نهاية مسلسل الاختراق.. “إسرائيل” تزحف داخل المغرب

مع تصاعد الاحتجاجات الشعبية المناهضة للتطبيع في مختلف مدن المغرب، يزداد القلق الشعبي من مدى تغلغل الكيان الصهيوني داخل النسيج السياسي والاقتصادي للمملكة. ففي الوقت الذي تسارع فيه السلطات المخزنية إلى تعزيز علاقاتها مع الاحتلال، يواجهها الشارع المغربي بالرفض المستميت لهذه العلاقات، معتبرًا أن التطبيع ليس مجرد اتفاقات عابرة بل هو محاولة ممنهجة لإعادة تشكيل الوعي المجتمعي لصالح العدو. يتساءل كثيرون: إلى أين يقود هذا المسار؟ وهل أصبحت المملكة على حافة الارتهان الكامل لإملاءات الاحتلال، أم أن هناك إمكانية للتحول نحو موقف أكثر استقلالية يعبّر عن إرادة الشعب المغربي؟

حذر نشطاء وحقوقيون مغربيون من خطورة تمدد الاختراق الصهيوني وانعكاساته المدمرة على المملكة لما يشكله من تهديد لأمنها ونسيجها الاجتماعي، منتقدين استمرار الحكومة المخزنية في مسار التطبيع مع كيان مجرم، وهو الأمر الذي أثار موجة من الاحتجاجات الشعبية الغاضبة التي اجتاحت مدن المغرب.

وأكد المشاركون في ندوة نظمتها “الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع” – بمناسبة تخليد الذكرى الـ49 ليوم الأرض الفلسطيني – أن التطبيع “يتجاوز كونه اتفاقات سياسية إلى مشروع يهدف إلى إعادة تشكيل الوعي المجتمعي لقبول الصهاينة كجزء طبيعي من النسيج المغربي”، مشددين على “ضرورة مقاومته على كافة الأصعدة”. وامتدت هذه التحذيرات إلى الشارع المغربي، حيث شهدت عدة مدن مغربية يوم السبت، مظاهرات حاشدة مطالبة بوقف كافة أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، ومنددة باستئناف عدوانه الهمجي على قطاع غزة.

وفي هذا السياق، شهدت مدينة الدار البيضاء خروج آلاف المغاربة في مسيرة شعبية جابت شوارعها، ردد خلالها المشاركون هتافات منددة بجرائم الاحتلال الصهيوني بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وبتطبيع النظام المغربي مع الكيان المجرم، مثل: “يا صهيوني يا غدار مصيرك هو الدمار”، “لا مصالح تطبيعية لا سفارة صهيونية على الأرض المغربية” و”صامدون لغزة مساندون”. كما رفع المحتجون أعلام وصور رموز المقاومة الفلسطينية وصورًا تعكس حجم الدمار الذي خلفه العدوان الصهيوني، ولافتات تعبر عن إدانتهم لما وصفوه بـ”صمت المجتمع الدولي عما وقع ويقع في غزة من جرائم”، مطالبين بإنهاء الاحتلال والحصار وتجويع الفلسطينيين.

وعن مدى خطورة التطبيع، قال سيون أسيدون – أحد مؤسسي حركة مقاطعة الكيان الصهيوني وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها “بي دي إس” – إن التطبيع لا يقتصر على كونه اتفاقات سياسية، بل هو قبول بـ”السردية” الصهيونية التي “تدعي حق اليهود في فلسطين”، لافتًا إلى أن “التطبيع لم يبدأ باتفاقيات رسمية، بل بدأ منذ عام 1961 حين تم تسهيل استقدام المستوطنين إلى فلسطين ومن بينهم وافدون من المغرب”.

