تقويم الواقع التربوي من الأمور التي لا يكاد يختلف عليها اثنان فلو أنك فاتحت متواضع الثقافة ومنعدم التعليم لقال لك إننا نفتقد التعليم أو أن التعليم منهار، وهذه حقيقة مرة لكنها واقع لا يمكن أن نتنكر له.
منظومتنا التربوية تعاني من مشاكل حقيقية هذه المشاكل صنعتها عوامل لعل من بينها ذلك الارتجال الذي طبع البلاد الإصلاحات التربوية التي عرفتها البلاد وكذلك التوظيف السياسي الذي دأبت عليه الأنظمة مما جعلها تتخذ إجراءات كثيرة غير مدروسة فتضافرت هذه العوامل إلى أن وقع التعليم فيما هو فيه.
والخلل في التعليم يتجلى في عدة نواح منها المخرجات الضعيفة فتكاد تلقى الطالب الموريتاني وقد مر بجميع مراحل فإذا حادثته كان كل كلامه خطأ وإذا كان كتب كان كذلك وإذا اختبرته في مجال تخصصه كان كذلك.
كذلك من مظاهر أزمتنا التربوية انعدام أو ضعف البنى التحتية فلو أنك زرت أي منطقة حتى نواكشوط وقمت بزيارة لمؤسساتنا التعليمية سواء كانت ابتدائية أو إعدادية فإنك لن تعدم أن تصادف مؤسسة ساقطة الأبواب والنوافذ وسبورة مشوشة كثيرة الثقوب ومقاعد متهالكة وحائطا متهالكا قصيرا وهذا الضعف في البنى التحية التي تجعل المدرس يفتقد أي وسيط تربوي يمكن أن يعينه على الإيضاح والتوصيل.
وكذلك من مظاهر أزمة منظومتنا التربوية اختلال الخريطة المدرسية فالخريطة المدرسية عندنا ديس عليها منذ فترة فأصبح المدارس تفتح لأغراض سياسية وانتخابية لا علاقة بالأسس الفنية الموضوعية والمهم أن يكون السياسي أو النائب الفلاني أو الوجيه الفلاني استطاع أن يجلب مدرسة إلى ذلك التجمع أو ذاك التجمع وهذا التشتيت يجعل الوزارات المتعاقبة غير قادرة على تقديم التعليم المناسب.
ومن مظاهر اختلال العملية التربوية غياب المعلم النموذج والقدوة وكما تعلمون فإنه من البداهة فكما يقول:
إن المعلم والطبيب كلاهما لا ينصحان إذا هما لم يكرما
هذا إذا كان المعلم على أحسن مستوى فكيف به إذا كان خريج مؤسسات تأهيلية وتكوينية متهالكة يقضي فيها السنتين والثلاثة دون أن تضيف إلى معارفه الأكاديمية بعدا يذكر ودون أن تكسبه مهارات تربويةَ. وبالتالي فالمعلم والمدرس عموما في واقعنا اليوم هو أحد مخرجات التعليم وفي ذات الوقت خريج مؤسسات تكويني أولي عاجزة عن تكوينه تكوينا وهناك عامل ثالث لا يقل أهمية عن العاملين السابقين شخص كما قيل :
ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء
ملقى في ضباب وأمواج من المشاكل وفي واقع بالغ المادية وصعب التكاليف ويمنح راتبا متدنيا غاية التدني وهذا ما يجعله أكثر ارتباطا بأمور تجلب له دخلا إضافيا يعينه على أعباء الحياة ، يجعله أكثر ارتباطا بهذا الأنشطة من نشاط التدريس الذي يفترض أنه أسمى المناصب ويفترض أنه حقيقة هو البوابة والآليات المثلى لكل تقدم وتطور ولعله لا يعبر عن حاجة وواقع المدرس والتي يقول فيها :
قالو سنصلح من شؤم ومن دنس تعليمنا فهو للأجيال كالقبس
قلنا له هذه والله حاجتنا كانت لنا حلما يجري مع النفس
لكنه مركب صعب وسالكه يرميه من شاء بالتهويس والفلس
ومن تصدر للإصلاح يحسبه أمر بسيطا سيلفي الأمر غير بس
لو أن أول من مروا وآخرهم إنسا وجنا على التكوين أو لنس
جمعتموهم وملأتم سماءهم يا قومنا حرسا أعييوا على الحرس
ولو جعلتم لكل منهم عسسا ما أدخلتهم لقسم خشية العســــــس
فللحياة وحاجات الحياة صدى يصمهم صوته عن دقة الجرس
فالكف مملقة والحال مقلقة والناس مطرقة من شدة الكفس
وهذه حال مسعود وفاطمة وابْلالَ وأم المؤمنين وسي
فالمدرس في ظروف كهذه ظروف ليس فيها بنى تحتية وليس فيها محفز ضف إلى ذلك أنه منذ بدايات التسعينات أصبح المجتمع مجتمعا ماديا فمن لا يملك شيئا وتضافرت هذه العوامل لتجعل المدرس أزمة من أزمات التعليم.
ومن مظاهر أزمات التعليم المضاربات كالكبريت الأحمر الذي يقال إنه يذكر ولا يرى خاصة إذا تعلق الأمر بالمناطق الداخلية أو تعلق بضعيفي أو عديمي الدخل فإن أبناء هذه الفئات لا تجد الكتاب المعين.
هذه مظاهر ليست هي كل مظاهر أزمة التعليم وإنما هي بعض المظاهر فقط.