الفكر(نواكشوط) في إطار مواكبة موقع الفكر لمجريات الساحة الوطنية، وسعيا منا إلى إطلاع متابعينا الكرام على تفاصيل الأحداث، بتحليل متوازن، ونقاش متبصر، نلتقي اليوم مع أحد المهندسين الموريتانيين، ممن عايشوا واقع الزراعة بموريتانيا، فكان من رواده الذين واكبوها طلية السنوات الماضية، نحاوره ونستجلي من خلاله ما وراء الخبر، في لقاء شامل حول واقع الزراعة بموريتانيا، إضافة إلى المشاكل التي تعترض العملية الزراعية بموريتانيا وتعيق مخرجاتها عن بلوغ الأهداف المنشودة حيث نصل إلى واقع الاكتفاء الذاتي في مجال الغذاء ونحقق الأمن الغذائي المطلوب
فأهلا وسهلا بضيفنا الكبير المهندس الزراعي شيخنا بن البشير.
موقع الفكر: حدثنا عن واقع الزراعة في موريتانيا؟
المهندس الزراعي شيخنا بن البشير: مرت الزراعة في موريتانيا بثلاثة مراحل المرحلة الأولى كانت تمتاز بالزراعة التقليدية أو الزراعة الفيضية والمرحلة الثانية مرحلة السبعينات مع إنشاء سدود "جاما" و"مانتالي" و"فم لكليته" وهي مرحلة امتازت بالتوسع في مجال الزراعة المروية والمرحلة الثالثة ولأخيرة وهي التي نشاهدها الآن وهي مرحلة التأسيس للزراعة شبه الحديثة وهي مرحلة تمزج بين الزراعة المروية في منطقة النهر والزراعة المطرية خارج ولايات الضفة.
وفي المرحلة الأخيرة شهدت الزراعة المروية تطورا كبيرا خاصة على مستوى ولاية اترارزه وذلك بوصول المرحلة الأخيرة إلى أرقام تتراوح ما بين 30 إلى 70 ألف هكتار ما بين الحملتين ووصلت أعداد مصانع تقشير الأرز إلى 12 مصنعا على مستوى مدينة روصو وتحقيق نسبة لا بأس بها في مجال الاكتفاء الذاتي بلغت نسبة 85%.
أما بالنسبة للزراعة المطرية فما زالت للأسف تعاني من اختلالات كبيرة من أهمها الاختلال على مستوى البذور المحسنة فلدينا فيها إشكالات وكذلك الري التكميلي ما زالت فيه إشكالات هو الآخر، كما أن إدخال المكننة الزراعية في الزراعة المطرية ما يزال يواجه بعض التحديات، وأعتقد أن الدولة عاكفة على إجراء بعض التعديلات على هذه الزراعة من أجل أن تحذو حذو الزراعة المروية.
موقع الفكر :ما حجم الزراعة المرتبطة بواحات النخيل؟
المهندس شيخنا بن البشير : فيما يتعلق بالزراعة تحت الواحات لم نصنفها وهي زراعة قديمة عرفها الموريتانيون من قديم الزمان واشتهرت في ولايتي تكانت وآدرار وتلعب دورا خاصا في موسم الكيطنة وانتشرت في ولاية آدرار خاصة زراعة الخضروات تحت النخيل وهذه الزراعة تزود بعض المدن بالخضروات في فترة حصاد الخضروات.
وعند المقارنة بين الزراعة المروية والزراعة المطرية فإن الزراعة المروية ركزت على الأرز والخضروات، وأما الزراعة المطرية فركزت على الحبوب التقليدية كالذرة والذرة الشامية، وكذلك اللوبيا أو المحاصيل التقليدية المحلية ويمكن قياس مدى الاستثمار في الزراعة المروية نسبة إلى المساحة المروية وهو متذبذب ما بين حدود اثني عشر مليار أوقية أو أكثر حسب المواسم، وهذه الزراعة لديها بعض الإكراهات خاصة في السنوات الأخيرة مع عدم توفر الحاصدات، وقد حدث توسع كبير في هذه الزراعة ولم يرافقه توسع على مستوى الآليات الزراعية وكذلك غياب الإرشاد الزراعي.