أما اقتصاديًا، فأشار المتحدث إلى أن العديد من الشركات الصهيونية دخلت السوق المغربية مبكرًا تحت غطاء جنسيات أخرى، واستدل في هذا الإطار، بدخول شركة الشحن البحري الصهيونية “زيم” إلى المغرب في ثمانينيات القرن الماضي، مبرزًا أن اتفاقية التطبيع الأخيرة لعام 2020 فتحت الباب أمام استغلال موارد البلاد. ويبدو أن هذه التطورات كانت بمثابة الشرارة التي أشعلت فتيل الاحتجاجات الأخيرة، حيث نظمت مسيرات شعبية غاضبة في مدن طنجة، ورزازات، القصر الكبير، آسفي، الجديدة وجرسيف، مباشرة بعد صلاة التراويح، للتعبير عن رفض الشعب المغربي لكافة أشكال التطبيع المفروض عليه ضد إرادته.

وقال سيون أسيدون – وهو أيضًا نائب المنسق الوطني لـ”الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع” – إن المغرب دخل “مرحلة حماية جديدة بالهرولة نحو التطبيع”، محذرًا من أن “حصر النقاش في التطبيع قد يغفل قضايا أعمق مثل التعاون العسكري مع كيان فاشي”. كما اعتبر أن المطالبة بقانون يجرم التطبيع “مغالطة كبيرة”، لأن “السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية كلها تقبل به، بينما التجريم الحقيقي يأتي من لدن الشعب الذي يرفض التطبيع بأشكاله المختلفة”.

من جانبه، اعتبر الناشط السياسي، عضو الأمانة الوطنية لـ”الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع”، محمد الوافي، أن “التطبيع السياسي يمثل العمود الفقري لباقي أشكال التطبيع في المغرب، إذ يشمل مختلف المجالات ويتجاوز الطابع الاقتصادي والثقافي ليصل إلى بنية النظام ذاته”، منبهًا إلى خطورة هذا المسار على تماسك البلاد، من خلال اختراقه للنسيج الاجتماعي. ودعا القوى الحية في المغرب إلى لعب دور “حاسم في مواجهة التطبيع باعتباره قضية سياسية وليس مجرد مطلب”.

أما معاذ الجحري، عضو اللجنة المركزية لحزب “النهج الديمقراطي”، فانتقد التطبيع في المجال التربوي الذي يستخدم قنوات مثل المدرسة والجامعة ووسائل الإعلام والمجتمع المدني لنشر السردية الصهيونية بهدف السطو على الذاكرة الجماعية للشعوب وطمسها، وبالتالي تحويل ما حدث من احتلال وعدوان إلى أمر طبيعي ومقبول. وقد انعكس هذا الغضب الشعبي في موجة الاحتجاجات العارمة التي شهدتها مدن طنجة والرباط وفاس والدار البيضاء وبركان وأغادير، حيث شاركت فيها حشود غفيرة مرددة بصوت واحد: “الشعب يريد إسقاط التطبيع”.

وفي مداخلته، استعرض سعيد مولاي التاج، عضو المكتب المركزي لـ”الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة”، مراحل التطبيع في المغرب الذي بدأ – كما قال – “رسميا وسريا ثم أصبح تطبيعا نخبويا غير معلن، وبعدها صار علنيًا بين النخب”، مشيرًا إلى أن هناك توجها وتحركًا إلى جعله شعبيًا عبر نشر ثقافة القبول والتعايش. ورغم ذلك، فإن المشهد المغربي اليوم يؤكد أن الشارع المغربي لا يزال متمسكًا بقضيته القومية ورافضًا لكل أشكال التطبيع، حيث خرجت الحشود الغاضبة في كافة المدن الرئيسية، ترفع شعارات منددة بالممارسات الصهيونية الوحشية بحق الفلسطينيين، في وقت يستمر فيه النظام في تعميق علاقاته مع الكيان المحتل.

وأمام هذا المشهد المتأزم، تتعاظم المخاوف من استمرار سياسة الاختراق الصهيوني للمغرب، ليس فقط على المستوى السياسي أو الاقتصادي، بل أيضًا من خلال التأثير في الوعي المجتمعي وتفكيك النسيج الاجتماعي، وهو ما يضع القوى السياسية والمدنية أمام تحدٍّ كبير لمواجهة هذه الموجة غير المسبوقة من التطبيع التي تواجه رفضًا واسعًا من الشعب المغربي.