
فجأة بدأت وفود متعددة من دول غرب إفريقيا التقاطر إلى موريتانيا بعد أسابيع من الشحن والتحريض الإعلامي في الإعلام الغرب الإفريقي ضد موريتانيا، هنالك الآن أكثر من سبب لأن تكون نواكشوط موضوعا رئيسا للإعلام في هذه البلدان بعد أن قررت ممارسة جزء من سيادتها على أرضها بترحيل من لا يتمتعون بوضعية إقامة قانونية.
لماذا أقدمت موريتانيا على هذه الخطوة
لا يمكن القول إن ترحيل الأجانب الذين لا يملكون تصريحات إقامة شرعية خطوة مفاجئة، ففي الثالث والعشرين من يونيو 2023 منحت موريتانيا مهلة تسعين يوما للأجانب المقيمين على أرضها لتصحيح وضعياتهم، والحصول على إقامة مجانية دون أي رسوم، قبل أن تقرر لاحقا رفع صلاحية بطاقة الإقامة إلى خمس سنوات بدلا من سنة واحدة، وهو ما يخفف
أيضا الأعباء من جديد على المقيمين الذين يزيد عددهم على أكثر من مليون نسمة.
وخلال السنتين المنصرمتين زادت وتيرة الهجرة إلى موريتانيا، وخصوصا من بلدان غرب إفريقيا، لينضاف إليها أيضا هجرة آلاف آخرين من دول شرق آسيا وخصوصا من الهند وباكستان، زيادة على تصاعد هجرة السودانيين إلى موريتانيا.
لماذا تخشي دول غرب إفريقيا عودة مواطنيها
تتحد مخاوف دول غرب إفريقيا من معالجة موريتانيا لملف الهجرة غير الشرعية في عدة أبعاد أبرزها:
- الدور الاقتصادي للهجرة: في اقتصاديات هذه الدول وخصوصا السنغال ومالي وغينيا، حيث تعتبر موريتانيا بلدا استقرار أو عبور للمهاجرين من هذه الدول، وهو ما يعني في الحال موردا ماليا يوميا مستمرا بالنسبة لمئات الآلاف من الأسر في هذه البلدان، تدبر حياتها من خلال التحويلات اليومية من أبنائها المهاجرين المقيمين في موريتانيا.
وقد وصلت تحويلات المهاجرين السنغاليين في العالم ما يصل إلى 2 مليار فرنك إفريقي يوميا وفق لإحصائيات لسنة 2017، ومن بين هذه التحويلات كان نصيب المهاجرين السنغاليين في موريتانيا 46.8 مليار أوقية قديمة لنفس السنة، وهو المبلغ الذي يتوقع أن يكون قد تضاعف خلال السنوات الأخيرة.
ورغم أن هذه التحويلات مرشحة للزيادة والاستقرار إذا صحح المقيمون الأجانب وضعيتهم في موريتانيا، فإنهم يتعاملون بمستوى كبير من اللامبالاة، وترفض أعداد هائلة منهم الحصول على الإقامة، معتمدين على تفاهمات خاصة مع بعض العناصر الإدارية والأمنية، وعلى ضغط حكوماتهم وإعلامهم ضد موريتانيا
- مخاوف الاهتزازات الأمنية: تمثل عودة المهاجرين غير الشرعيين في دول غرب إفريقيا إلى بلدانهم متغيرا أمنيا صعبا بالنسبة لهؤلاء، حيث تعتبر الهجرة بوابة مهمة لامتصاص الغضب الشعبي في هذه البلدان، وتعني العودة المفاجئة للآلاف من المقيمين غير الشرعيين تحولا أمنيا تخشى هذه الحكومة أن يزيد من غضب مواطنيها عليها، بل قد يؤدي إلى أنشطة عنف، كما حصل على الحدود الموريتانية المالية في منطقة كوكي الزمال من بعض المتظاهرين الماليين المبعدين من موريتانيا.
فعلى سبيل المثال عندما قررت نواكشوط إبعاد حوالي 200 ألف سنغالي في العام 2000، ردا على محاولات الرئيس السنغالي الأسبق عبد الله واد تنفيذ مشروع الأحواض الناضبة التي تعني جرف حصة موريتانيا من نهر السنغال، كانت هذه الخطوة هي الأكثر تأثيرا على القرار السنغالي، ليبادر الرئيس السنغالي واد بالسفر إلى نواكشوط، وإنهاء مشروعه الذي كان يعني قطع شريان اقتصادي مهم بالنسبة للسنغاليين.