والإرشاد تواجه الدولة فيه بعض الإشكال فولاية ترارزه مثلا تحتوي على ثلاثين ألف هكتار مروية ويحقق الإرشاد الزراعي فيها نسبة 25% فقط من الإرشاد الزراعي.
أما الزراعة المطرية فهي عبارة عن الزراعة التقليدية فهي لا تعتمد على إدخال التقنيات الحديثة فيلجأ إليها السكان المحليون خلال فتراتها وخارج فتراتها يمارسون التنمية أو التجارة ثم يعودون إليها في فترتها وبالتالي من الصعب تقويم حجم الاستثمار فيها فربما تتداخل معها أنشطة أخرى.
موقع الفكر : ما حجم الأراضي الصالحة للزراعة في موريتانيا؟
المهندس شيخنا بن البشير : بالنسبة للأرض الصالحة للزراعة لدينا 150 ألف هكتار في منطقة الضفة، أما بالنسبة للزراعة المطرية فلدينا حدود 200 ألف هكتار، والمستغل في الوقت الحالي من الضفة في حدود 20 إلى 25 % وما تزال لدينا فرص للتوسع أما بالنسبة للزراعة المطرية فإذا لم يجر تحسين للمدخلات على مستوى البذور المحسنة ودعمها بالري التكميلي ودعهما بآليات زراعية فسيظل العائد المتوقع منها قليل جدا وبالتالي ينبغي التركيز على دعم هذه الزراعة والتركيز عليها من أجل إلحاقها بعائد مقبول يسمح باستمراريتها وعدم تراجعها لصالح قطاعات أخرى.
موقع الفكر: ما التحسينات التي تطالبون بإدخالها بالنسبة للبذور؟
المهندس شيخنا بن البشير: في العادة يستخدم المزارعون بذورا من محاصيلهم التي حصدوا ويتركونها بذورا للعام الحالي، والبذور التي ينبغي أن تستخدم هي بذور معتمدة من قبل أحد مراكز البحوث الزراعية أو مراكز إكثار البذور وهذه المراكز تعطي في العادة الجيل الأول والجيل الثاني وبذور القاعدة وهي بذور تضمن إعطاء إنتاجية كبيرة فمثلا عندما نستخدم البذور التقليدية في زراعة الذرة نحصل على طن للهكتار الواحد أما عندما نستخدم البذور المحسنة فنحصل على ثلاثة أو أربعة أطنان للهكتار الواحد وهذا فارق كبير.
والري التكميلي أثبتت الدراسات أنه يزيد الإنتاجية بنسبة 20% وطريقته بسيطة وهي عمل أحواض بجانب المزارع وتوضع عليها مضخات تقليدية بحيث تروى ريا تكميليا في فترة الإزهار وهذه الطريقة معتمدة في النيجر وتشاد المجاورتين.
وبالنسبة للآليات الزراعية ، فالحراثة التقليدية تنهك المزارعين وتسبب لهم أضرارا جسمية كبيرة بينما يمكن للمندوبيات الجهوية اقتناء بعض الآليات للقيام بعملية الحراثة وهي لا تكلف شيئا كما أنها توفر الوقت.
وبالنسبة لعملية الإرشاد الزراعي فيجب على المندوبيات الزراعية أن توجد مرشدين زراعيين يعملون على بدء الحملة الزراعية في وقتها وانتهائها في وقتها وضمان سير الأمور حسب سير الورقة الفنية المعتمدة لكل محصول.
موقع الفكر: هل تقصدون عملية البذر الجوية؟
المهندس شيخنا بن البشير : البذر يستخدم عادة في الغابات وفي المحاصيل الحرجية أما بالنسبة لمحاصيل الحبوب فلدينا بذارات تركب على الجرارات وهي عبارة عن آلة تركب على جرار وهي عملية سهلة ويقوم الجرار بالبذر على خطوط وهي عملية تسهل العمليات الزراعية الأخرى من تعشيب وتسميد إلى آخره.
