حرصا منا في موقع الفكر على الاستفادة والإفادة، وسعيا إلى نقل التجارب في كل ميدان، ووضعها بين أيدي المهتمين قصد الاستنارة بها، وترسم خطاها، لتجويد العمل وتحقيق الغرض، والتكامل بين السابق واللاحق، نستضيف لكم اليوم وجها رائدا من سدنة العمل الخيري والدعوي بهذا البلد، حيث كان من أوائل من أسهموا في العمل الدعوي بهذه البلاد، حيث كان من العلماء والدعاة الذين كانوا يؤطرون الجمعية الثقافية الإسلامية قبل أن تطالها يد الحظر والمصادرة، فهو مرجعية تربوية لها تجربة ثرية متعددة ومتنوعة، وقد تناول اللقاء واقع العمل الدعوي والإغاثي بالبلد وتجربة ضيفنا في هذين المجالين، فله فيهما قصب السبق فهو المجلي في ذلك والسابق، وفي المقابلة موضوعات أخرى نترك لكم متابعتها..
فأهلا وسهلا بضيفنا الكريم الأستاذ بون عمر لي.
موقع الفكر: نود منكم تعريف المشاهد والقارئ بشخصكم الكريم من حيث الاسم وتاريخ ومحل الميلاد والشهادات التي حصلتم عليها والوظائف التي تقلدتم؟
الأستاذ بون عمر لي: الاسم بون عمر لي وأنا مولود في سنة 1950م أو 1951م. بقرية "آيارلاو" وسميت بون عمر باسم شيخ جزائري زار المنطقة تلك السنوات، وبعض الأطفال الذين ولدوا آنذاك سموا باسمه و هو حفيد الشيخ التجاني والاسم الصحيح هو ابن عمر، وتلقيت التعليم الأولي المحظري القرآني في مدينة "بوغي" و"كيهيدي" و"روصو" ثم التحقت بمحظرة الشيخ "عبد الله جا" للتعليم المحظري إلى أن حصلت على بعض المستوى في اللغة العربية والفقه حسب المنهج المحظري المقرر ثم ذهبت إلى نواكشوط في حدود 1971م. أو 1972م. وقد فتح باب الترشح الحر فترشحت لشهادة ختم الدروس الإعدادية وحصلت عليها، ثم دخلت مدارس تكوين المعلمين وتخرجت 1974م. ودرست فترة من الزمن وتوليت إدارة عدة مدارس إضافة إلى الاستشارات التربوية ثم شاركت في مسابقة الأساتذة، وتخرجت 1986م. أستاذا للجغرافيا والعلوم الطبيعية، ثم عملت في هيئة الإغاثة الإسلامية مديرا إقليميا لها، في موريتانيا ثم مديرا إقليميا بغرب إفريقيا ثم مديرا للهيئة في وسط إفريقيا وأنا عضو في هيئة رابطة العلماء الموريتانيين، و عضو كذلك في هيئة جائزة شنقيط، وأنا الآن عضو في المجلس الأعلى للفتوى والمظالم.
موقع الفكر: ما أبرز التحديات التي تواجه العمل الخيري في موريتانيا؟
الأستاذ بونا عمر لي: اشتغلت كثيرا في العمل الخيري، وهو الذراع الاجتماعي للإسلام فهناك جهود خيرية معظمها جهود فردية والعمل الخيري المؤسسي لم يتأسس إلا بعد وجود الهيئات الخيرية الإسلامية القادمة من الخارج، مثل هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية التي كنت أشرف عليها، ومنها لجنة مسلمي إفريقيا في الكويت ومنها هيئة الأعمال الخيرية في الإمارات، وهيئة الدعوة الإسلامية في السودان، وهذه المنظمات هي من أطلق العمل الخيري في موريتانيا، وقبلها لم تكن جمعيات المجتمع المدني كثيرة، وقبل الحديث عن التحديات ينبغي الحديث عن الإنجازات لأن العمل الخيري حقق الكثير من الأعمال الخدمية مثل بناء المساجد وبناء المراكز الصحية وملاجئ الأيتام ،ودعم المحاظر وبعض المجالات الاستثمارية لصالح المحاظر ،وكان هذا العمل مؤثرا وكان له معنى في المجتمع ووجه المجتمع إلى أن يبذل في تنوع أو تنويع الجمعيات أو منظمات المجتمع المدني التي دخلت في الميدان ،وأصبحت تشارك في العمل الخيري، لكن من المشاكل الأساسية في هذا المجال نمو روح الاتكالية في كثير من الأوساط اعتمادا على الدعم الخارجي، وعلى المساعدات التي تأتي من الهيئات الخيرية ولم يتركز العمل على جمع التبرعات من المحسنين المحليين ،وهم لا يقلون غنى عن المحسنين في الخارج الذين يجمعون تبرعاتهم ويرسلونها إلى دول أخرى، تجد مثلا أناسا أغنياء قادرين على بناء مسجد لكنهم ينتظرون حتى يجدوا له تمويلا من الخارج، وهذا من المشاكل المطروحة ومن المفروض أن تتم التوعية حتى توجد تمويلات محلية تغطي المجالات التي يحتاج إليها الناس، ولكن روح الاعتماد على الغير ما تزال حتى الآن سائدة في كثير من الجمعيات، وكثير من حاجيات المجتمع معلقة انتظارا لقدوم ممول من الخارج، وينبغي أن تكون هناك جهود من المواطنين يستحثون فيها الأثرياء ورجال الخير فالناس تحب الخير ولكن تطبعها الفوضوية ،وهذه التجربة مرت بها الكثير من الدول الإسلامية قبل أن توجد الهيئات الخيرية في بلادها ،وتتوسع بعد ذلك إلى الخارج، ووجدوا كثيرا من المعاناة ،في بداية عملهم ولكن عن طريق الكثير من التوعية ونقل الصور المأساوية تعود الناس على بذل الخير ونحن أيضا لا ينبغي أن نعجز عن تحريك الساحة الخيرية من أجل توفير موارد خيرية تساعد الناس بدلا من الاعتماد على الخارج .