ورغم إسهام الأجانب الأفارقة في الدورة الاقتصادية الموريتانية من خلال سيطرتهم على المهن الحرة والأشغال والخدمات، فإن تأثيرهم على الاقتصاد المحلي ضعيف جدا، خصوصا أنهم يعتمدون غالبا منهج التحويلات اليومية للمداخيل، وليست لهم أي استثمارات قارة في نواكشوط.
وخلال السنوات الأخيرة ارتبط أيضا الانتشار المتصاعد للمخدرات داخل موريتانيا بحركة الهجرة غير الشرعية
- هل توجد أصابع دولية خلف التحريض على موريتانيا: لا يخفى بالفعل وجود عداء إعلامي جاهز ضد موريتانيا، وخصوصا في السنغال ومالي، ويتغذى هذا العداء من عدة مصادر أبرزها:
- القوميون الزنوح الموريتانيون: وخصوصا المقيمون خارج البلاد، والذين ما فتأوا يشنون حملات متواصلة ضد بلادهم، ضمن تحالف قومي فئوي، يمثل أحد الأوراق المهمة التي طالما استثمرتها السنغال وفرنسا بشكل خاص للضغط على حكومات نواكشوط، ويستفيد هذا اللوبي من طابور خامس وطني من بينه شخصيات سياسية وحقوقية وإعلامية بعضها ذو ارتباط وولاء خارجي، وقد أدى تعاضد هذه الفئات على تشويه صورة البلاد، وتقديم صورة مغلوطة تجاهه
ويظهر البعد الدولي بشكل خاص في التناول غير المتوازن والبعيد من المهنية للإعلام الفرنسي تجاه موريتانيا، حيث ركزت القنوات والمواقع على تناول وضعية المبعدين إلى بلدانهم، متجاهلة ما يمارس من جرائم تجاه المهاجرين الأفارقة في سجون إسبانيا وإيطاليا بشكل خاص.
وينضاف إلى هذا رهانات محلية لدى بعض السياسيين في مالي والسنغال، لكسب مزيد من التعاطف والشعبية وتحقيق المصالح السياسية الضيقة بانتهاج سياسة تحريض ضد موريتانيا
وعلى سبيل المثال يبدو الوزير المالي موسى أغ الطاهر أكثر العناصر المالية حدة تجاه موريتانيا، وهو ما يراهن عليه هذا الوزير في حماية منصبه الوزاري الذي حصل عليه بعد انسحابه من منصبه ناطقا باسم تنسقية الحركات الأزوادية، تاركا شركاءه في النضال ومواطنيه تحت رحمة لهب الجيش المالي وقوات فاغنير، ليتفرغ للتحريض ونشر الأكاذيب عن معاملة موريتانيا للمهاجرين غير الشرعيين من مالي، متجاهلا في الوقت ذاته إقامة 300 ألف مواطن أزوادي في موريتانيا، لا يمثلون بالنسبة لباماكو أي قيمة إنسانية ولا توليهم أي اعتبار.
- استضعاف دول الجوار للنظام الموريتاني: تسود صورة غير جيدة للنظام الموريتاني لدى كثير من شركائه المحليين والإقليميين، حيث استطاع الإعلام المعارض، إظهار النظام باعتباره النظام الضعيف الأكثر مرونة في تاريخ البلاد، وقد ظهرت أولى هذه المظاهر من خلال حجم "التنازلات " التي منحها النظام الموريتاني لجاره السنغالي من خلال منح مئات رخص الصيد المجانية، إضافة إلى ضعف شديد في التعاطي مع المجازر التي نفذها الجيش المالي ضد عشرات الموريتانيين طيلة السنوات الخمس المنصرمة، وتهجيره أيضا لمئات الموريتانيين من الأراضي غير المرسمة على الحدود المشتركة بين البلدين.
فهل يصمد نظام ولد الشيخ الغزواني على فرض قراره السيادي، أم أنه سيقدم "مكرمة" إنسانية لهذه الدول والأنظمة باستضافة مهاجريها الرافضين بتحد مستمر لتسوية وضعيتهم القانونية، كما قدم مكرمة غير مسبوقة للأوربيين بدور آخر في حماية شواطئهم مناسراب المهاجرين..