موقع الفكر: هل ترون أن هناك سياسة واضحة في تسويق المنتوجات الزراعية؟
المهندس شيخنا بن البشير: تسويق المنتجات الزراعية خاصة بالنسبة للزراعة المروية مر بمرحلتين كانت الدولة تشتري المنتج وتوقفت هذه المرحلة سنة 2015 أو 2016 وكانت تواجه مشكل الجودة فالمزارعون يوردون للدولة محاصيل غير مطابقة للمعايير خاصة في الأرز مما يؤدي إلى تعفن المحاصيل في المخازن، وبالتالي كانت الشركة المسؤولة عن شراء هذه المحاصيل تتعرض للخسائر ولذلك عدلت عن شراء المحاصيل وأصبحت مصانع تقشير الأرز هي من يشتريها من المزارعين وضمنت جودة أكبر ولكن المزارعين أصبحوا تحت رحمة أصحاب المصانع الذين يحددون الأسعار حسب قانون العرض والطلب بل أصبح صغار المزارعين يعملون لصالح أصحاب بعض المصانع وهو ما يضطرهم للبيع بالسعر الذي يعرضه المصنع ، وهذه إشكالية أخرى يعاني منها التسويق.
بالنسبة للزراعة المطرية كمية الإنتاج ليست كبيرة بالشكل الذي يطرح إشكالية في التسويق فمعظمها يذهب للاستهلاك المنزلي للأسرة وما بقي من المنتج تستوعبه الأسواق المحلية بسرعة مقارنة بمحصول الأرز الذي يحصد بكم وفير في وقت وجيز وبالتالي يشكل ضغطا على السوق، وعموما يتراوح سعر الطن الخام من الأرز الجيد في العشر سنوات الأخيرة من 80 ألف أوقية إلى 90 ألف أوقية قديمة وفي أيامنا الحالية تراوح من 110 ألف إلى 120 ألف أوقية قديمة.
موقع الفكر: عانت الزراعة من سوء الحكامة فبعض الأراضي المستصلحة لا تنجح وبعض المزارع لا تعطي النتائج المرجوة منها، هل يمكن أن تعطونا أمثلة على هذا؟
المهندس شيخنا بن البشير : أكبر الاختلالات التي تواجه الزراعة في موريتانيا هي غياب سياسة زراعية رشيدة وخطة زراعية تنموية واضحة الملامح. فالخطط الزراعية يجب أن تكون خططا خمسية أو عشرية مستمرة ومهما تغير المسؤول عن القطاع يظل القطاع مستمرا في الخطة لتقويمها وإعطاء النتائج ولكن إشكاليتنا في موريتانيا اضطراب سياسات القطاع الزراعي والتغير الفجائي والمستمر في توجه القطاع و وعليه فإن هذا يؤدي إلى غياب سياسة زراعية محكمة وهو ما يؤدي إلى عملية لا أقول إنها فوضية ولكنها تمثل شبه عدم انتظام في القطاع.
والمشاريع الزراعية واجهتها إشكاليتان.
وهناك نوعان من المشاريع الزراعية نوع يتبع لوزارة التنمية الريفية وعددها عشر ة مشاريع وهي ممولة بهبات أو قروض من طرف المانحين الدوليين ونقول للأسف إن لديها سيارات رباعية الدفع ومكاتب في نواكشوط وفي الداخل لا نشاهد شيئا وبالتالي لا أقول إنها مشاريع على الورق ولكن تأثيرها محدود مقارنة بميزانياتها الضخمة .