ومن تجارب العمل الخيري أن كثيرا من المساعدات تكون فردية فالهيئات الخيرية تريد أن تباشر الناس فعندما تمول مشروعا معينا لشخص ما حتى ولو كان في قرية يشعر الناس أن فلانا مول له بئر أو مسجد أو مستوصف ،وقد لا يشعر أهل القرية بالشراكة في المشروع ويتحول إلى مشروع شخصي، وبالتالي تقل قيمته على السكان وهذا من الأمور التي يجب تجاوزها ولأن المساعدة هي لسكان القرية فيجب التفاهم والتنسيق معهم.
والعمل الخيري كذلك يجب أن يتأسس على الخطة التنموية لكل بلد تعمل فيه المنظمات الخيرية فكثير من الحالات إذا لم تعتمد الخطة الوطنية للتنمية فإنك قد تعمل مشروعا في مكان ولا يكون ذا أولوية أو تكون الأولوية لمشروع آخر، وأعطيكم مثالا على العمل الخيري في موريتانيا فعندما تأسست هيئة الإغاثة الإسلامية مولوا لنا مستوصفا في نواكشوط، ونسقنا مع العمدة محمد محمود بن أماه واتصلنا بوزارة الصحة وطلبت منا أن نبنيه في مقاطعة عرفات، وكانت آنذاك مقاطعة خالية من السكان وقلنا إننا لا يمكن أن نبني مستوصفا في منطقة خالية من السكان وأن الممولين لن يقبلوا ولكن بعد عدة مشاورات قررنا بناءه في المنطقة التي قررت الوزارة وقبل سنة من اكتمال بنائه أحاط به السكان من كل جانب، ولذلك فالعمل يجب أن يعتمد الخطط الاستراتيجية للبلدان حتى تشعر الدول أن هذه الجمعيات جاءتها لكي تساعد في تنميتها، والمنظمات العاملة في إطار العمل الخيري يجب أن تنسق فيما بينها فإما أن تتوزع حسب المناطق ،وإما أن تتوزع حسب التخصصات، ولكن الذي يعتبر تحديا في هذا المجال هو أن الهيئات تتبع المتبرعين فإذا أرادوا بناء المساجد لا تستطيع صرفهم عنه أو إن أرادوا كفالة الأيتام لا تستطيع صرفهم عنها، فتضطر إلى السير في ركاب المتبرعين لأنه في كثير من الحالات لا يكون للهيئات الخيرية موراد مالية تتصرف فيها كما تريد ،فكل مشروع حصل على التمويل يتم تنفيذه وليسوا متحكمين في مسار تمويلات العمل الخيري، كذلك في إطار هذا التنسيق سيتم تحديد أولويات وإشراك الجهات المخططة في البلد لمعرفة التوجهات الاستراتيجية.
