الدكتور محمد بباه محمد ناصر: "التعليم أمر بالغ الخطورة ويترتب عليه إصلاح البنى والمؤسسات التي تسير الدولة"

التعليم أمر بالغ الخطورة ويترتب عليه إصلاح البنى والمؤسسات التي تسير الدولة، وإلى عهد قريب نسبيا كان التعليم فيها يشكو من نقص الوسائل البشرية ونقص في التمويل ونقص في الكتب ،ونقص في البرامج على جميع المستويات . وهذا ليس غريبا ففرنسا عندما استعمرت البلاد 1854 ـ إذ أعتقد أن مجيء الوالي الفرنسي فيدرب إلى مدينة   "اندر"  سينلوي و بدء  حربه  مع  الأمير محمد الحبيب  هو  التاريخ الفعلي لبداية الاحتلال الفرنسي للبلاد  لكنه لم يتمكن من السيطرة إلا في  سنة 1903، وهذا يعني أن موريتانيا كانت خلال خمسين سنة (1854-1903) ،كانت في فترة احتلال وتحضير للاحتلال. وفي سنة 1903 احتل الجنوب الموريتاني،  وأما الشرق الموريتاني فكانت هناك محاولات لاحتلاله في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ومنذ بداية الاحتلال نبذ الناس التعليم الفرنسي وأدى ذلك إلى نقص في عدد الأفراد الذين تلقوا تعليما نظاميا، وعوض ذلك النقص من  أصحاب التعليم المحظري.

والتعليم المحظري  يجمع بين الحياة  البدوية وممارسة العلم وهذا أمر غير مألوف. فالبداوة في الغالب يصاحبها الجهل والأمية  ،بينما كان يطلق عليها هاهنا البداوة العالمة ، وهذا لا يقتضي أن التعليم يشمل جميع الناس بل تختص به فئات معينة لكن هذه الفئات تنال منها قسطا لم يكن مألوفا أن ينال  في البادية. وكان مؤسسا على التقشف ،ومبنيا على مجموعة من الحريات الأساسية، وهذه الحريات يمكن أن يستفاد  منها في شأن التعليم وهي حرية الطالب في أن يختار الوقت الذي يتعلم فيه والأستاذ الذي يدرسه ورفقاءه في الدراسة ،أو ما يعرف محليا ب" الدولة" ، وهذه الحريات غير متاحة للطالب في المدارس النظامية، ومع أن التعليم الغربي  في الولايات المتحدة ـ وهي الأكثر تطورا في العالم ـ يسعى إلى أن يوفر ما يمكن توفيره من هذه الحريات ،ولما يصلوها بعد وهذه الحريات لا تعوض

فالتعليم المحظري يمتاز بالتقشف، يلخصها الشنقيطي بقوله:

 

له  تغرب وتواضع واترع                               وجع وهن واعص هواك واتبع

حتى ترى حالك حال المنشد                           لو أن سلمى أبصرت تخددي

ودقة في عظم ساقي ويدي                          وبعد أهلي وجفاء عودي

عضت من الوجد أنامل اليد ..

ويقول آخر:

تلاميذ شتى ألف الدهر بينهم                              لهم همم قصوى أجل من الدهر

يبيتون لا كِناً لديهم سوى الهوى                               ولا من سرير غير أرْمِدة غُبْرِ

وكانت هناك استجابة للتعليم المحظري يقف وراءها عاملان أساسيان أحدهما: عامل ديني يحض على العلم والتمسك به، وهو ما تشترك فيه مختلف البلدان الإسلامية، وعامل ثان من خصوصيات المحظرة ،وهو نقص وزن المادة المصاحبة للشخص، والبدوي في انتقاله يكره زيادة الوزن، لأنه ينتقل من مكان إلى مكان  و كان الأجدى  من حمل الكتب والمعارف  حفظها  في صدره ،وهذا من التكيف مع حياة الظعن.

 

والتعليم لا بد له من التوفير المالي، والأشخاص المكونون إن لم يكونوا علماء فيلزم أن يكونوا متعلمين تعلما جيدا. ويلزم كذلك تشجيع خريجي التعليم لنيل مبتغاهم. وهو ما يطلبه الإنسان من خمس حاجات ضرورية كالصحة والمال الذي ينال به الحياة الكريمة، والمشاركة في اتخاذ القرارات الهامة والحصول على المعلومات.