فوزارة التنمية الريفية كما قلت سابقا تتبع لها عشر مشاريع وقليل منها من لديه تأثير ملموس في الداخل ويجب التنبه لهذا وأعتقد أن الدولة انتبهت لهذا أخيرا عن طريق لقاء وزير الزراعة مع منسقي هذه المشاريع ولقاء الوزير الأول مع منسقي هذه المشاريع كي تتبع للوزارة لأن الوزارة كانت تعمل خطة والمشروع يعمل خطة حسب ما يريد الممول وبالتالي كانت الوزارة في واد والمشاريع في واد وهذا خطير جدا لأن الدولة تتحمل ديونا بدون أثر على المواطن.
والنوع الثاني من المشاريع هي المشاريع التي تمولها الوزارة في الداخل ومعظمها مشاريع استصلاح وتعاني من إشكاليتين أولاهما غياب الخبرة الفنية لدى شركات الاستصلاح المحلية وبالتالي نلجأ إلى شركات الاستصلاح الأجنبية مع أنها غالية التكلفة مقارنة بالشركات المحلية.
فشركات الاستصلاح المحلية تقدم تكلفة المشروع بسعر أقل لكن عند استلام المشروع يعاني من بعض الاختلالات وهذه المشكلة عانت منها الكثير من المشاريع في الفترة الأخيرة، وأعتقد أن الوزارة في هذه الفترة قامت بإعادة تقييم لهذه المشاريع وتحتاج بالفعل إلى إعادة النظر في مجملها.
موقع الفكر : هناك مشروعان دشنهما الرئيس السابق في "كيك" وشيشي ما تعليقكم على طريقة استصلاحهما بطريقة شفافة؟
المهندس شيخنا بن البشير: بالنسبة لمشروع الكيك الذي دشنه الرئيس السابق محمد بن عبد العزيز كنت موجودا في تلك المنطقة عانى من بعض الإشكالات في توفير الماء والشركة التي قامت باستصلاحه لم تدرس معضل توصيل المياه وأعتقد أنه أسند إلى الجيش الوطني من أجل توصيل المياه وحدث فيه تأخر مدة ثلاثة أو أربع سنوات، وعملية التوزيع كانت على السكان المحليين ليستفيدوا منه لكن أعتقد أن المشروع لديه إشكالية فنية رغم أن الشركة الأجنبية حاولت أن تقدم خبرة فنية أكبر في مقابل الشركات المحلية لكن لديه إشكاليات في عملية الري.
بالنسبة لمشروع الشيشية فقد دشن منذ أسبوعين ولا يمكن تقويم هذه المشاريع إلا بعد مرور حملتين زراعيتين في الصيف والخريف فعندما نشاهد قنوات ري تعمل بشكل منتظم وقنوات صرف تعمل بشكل منتظم وعدم انتشار للأعشاب الضارة واستواء للقطع الأرضية نقول حينها بأن المشروع أنجز كما ينبغي، وعندما نشاهد اختلالا في نظام الصرف يؤدي إلى انتشار الأعشاب الضارة وعدم الانتظام في القطع نقول إن المشروع لديه اختلالات كبيرة وبالتالي الوقت وحده كفيل بالحكم على هذه المشاريع عندما تبدأ عمليات البذر فيها.
موقع الفكر: الشركة التي لم تستطع استصلاح مشروع الكيك هي الآن تستصلح بحيرة اركيز أليس كذلك؟
المهندس شيخنا بن البشير: تلك إشكالية أخرى، فالمكتب الذي سيستلم المشروع من المفروض أن يحرص على مطابقة المشروع للمواصفات القياسية الموجودة في دفتر الالتزامات، لكن إذا لم تلتزم الشركة بدفتر الالتزامات الموقعة معها يحدث الخلل ولذلك يجب على الدولة أن يكون لديها حرص شديد على أن تكون هذه المشاريع ذات عملية استلام مطابقة لمواصفاتها وعدم النظر للسعر مقارنة بالجودة لأن المشاريع الزراعة تصمم على مدى عشرات السنوات وليس حملة أو حملتين وتستهلك المليارات، مثل الطرق تماما فعندما نصرف على طرق جيدة يمكن أن تصمد عشر سنوات أو خمس سنوات مقارنة بطرق رديئة لا تتحمل الأوزان الثقيلة.