موقع الفكر: من المعلوم أنكم من المطالبين بكتابة البولارية واللغات الوطنية بالحرف العربي بل وكنتم المناضل في سبيل هذا ومن المعلوم أنها كتبت بالحرف اللاتيني فهل من سبيل إلى إعادة كتابتها بالحرف العربي؟
الأستاذ بونا عمر لي: هذا الموضوع كبير، وكتابة اللغات الوطنية كانت مطلبا من الستينات وكان الناس يلحون على كتابتها وحدثت تحركات إقليمية ودولية من أجل كتابتها ومن المعلوم أنه في السابق كان المشايخ والعلماء إذا أنتجوا عملا كتبوه بالحرف العربي ،ولكنه حرف غير منمط لأن الكتابة لم تكن منمطة ،فعقد مؤتمر باماكو لإقرار كتابة اللغات الإفريقية بالحرف اللاتيني برعاية اليونيسكو وكان في حزب الشعب من يطالب بكتابتها بالحرف العربي ولكن حزب الشعب ما اتخذ الوسائل اللازمة ولذلك كلفوا شخصا بأن يعد حرفا وما استطاع أن يعد شيئا ،فأصبح الأمر واقعا وبدأ الناس يكتبون بالحرف اللاتيني في مجمع باماكو وهناك حرف آخر لاتيني مع فروق بسيطة مقرر في القاهرة، وبقيت هذه الدوامة إلى أن قررت اللجنة العسكرية كتابة اللغات الوطنية بالحرف اللاتيني وفتحت مدارس تدرس بهذه اللغات طيلة المرحلة الابتدائية وطبعت بها كتب واكتتب معلمون للتدريس بها وأنشأ معهد اللغات الوطنية وأصبح مكسبا من المكاسب ،وتأخر وجود الخط العربي المنمط، وأنجزت منظمة الإيسيسكو في مرحلة التسعينات حرفا وسمته الحرف القرءاني ليكون أكثر قبولا عند الناس، وزادوا فيه بعض النقط لكي تستطيع أن تنطق الحرف الأعجمي وهو حرف صعب، ولكن من تعلمه يمكن أن يكتب به والذي لا يثير الحساسيات هو نشر الحرف العربي، وتعليم الكتابة به وترك الحرف اللاتيني الذي سبق وأن أقر قانونيا.
موقع الفكر: من المعروف أنكم من الشعراء المجيدين فما هي الأغراض التي تناولتم وهل طبعت لكم دواوين وهلا قرأتم لنا بعض نصوصكم؟
الأستاذ بونا عمر لي: بالنسبة للشعر لدي محاولات في المديح والرثاء والمناسبات والعمل الخيري وطبع اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين لي ديوانا وسأكتفي بإيراد هذا النص في غرض المديح :
قصيدة تحت عنوان يا ربيع القلوب:
أقبل البشر مؤنسا وجمالا واكتسى الكون بهجة وكمالا
وزها المزن ذو البروق رجاء حملته السما سحابا ثقــــــالا
فجرت في الأرض اليبوس سيولا وارتمت في أحضانها شلالا
وانتشى الجو في الحياة رخاء وانتقى من زهو الوجود خصالا
وانبرى في الروض الحمام يغني منشدا عن أوكار عشق دلالا
فرأيت الأخلاق ترقص نشوى لست أدري فما تبين مقالا
فاستعدت التفكير وانبسط الكـــــــــون جوابا وما طرحت سؤالا
فإن الأنس ضاحك مستفيض وإذا الطالع السعيد تلالا
وإذا بالأرجاء تزخر نورا وإذا المجد قد تعالى جلالا
وإذا بالأحباب راحوا عشيا في حبور يستشرفون هلالا
وأنا ذرة صغير ولكن أنتمي للحضن الفسيح مجالا
يا جمال الوجود إنك روض تتملى فيك القلوب نوالا
كنت ميلاد خير عهد تناءى غير أن الذكرى تشف وصالا
قد حملت البشرى سعيدا فلما حملتك البشرى هدمت ضلالا
يا ربيع القلوب أنت ضياء ورجاء يسجي ويضفي ظلالا
يهتدي الكون فيك يذكر عهدا كان للعالم الودود مثالا
يهتدي فيك حين يذكر قوما زلزلوا الأرض بالهدى زلزالا
يهتدي فيك حين يذكر جوا أخويا يبنى الحياة رجالا
فهنيئا للكون ميلاد أمن وأمان فلا يخاف زوالا
وسيبقى للعاشقين رجاء وسيبقى رمز الرشاد نضالا
فلنقف ها هنا لنلتزم الصمــــت حياء وليس منا مـــــلالا
فلنق الرصيد في الحب صفرا لم نعد بعد ننجب الأشبالا
لم يعد همنا تقصي خطاهم أم نربي على الهدى أجيالا
فلنقف ها هنا نصلي صلاة وسلاما على الحبيب امتثالا
عل تلك الصلاة تجمع شملا تنسج الود في القلوب حبالا
يومها تنهض الشعوب وفاء تستحيل الأقوال منها فعالا
فيعيد التاريخ دورة رشد بعد قهر لكي يؤول سجالا
ثم نهدي تلك الصلاة اعتذارا تشمل الصحب أجمعين وآلا
موقع الفكر: يعرف عنكم من أوائل حملة المشروع الإسلامي وقادته وركائز الجمعية الثقافية الإسلامية فهل يمكن أن تحدثونا عن تلك التجربة وما لاقته من صعوبات؟.
