكلفا بالتنمية المحلية وهو ما يعني وضع اليد على أكبر ميزانية خاصة في الداخلية، وأكبر قطاع موجه للعلاقة مع الوجهاء والمجتمعات المحلية.

كما كان لافتا محافظة وزيرة المرأة على منصبها، رغم سعي ولد أجاي إلى استبدالها بأخرى، لكنها استطاعت في النهاية الحفاظ على المنصب ذاته، نظرا لعلاقاتها الوطيدة بالسيدة الأولى، وعلاقات شخصية تربط عناصر قوية من محيطها بالرئيس الغزواني، حيث يشاع على نطاق واحد أن نجل الرئيس الأسبق أحمد ولد معاوية ولد الطايع هو من اقترحها بديلا عنه، عندما عرض عليه الرئيس الغزواني دخول حكومته الثانية.

وأرجع البعض بقائها في الوزارة إلى امتناع سيدي محمد ولد محم عن دخول التشكلة الحكومية.

ويستغرب كثيرون بقاء صفية بنت انتهاه في الوزارة  ويدعمون رأيهم بضعف خبرتها وبما يشاع عن فساد مستشري في وزارتها، ولا ننسى أن محكمة الحسابات تحدثت في تقريرها الأخير(2019-2021) عن خروقات كثيرة  شابات تسيير الوزارة، وبسبب  ذلك أقالت  الحكومة الدكتور ولد سيدي يحي،  ورغم تقديمه قربانا بين يدي التقرير فإن كثيرين يرون أن أزمة  الوزارة أعمق من ذلك وأكثر، فالوزارة من وجهة نطرهم  لصيقة بالفساد واللعب بالمال العام، والتعيينات  الزبونية واللوبيات المحترفة.

وإذا كان ولد أجاي قد استطاع تمرير وزراء مقربين منه إلى القطاعات الخدمية الأساسية، وهي الرهان الذي يسعى إليه الرجل لوضع بصمته وإقناع السلطة والرأي العام، كما استطاع أيضا رفع الرتب البروتوكولية للوزراء المحسوبين عليه،  فإن الوزارات السيادية لم تدخل تحت سيطرته حيث حافظت السلطة على مساراتها في العلاقات الخارجية من خلال:

-   التمديد لوزير الدفاع في منصبه: وهو الذي يدير جزء كبيرا من علاقات البلاد الخارجية من بوابة الأمن والدفاع.

-   التمديد لوزير الخارجية: الذي يصنف ضمن رجال فرنسا الأقوياء في موريتانيا، ويتمتع بعلاقات قوية مع عدد من المسؤولين الغربيين، وخصوصا في المعسكر الفرنسي، حيث يصنف صديقا شخصيا للرئيس الفرنسي السابق  فرانسوا أولاند.

-   التمديد لوزير العدل: محمد محمود ولد بيه، الذي يمثل أيضا أحد أهم الوزراء المحسوبين على دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تولي موريتانيا اهتماما خاصا، وتعمل منذ فترة لإيجاد موطئ قدم كبير لها في البلاد، رغم ملاحظاتها التي لم تعد خافية بشأن تعثر بعض مساراتها المحلية بسبب سياسة الانفتاح المضبوط التي يمارسها ولد الشيخ الغزواني في إدارته للعلاقة مع أبو ظبي.

- التمديد لوزير الداخلية رأس الحربة في الصراع مع الوزير الأول الجديد، ومحل ثقة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.

وكان لافتا أن وزير الداخلية في خطابه أمام أطر قطاعه أمس الخميس لم يذكر اسم الوزير الأول، وبدلا من ذلك اقتصر على ذكر الرئيس وبرنامجه الانتخابي.

هل تصمد حكومة ولد أجاي

لا يبدو أن التجانس الذي تعهد به الرجل قد تحقق في حكومته الأولى، حيث تركت الحكومة رسائل سلبية تجاه عدد من الأطراف من أهمها:

-   رسالة سلبية جدا تجاه المجتمع الديني: من خلال خفض رتبة وزارة الشؤون الإسلامية البروتوكلية التي كانت من أهم الرسائل الإيجابية التي راهن عليها القطاع في تقديم الصورة الإيجابية للرئيس تجاه القيم الإسلامية.

-   وجود وزراء فاشيلن في أدائهم أو متهمين بإفلاس مؤسسات سابقة تولوا إدارتها في حكومته.

وفي المقابل وجود وزير الصحة المتميز في عمله وقدراته وقوة شخصية، ومن يعرف وزير الصحة لايتوقع منه رضوخا أو تسامحا مع الممارسات غير النزيه، فهو إما أن يجد الفرصة لرؤيته الإصلاحية أو يخرج من الوزارة، فأيهم سيبقى في الوزارة.

-   فقد ولد اجاي السيطرة على حزب الإنصاف حيث سيتولى رئاسته، الوزير السابق سيدي أحمد ولد محمد الذي يعتبر أحد الخصوم السياسيين لولد أجاي، حيث تعتبر رئاسته لحزب الإنصاف محاولة لتعويض خروجه من الحكومة وعدم تعيين أي من حلفه السياسي ومجتمعه القبلي في حكومة ولد أجاي.

وبين مختلف هذه الاحتمالات  تبدو فرص ولد أجاي في النجاح خلال مائة يوم  الأولى من مأمورية حكومته مرضية، في بعض الملفات دون أن ينعكس ذلك التحسن على خدمات الماء والكهرباء والاتصالات، التي ظلت تسوء وتسوء.

أما الحفاظ على تجانس  الحكومة  فيبدو صعبا للغاية، خصوصا في ظل حرب معلنة على الفساد، يتوقع أن تكون هي الأخرى بوابة أزمات متعددة الجوانب مع عدد من رموز السلطة وشخصياتها المؤثرة في بناء وعلاقات النظام.