موقع الفكر: يقال إن الرئيس سيدشن مشروع قناة ممتدة من "دبانغو" في اتجاه لبراكنة، ما معلوماتكم عن المشروع وما أهميته؟
المهندس شيخنا بن البشير: مشروع قناة لبراكنه التي ستشق من مدينة بوغي إلى مدينة آلاك مشروع قديم من عهد الرئيس السابق وأعتقد الآن أنهم في طور البحث عن التمويل، وهو مهم جدا لأن إمكانياتنا المائية حوالي 6 مليار متر مكعب لا يوجد منها خارج النهر إلا0.5مليار متر مكعب، وهذا خطير جدا وبالتالي يجب علينا أن نزيد من استفادتنا من النهر مثلما عملنا في قناة آفطوط بكرمسين وتكون على مستوى لبراكنه وربما على مستوى كيهيدي أو الاستفادة الكبرى من سد فم لكليته وهذا السد له أهمية كبيرة ومع الأسف كان لدينا مشروع لإنتاج السكر في هذا السد وواجهته بعض المشاكل.
موقع الفكر: كيف تستفيد الدولة من سد فم لكليته؟
المهندس شيخنا بن البشير : سد فم لكليته له بعدان بعد على مستوى جلب الماء الشروب لمثلث الأمل وبدأ العمل فيه وهذا أمر إيجابي والبعد الثاني هو انطلاق مشروع زراعي كبير ونملك في هذا السد 2400 هكتار مستصلحة ولم تزرع منها هذه السنة إلا 400 هكتار ولدينا ألفي هكتار مروية وجاهزة وتحتاج إلى عملية إصلاح بسيطة إضافة إلى توجه الدولة للبحث عن شركاء في مجال زراعة قصب السكر وهو محصول استراتيجي مهم جدا.
وهنا أنبه على أن استراتيجية المحاصيل الاستراتيجية غائبة والدول كلها تهتم بها كالسكر والقمح والزيوت فنحن نستورد السكر والقمح والزيت من خارج موريتانيا وهذه المحاصيل محاصيل استراتيجية وعلى الأقل يحظى سد فم لكليته بأحد هذه المشاريع أو باثنين منها أو ثلاثة وهو سد كبير يعاني من الإهمال.
موقع الفكر: هناك منطقة تسمى منطقة كبمو بتامورت انعاج هل يمكن أن يستفاد منها في الزراعة؟
المهندس شيخنا بن البشير: بالنسبة لمنطقة تامورت النعاج منطقة واعدة في مجال زراعة القمح فمناخها ملائم جدا وتربتها جيدة وأعتقد أن بعض الزملاء من المهندسين عملوا عليها دراسة وكانت نتائجها جيدة حوالي 2 طن للهكتار وبالتالي ولاية تكانت يجب الانتباه لها بامتياز خاصة المناطق الرطبة كتامورت النعاج فهي مناطق واعدة.
كما يجب علينا أن ننشئ خريطة زراعية بديلوجية فليس لدينا معمل للتحليل، فلدينا معمل معطل في شركة صونادير بروصو ومعمل معطل بشركة قصب السكر بفم لكليته وأي دولة تطمح أن يكون لها توجه زراعي يجب عليها الانتباه لمثل هذا الخلل.
ويجب أن نعمل خريطة بيدلوجية لموريتانيا لنميز الولايات الرعوية والولايات والتي تصلح لزراعة الخضروات والولايات الصالحة للزراعة المروية والمطرية وبناء على ما سبق ننطلق في خطة خماسية أو عشرية من أجل نهضة زراعية في موريتانيا يستفيد منها المواطن في كافة الولايات و يكون عائدها الأول والأخير للمواطن حتى نتجاوز عتبة الاحتياج الغذائي ونحقق الاكتفاء الذاتي.