الأستاذ بونا عمر لي: صحيح أني كنت من المشاركين في النشاط الإسلامي والدعوي، ويذكر دور وجهد الشيخ العلامة بداه بن البوصيري عليه رحمة الله من خلال منبره ودرسه اللذين فتحا آفاقا واسعة أمام الشباب ،ليهتموا بتطبيق الإسلام وقضيته وفي تلك الفترة كانت المساجد قليلة وجمهورها قليل فلا تكاد تجد مسجدا يكتمل فيه صف واحد؛ لأن الناس لم تكن تهتم بالمساجد ولكن مع بداية العمل تحت مظلة التوجيهات العامة التي يعطيها الإمام بداه بن البوصيري ،ومن خلال المراكز الثقافية العربية الموجودة في نواكشوط ومن خلال بعض الخريجين العائدين تكون وعي ويقظة تنبه إلى ضرورة اليقظة والانتباه؛ لأن الإسلام أصبح يحارب وأن الناس لم يعودوا يهتمون بالإسلام كثيرا لكثرة التيارات السياسية من اليسار واليمين والتيار القومي ،وهي تيارات لها مشروع ينافي الإسلام وهذا شكل تحديا ولكن في نفس الوقت شكل عاملا مغذيا فهجمات الحركات السياسية أعطت دفعا وحماسا للدفاع عن الإسلام ،وتنبه كثير من الناس إلى بعض المخاطر التي تهدد الوجود الإسلامي ،ثم جاء تشكيل الجمعية الثقافية الإسلامية فوجد الشباب المتحرك آنذاك سندا قانونيا وإطارا شرعيا يتحركون من خلاله ،وقامت الجمعية بأعمال إسلامية جليلة و كثيرة على الرغم من قلة الوسائل ،وإنما كانت تعتمد فقط على جهود بعض رجال الأعمال الطيبين كالأستاذ عبدو محم ومولاي بن الغرابي وغيرهم ،ومحمد عبد الله بن الخرشي ومحمد عبد الرحمن بن عمار ومحمد المختار بن عبد الدائم ومجموعة لا يمكنني أن أحصرهم ،وكانوا هم من يدعم جهود الجمعية واستطاعت الجمعية أن تنشئ فروعا في الداخل فأوفدت بعثات إلى الولايات الداخلية ،ووجدت دعما قويا من الحكومة إذ صدرت توصية من وزارة الداخلية تفيد باستقبال بعثات الجمعية وشكل ذلك دعما لنشاط الجمعية ،وكانت الجمعية في نشاطها تواجه التيارات التي تشوه الإسلام ،وحققت إنجازات فأيقظت الناس ونشرت الوعي في صفوفهم.
ولا يخلو أي عمل من تحديات ونواقص، ومن ذلك نقص الوسائل وحداثة التجربة لأن الجمعيات الإسلامية ما كانت كثيرة وبالتالي كانت هذه الجمعية هي الجمعية الرئيسية في موريتانيا ،وانضم إليها المهتمون بالشأن الإسلامي من كل المناطق، وكان يتبع للجمعية بعض النوادي منها نادي عائشة ونادي مصعب بن عمير، وهذه النوادي عملت عملا كبيرا في مجال نشر الصحوة الإسلامية بين الشباب ،وكان لا بد أن تقع بعض الإشكالات نظرا للتضارب بين حماس الشباب وحكمة الشيوخ، فقد كان الشيوخ ينهجون نهج التريث وعدم التعجل ووقعت بعض الخلافات بسبب تسيير النوادي في حدود 1993م. أو 1994م. من حيث الاستقلالية وحرية التصرف وتلك النقاشات كادت أن تؤدي إلى نوع من الصدام ،ولكن المشاكل تولدت بعد ظهور الحياة الديمقراطية وظهور المعارضة، وانقسام الناس وتسبب ذلك في إلغاء الجمعية واعتقالات 1994م.
ولكن في التقييم العام يمكن أن أقول إن الجمعية حققت 200% من أهدافها ،وفي الحقيقة ما كان الناس يتوقعون خلال هذه الفترة الوجيزة أن يصل صوت الإسلام بهذه السرعة ،حتى إن جميع التيارات السياسية أصبحت مندمجة في إطار النشاط الإسلامي ،واعتبار الإسلام واستحضاره في خطاباتهم، وفي كل المجالات أثناء تلك الفترة والديمقراطية هي التي غذتها.