موقع الفكر: هذا يدفعنا إلى التساؤل هل ما زالت مزرعة امبورية تعمل؟
المهندس شيخنا بن البشير : مزرعة امبورية هي مشروع أنشأه الصينيون في سنة 1974 وكانت رائدة في بدايتها وخاصة في فترة التسعينات وتعاقبت عليها عدة تعاونيات زراعية وفي فترة معينة عملت فيها الهيئة العربية تريب لايدي وكان لي الشرف أن كنت أحد موظفيها وبعد فترة أنشأت فيها الدولة مشروعا لدمج حملة الشهادة ودمجت معهم حوالي ثلاثين مهندسا واستطاعت أن تعطي إشارة لمختلف الموريتانيين بأهمية الزراعة المروية و مشروعها في حاجة إلى إعادة تهيئة بعد كل فترة وهي تخضع لإعادة تهيئة وفيها خمس مائة هكتار للتعاونيات الزراعية أصبحت جاهزة في هذه الحملة، وبالنسبة 1600 هكتار التابعة لحملة الشهادات ما زالت تعاني من بعض الاختلالات ووعد وزير الزراعة الحالي المهندس سيدين بن أحمد أعلي بإعادة دراستها والبحث عن حلول لها، ولهذه المزرعة عائد كبير على الساكنة المحلية نتيجة لقربها من مدينة روصو وعلى العديد من أبناء البلد من مختلف المناطق الذين يعملون في مجال الزراعة.
وعلى مستوى المشاريع الزراعية لدينا أيضا شركة صونادير وكانت شركة رائدة في مجال الزراعة ويعود لها الفضل في تأسيس نهضة زراعية في بداية السبعينات والثمانينات لكن واجهتها مشاكل في السنوات الأخيرة وهي الآن في طور إعادة الهيكلة وتحتاج إلى إدخال وإدماج بعض المهندسين الزراعيين الجدد وإعادة تمويل بعض قطاعاتها وأعتقد أن الدولة عاكفة عليها.
وكذلك شركة السكر متعطلة وهي تابعة لوزارة التنمية الريفية و خطت خطوات كبيرة كانت لديها مشتلة لزراعة قصب السكر بالتعاون مع الإخوة السودانيين وأوشكت على أن تحصل على تمويل للمصنع لكن مع للأسف في اللحظة الأخيرة حدثت بعض الأمور التي أعاقت الحصول على التمويل وهي الآن تبحث عن تمويل للمصنع ووضعيتها الآن شبيهة بوضعية شركة صونادير إلا أنها لا تمتلك أراض زراعية وكانت تعمل في منطقة فم لكليته، وبالنسبة لمصنع التمور الذي يعمل في أطار ويحاول أن يخطو خطوات في تحسين إنتاج التمور لكن التحسين يتأتى عن طريق إدخال أصناف جديدة وأعتقد أن هناك اتفاقية مع دولة الإمارات العربية المتحدة تقتضي بإدخال خمسين ألف نخلة من أصناف محسنة في الإمارات إلى موريتانيا ويتم تحسين أصناف النخيل في موريتانيا من أجل تحسين هذا المنتج المهم.
و آخر شركة تتبع لوزارة التنمية هي شركة حليب انكادي وهي شركة في وضعية مالية صعبة وحسب الوزير السابق ادي بن الزين فقد تعاقد مع مكتب دولي ليقوم الشركة، ومشكلتها في أن المنمين يهجرونها في المواسم التي لا توجد فيها أمطار بينما في فصل الخريف لا توجد إشكالية فيما يتعلق بالتموين، وكانت عندها خطة لإنتاج الألبان المكثفة وتوقفت وهي الآن تنتج الألبان طويلة المدة، وقامت الدولة بمحاولة استزراع الأعلاف في مائة هكتار وكانت بادرة جيدة ونحتاج أكثر لكن كانت المشكلة في توفير المياه.