موقع الفكر ما أصل تسمية البولار وما الفرق بينهم وبين الفلان؟
الأستاذ بونا عمر لي: بالنسبة للسؤال المتعلق بالتسميات فإن اسم "بولار" تطلق على اللغة والشعب فلوي والواحد منهم بوله، والمتكلمون باللغة البولارية تطلق عليهم "هال بولار" ومعناه تكلم باللغة البولارية ،ويقال إن سبب هذه التسمية أنه حينما كان للبولار دولة قوية كانوا يقولون لمن يدخل حيزهم الترابي هال بولار، وأصبح يطلق على كل من يتكلم البولارية، سواء من كان من أصول بولارية أو من غير أصول بولارية، وإن تخصص بعد ذلك فأصبح مصطلح بوله يشير إلى الرعاة، ولكن هذا هو الأصل وإن كان هناك تسميات أخرى ك"تورودو" وهم الزوايا المختصون في نشر العلوم، وهناك أيضا مصطلح "التكرور" ويطلق على القبائل التي كانت تدخل في حيز دولة التكرور التي سادت في المنطقة لفترة من الزمن، وداخل مجتمع الفلان توجد اختصاصات وظيفية فقبائل بوله تطلق خاصة على الرعاة وقبائل تورودو تطلق على الزوايا وهناك قبائل مختصة بالصيد وأخرى تختص بالنجارة والحدادة.
موقع الفكر: من أين جاء الفلان وماأنسابهم وأصولهم التاريخية؟
الأستاذ بونا عمر لي : من حيث التاريخ يختلف الدارسون والمؤخرون حول أصول وتاريخ الفلان ،فمن يذهب بهم إلى أنهم كانوا يسكنون منطقة طور سينا، وحتى إنهم يجدون لها اسما داخل اللغة فيقولون إن أصل الكلمة طور سيني، بمعنى ذبح الأبقار وكما تعلمون فحيث ما وجد الفلان يوجد البقر ،وحيثما وجد البقر يوجد الفلان؛ وبالتالي فمن المؤرخين من يعتقد أنهم جاؤوا من هناك وحتى كلمة تور مأخوذة من كلمة طور ،ومما كان يجمع عليه الباحثون أنهم من السكان القدامى لمصر القديمة وينتشرون في بلاد النوبة وغيرها من المناطق وبعد ذلك جاءت هجراتهم إلى بقية إفريقيا ،حتى إذا وصلوا إلى منطقة فوتا سموها باسم فوتا، تورو ومنها تفرقت القبائل الفلانية إلى فوتا تورو وفوتو ماسينا وفوتا جالون في غينيا والكامرون ،ويوجد الآن الفلان في أكثر من عشرين دولة ويتكلمون البولارية مع اختلاف بعض اللهجات، وفوتا تورو هي الأصل وتقع حاليا جنوب موريتانيا وشمال السنغال وتبدأ من منطقة "دغانا "في السنغال إلى منطقة والو وفي موريتانيا من كوري إلى باكل ومن حيث النسبة والأنساب فإن الشيخ آلفا هاشمي تال الذي كان مجاورا في المدينة المنورة وهو ابن أخي الحاج عمر تال يقول إن الفلان من ذرية جعفر بن أبي طالب، ويقول عبد الله بن فوديو وهو أخو الإمام عثمان بن فوديو مؤسس الدولة الإسلامية في نيجيريا إن "تورودو" من نسل إسحاق بن إبراهيم وذكر في تفسيره للقرءان عند قوله تعالى: "وجعلها كلمة باقية في عقبه" الحمد لله الذي جعلنا من ذريته حيث لا يخلو عصر ممن يقوم من ذريته بنشر الحق والخير، وهناك بعض القبائل منهم تنتسب إلى قريش لأن عقبة بن نافع تزوج امرأة من الفلان وأنجب منها ،وكما قال عبد الله بن فوديو فإن تورودو أخوال الفلان الذين جاءت بعض قبائلهم من عقبة بن نافع وبعضها من جعفر بن أبي طالب، كما قال آلفا هاشمي تال إلى آخره .وهناك رواية أخرى تعتبر أن الفلان أخوال العرب لأن أم إسماعيل منهم من بلاد النوبة وهناك قول غريب بأنه من يهود وهذا القول يستند إلى قول عبد الله بن فوديو بأنهم من أبناء إسحاق وهو لا يدل على أنهم يهود لأن إبراهيم عليه السلام ما كان يهوديا ولا نصرانيا، والأقوال تتداخل ولا يستبعد شيء في أنساب الناس عبر التاريخ، لأنك إذا تتبعت أنساب الناس فإنك سترجع بهم جميعا إلى آدم وحواء ،ولكن من أين تفرع هؤلاء وهؤلاء؟ وإذن لا يستغرب ورود أي نسبة من أي جهة كانت لأنها واردة ومحتملة لأننا نؤمن بأن الأصل البشري آدم وحواء ولكن كل ما ذكر محتمل.
موقع الفكر ما هو دور الفلان في نشر اللغة العربية ؟
الأستاذ بونا عمر لي : بالنسبة لدور الفلان في نشر اللغة العربية قديما وحديثا، نشير إلى أن الفلان كانوا من جنود المرابطين فمن المعروف تاريخيا أن "ليبي واري جابي" كان قائدا فلانيا وكان يقاتل إلى جانب أبي بكر بن عمر واستشهد هو ومجموعة من مقاتليه في معارك المرابطين بآدرار، وبعد ذلك نقل الفلان العلم من الصحراء إلى جنوب موريتانيا والمناطق المجاورة عن طريق الدعوة والمحاظر والتجار ،فوصل الإسلام إلى مناطق السنغال ومالي وغينيا وغامبيا وفي هذه البلدان عندما تسأل عن سبب دخول الناس في الإسلام تجد أثرا للفلان ،وأقاموا دولا إسلامية ففي منطقة فوتا تورو أقاموا الدولة الإمامية عام 1776م واستمرت إلى أن قضى عليها الاستعمار كما أقاموا دولة إمامية في ماسينا وهي دولة إسلامية تعمل بالإسلام وتطبق الشريعة الإسلامية كما أقاموا دولة إسلامية في غينيا، وفي نيجيريا أسس عثمان بن فوديو دولة إسلامية وما زالت آثاره موجودة في نيجيريا والنيجر ونقلوا المتون من مضارب العلم في اترارزه وغيرها ،وإذا ذكرنا مدرسة أهل العاقل فإننا نذكر علماء أجلاء من الفلان درسوا في هذه المحظرة وتخرجوا منها كتفسير آمادو، وهناك من يقول إن الإمام عبد القادر كان ممن تخرج منها إلا أن الشيخ موسى كمرا ينفي ذلك ويقول إن الذي درس عند أهل العاقل ونقل العلوم بشتى فنونها هو تفسير أحمد إبراهيم با، وهو الذي قالت فيه خديجة بنت العاقل كما روى الشيخ منتقى تال في كتابه الجواهر والدرر لو أن للعلم نورا حسيا لأضاء كل مكان حل به هذا الفلاني، وهو شيخ الحاج عمر الفوتي ولما لاحظ العلماء ضمور المستوى العلمي في فوتا بعد جهاد الحاج عمر الفوتي في مالي واستشهاد أغلب أهل العلم معه في معارك مالي انبرى عالمان مهمان جدا هما آمادو مختار آن وآمادو مختار صو لتعلم العلم على يد الحارث بن محنض الشقروي حتى استرجعا جميع النصوص في كل الفنون في البلاغة والمنطق والنحو والأصول فاسترجعوا مستويات جيل الحاج عمر الفوتي ،وأسسوا مدارسهما ودرسا فيها المنطق ونشرا العلوم وأعادوها وكان الشيخ آمادو مختار آن في كيدي نم وكان الشيخ أحمد مختار صار في بوغي وأنشأ محظرة وكان من كبار القضاة، وهذا من التاريخ الذي ينبغي ذكره والذي يبين ما لعلماء الفلان من دور في نشر الإسلام من خلال الدعوة ومن خلال المحظرة التي نشروا لها علوما كادت أن تنقرض ،ولكنهم استعادوها عن طريق المحظرة الشقروية ،وفي العصر الحديث ما تزال المحاظر موجودة والأئمة منهم و كل أمراء المناطق في نيجيريا منهم وبما أنهم مرتبطون بالتنمية فهم يحملون معهم أخلاقهم ودينهم أينما حلوا وارتحلوا في نشر الإسلام ،وفي العصر الحالي نذكر مثالا قريبا تجنبا للإطالة، الحاج محمود با ولما تخرج من المملكة العربية السعودية ورجع إلى موريتانيا أسس مدرسته الأولى عام 1941م. في جويل ثم لما ضاق المجال هناك توسع وذهب إلى بعض الدول الإفريقية ونشر فيها اللغة العربية والإسلام فانتقل إلى السنغال ومالي وتجول في إفريقيا، وأنشأ مدارس في السنغال ومالي وليبيريا وفي الغابون والكونغو والكاميرون تدرس اللغة العربية والإسلام وجعلها ذات نمط تجديدي حديث تتجاوز أساليب المحظرة ورفع من مستويات الطلاب وكذلك المشايخ وفتح لهم المجال للالتحاق بالمدارس والجامعات بالمملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية.
وكان الرئيس المرحوم المختار في زيارة للكاميرون ومعه محمود صابمولي فأراد الرئيس الكاميروني أن يشرفه بزيارة المدارس العربية لأن المختار كان من زعماء الدول العربية ولما أخبر الرئيس الكامروني المختار بأن هذه المدارس من تأسيس الحاج محمود باه طلب المختار من الحاج الرجوع إلى موريتانيا وعينه مفتشا عاما للغة العربية في موريتانيا ثم عين مستشارا للشؤون الإسلامية برئاسة الجمهورية.
موقع الفكر: هل ما زالت العبودية موجودة في موريتانيا ؟ أم توجد آثارها فقط؟
الأستاذ بونا عمر لي : بالنسبة لموضوع الرق حسب السؤال المتعلق هل هو موجود أم لم يعد موجودا أعتقد أن الجميع اقتنع بأنه انتهى ولم يعد أحد يشك في أنه انتهى تشريعيا وقانونيا وقضائيا وحتى قبل الاستقلال كان المستعمر الفرنسي يحذر من ذلك بعد أن مارسه فترة طويلة، وبعد الاستقلال كان الدستور الموريتاني ينص على التساوي والحرية إلى آخره وكان الناس يتعاملون معه على استحياء بسبب النظر إلى الظروف الاجتماعية وقناعات المجتمع الموريتاني ،ولا الإجراءات القانونية وحدها تكفي وفي سنة 1981م. ألغي الرق وهو ما أتاح للناس أن يعبروا بصراحة عما يكنونه في أنفسهم من كراهية لاستمرارية الرق ومن كراهية التعامل مع الظاهرة ولما ألغي الرق كانت هناك فقرات أخرى شوشت على القرار وفي سنة 2007م. صدر قانون يجرم من يمارس الرق، ولم يكتف بذلك بل جرم الرق على مستوى الدستور واتخذت إجراءات لتنزيل القانون على أرض الواقع وأنشئت محاكم لمحاكمة من يمارس الرق وكلفت منظمات المجتمع المدني بمناصرة الذين يتعرضون لمثل هذه الممارسات ،وفي هذا المعنى يعتبر انتهى في موريتانيا والذي يمارس منه قضية مجرمة والقانون ينتظره، وكما يقول العلماء فإن منع الشيء لا يمنع حدوثه وبالتالي فإذا قلت إنها انتهت فقد انتهت وإذا قلت إنها لم تنته ويمارسه بعضها الناس فإنهم يمارسون أمرا مجرما بالقانون كما نلاحظ المحرمات التي حرمها الشرع كالزنا والربا والخمر ومع ذلك ما يزال بعض الناس يمارسها ومعنى ذلك أن تحريم الشيء لا يعني عدم وقوعه ،ولكن وضعت له آليات لردع مرتكبيه.
والعبودية التي تتحدث عنها الأمم المتحدة لا تعني الحالات التقليدية التي يعرفها الناس من أن فلانا يملك فلانا ويمكنه أن يبيعه ،وإنما الحديث عن حالات من العبودية الجديدة التي توجد منها عشرات الآلاف سنويا في الدول العظمى مثل استغلال الإنسان وتشغيل الأطفال وهضم حقوق الناس وهذه أنماط يحاربها العالم كله ونحن جزء من العالم، وأما ما كان موجودا من الظاهرة التقليدية فانتهى نهائيا ولم يعد له من وجود ،وبقيت مخلفات الفترة التي تعرض لها الأرقاء السابقون، والتراكمات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية لا بد أ ن تمتص ولا بد من تعامل الجميع من أجل إزالتها ومحو آثارها في مجتمعات المسلمين وإعطاء الحقوق ووضع علاقات الناس على أسس قانونية سليمة ،حيث إن الإنسان إن كان يعمل معه شخص آخر فيجب أن يكون على أساس عقد وليس على أثر قديم له علاقة بالعبودية ، وحتى لو لم يكن بين الشخصين علاقة سابقة فإن من يشغل إنسانا دون عقد يعتبر اليوم كمن يمارس نوعا من العبودية.
ولإنهاء الرق كذلك أنشأت الدولة وكالة تآزر ومولتها تمويلات كبيرة من أجل امتصاص هذه المخلفات ومن أجل رفع مستوى القرى التي عانت من التهميش والفقر والجهل وهذا يحتاج إلى وقت وإلى تضافر جهود الجميع ،وليس جهود الدولة فقط، بل جهود الأحياء والأسر وجهود منظمات المجتمع المدني وجهود الأئمة والعلماء من أجل إزالة الآثار التي خلفتها فترات العبودية الطويلة في موريتانيا.
وهنا أنبه العلماء والسادة المهتمين بالشأن العلمي الديني أن يتحروا الدقة في هذه النصوص التي بين أيدي الناس، فهناك نصوص فقهية تتحدث عن الرق والعبودية في فترات تاريخية ماضية ،عندما كان الرق شائعا يمارس كان الفقهاء يجتهدونفي التعامل مع ذاك الواقع.
والإسلام وضع قواعد للتخلص من العبودية ولكن التوجيهات الإسلامية لم تستمر مع مرور التاريخ لوقوع انحرافات ومشاكل كثيرة ولكن المنهج الإسلامي هو القضاء على العبودية وقد قضي عليها نهائيا الآن وانتهت.
وأنت إذا أردت أن تحارب مسألة من المسائل فلا بد أن تذكرها ولذلك ذكر القرءان الكريم العبودية في كثير من المرات ،وسمى الأشياء بأسمائها حتى يتم التعامل معها ولذلك تجد التحرير من فك الرقبة والعتق والتحرير، ولكن يجب أن نعرف أن الأحكام التي كانت ترد فيها لم يعد لها واقع تسقط عليه، ولذلك ينبغي على كل من يدرس هذه النصوص أن ينبه الناس إلى أن هذه الأحكام كانت تعني فترة من الزمن وقد انتهت هذه الفترة ،وبالتالي فالحكم موجود ولكن لا واقع له لأن الإسلام كان يهدف إلى إنهاء هذه الظاهرة واختفائها وقد حصل ما كان يريد ،وينبغي أن يراعى ذلك في مجال العدد ومجال الميراث وإمامة الجمعة وبالتالي فإن العالم الذي يدرس هذه الأحكام يلزمه بيان أن هذه الأحكام لا تتعلق بموجود اليوم.
وكان الإسلام يهدف إلى إنهاء الظاهرة وانتهت ولله الحمد ،وهذا التنبيه ضروري من أجل إزالة الحساسيات وإقحام بعض الناس في مشاكل لا معنى لها وحروب ثانوية لا أصل لها ،والشرع كان واضحا له مرحلة تخص مقيد الحرية ومرحلة تخص مطلق الحرية ولذلك الشرع كان عادلا في المسألة وهي ظاهرة كان يمكن أن تقع لأي من الناس، وقد وقعت ليوسف عليه السلام ووقعت على العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقعت على أبي العاص بن الربيع زوج ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وهي ظاهرة كانت عابرة وانتهينا منها نحمد الله على ذلك ونتعاون لغسل آثارها وتطهير ما في النفوس وإيجاد الأخوة والتراحم لمحاصرة الخطابات المتطرفة حتى لا ننقل المشاكل والقلائل إلى الأجيال ونعكر عليها صفوها بدون فائدة كبيرة.
موقع الفكر: هل من كلمة أخيرة؟
الأستاذ بونا عمر لي : أحب أن أذكر المواطنين بأهمية تلاحم المجتمع واتخاذ كل الوسائل لتوفير الاستقرار وإشاعة الأخوة بين الناس والمجتمع ولله الحمد مسلم 100% ، والله سبحانه وتعالى وصف المؤمنين بأنهم إخوة وتنمية هذه الأخوة هي التي تضمن التعايش السلمي والانسجام في المجتمع والتعاون على البر والتقوى وأمام كل مواطن مسؤولية روح الوحدة ومحاربة أفكار التفرقة وخطاب الكراهية وأن المجتمع بكامله مدعو إلى أن يأخذ على يد من يريد أن يخرب المجتمع وأن يتعاونوا في كف الشر ونشر الخير لأنه كما صور النبي الله صلى الله عليه وسلم المجتمع بأنه مثل ركاب السفينة أو كما قال صلى الله عليه وسلم ، فلو أراد بعض الناس أن يأخذ الماء من أسفل السفينة ولو كان عن حسن نية لهلك الجميع وحسن النية لا يستخدم في المحرمات، فكما يجب الأخذ على يد من أراد خرق السفينة حتى يسلم من فوقها ومن تحتهم فكذلك يجب تضافر الجهود في هذا المعنى لكي تتحقق التوجيهات النبوية في هذا المجال ،وهذه نصيحتي وعلينا أن نتعاون فنحن أمام تحديات كبيرة داخلية وخارجية، ونأخذ على أيد الذين يريدون أن يفسدوا ويغرقوا هذه السفينة ،وكل شيء يتم عبر التعليم فلنصلح التعليم فإذا وجدت المشاكل المتكررة فيما يتعلق باللغات والترجمة فالفشل فيها يعود إلى فشل إصلاحاتنا التربوية المرتجلة منذ 60 سنة ،فهي إصلاحات مرتجلة تمكث ست أو سبع سنوات ثم تلغى والإصلاح هو الذي يضمن لنا وجود مدرسة جمهورية يشترك فيها جميع الناس ويتعلمون فيها جميع لغاتهم لكي يحصل التفاهم بينهم ،حتى لا يحتاجو إلى مترجمين بينهم، إذن فالمسؤولية كلها تتعلق بإصلاح التعليم.