موقع الفكر: هل فكرتم في زراعة الفصة، وماذا عن مشروع الزراعة في البيوت الزجاجية؟
المهندس شيخنا بن البشير: زارعة الفصة ويقال لها الصفصفة أو البرسيم توجد منها في موريتانيا ثلاثة مشاريع مشروع انبيكة لحواش هو عبارة عن مشروع يستخدم الفصة للأعلاف، وتوجد زراغة الفصة تحت النخيل في أطار وكذلك يستخدمها مشروع شركة ثمار يقع على بعد 20 كم من مدينة روصو ومساحته أعتقد أنها حوالي ثلاثة آلاف هكتار ويستخدمون منها أربع مائة هكتار لزراعة البرسيم وذرة الأعلاف وأطلق الوزير السابق ادي بن الزين شركة لأعلاف موريتانيا ومنح لها مجلس الوزراء قطعة أرضية في منطقة كرمسين وكان هدفها أن تعطى لها أراض زراعية لإنشاء مصنع للأعلاف وأشرنا إلى أنها يجب أن تعمل في ثلاثة اتجاهات الاتجاه الأول لإنتاج الأعلاف المصنعة الاتجاه الثاني لزراعة الأعلاف والاتجاه الثالث لإنتاج الأعلاف الجافة.
بالنسبة لإشكال الخضروات إشكالية كبيرة ففي الفترة الأخيرة عانينا بسبب إغلاق معبر الكركرات مع الجارة الشمالية وكان من الآثار السلبية لهذا الإغلاق الارتفاع الكبير في أسعار الخضروات ولذلك توجهت الدولة إلى زراعة الخضروات وكان توجها على استيحاء ولم يكن ذا تأثير على الميدان ونحن في نقابة المهندسين الزراعيين اقترحنا أن تنشئ الدولة حزام بيوت حول العاصمة التي تضم مليون ومائتي ألف ساكن يعتمدون في الخضروات على ما يجلب من المغرب أو من السنغال أو الضفة. واقترحنا على مستوى الضفة أن نخصص عشرة آلاف هكتار لتغطية حاجيات سكان موريتانيا فالمنتوج الآن من الخضروات يغطي 30% من الاحتياجات ونستورد 70% من احتياجاتنا والدولة تزرع الآن ثلاثة آلف هكتار فقط والبيوت المحمية تعمل طوال السنة ووجودها حول العاصمة يلعب دورا كبيرا وقد اقترحت جهة نواكشوط الكيلومتر 17 الكيلومتر واقترحنا على جهة نواكشوط منطقة الكيلومتر 25 من أجل نقل كافة مزارع الخضروات في نواكشوط إليها من أجل سد الاحتياجات من الخضروات ولتنفيس الضغط عن مزارع المدينة. وأذكر أنه خلال زيارة الرئيس لمشروع الشيشية تدخل رئيس أرباب العمل الموريتانيين زين العابدين وأشار إلى أن هناك قطبا تنمويا بالشراكة بين الدولة ورجال الأعمال خاصة في زراعة الخضروات وذكر بأنه سيكون في التصنيع والزراعة وأنه سيكون له مخازن في تكند ونواكشوط ونحن نعول على هذا 3500 هكتار كفيلة بتخفيف الضغط على نواكشوط خاصة لو تدخلت في الزراعة بواسطة البيوت المحمية لأنها ستعمل على رفع الإنتاج وبالتالي التوسع في الإنتاج الرأسي مقارنة بالتوسع في الإنتاج الأفقي .
موقع الفكر : كيف ستسقى البيوت المحمية؟
المهندس شيخنا بن البشير: مشكلة الماء في نواكشوط أنه لا يكفي من أجل الزراعة والشرب والسبب في ذلك هو أن وزارة الزراعة في الكيلومتر 17 لم تعط من المياه ما يكفي للزراعة وهناك حلان فإما أن نستعمل راجع الماء وهي المياه غير الصالحة للشرب ولكنها كمية قليلة لكن أذكر بأن البيوت المحمية تقوم على الري بالتقطير وهي لا يحتاج إلى كمية كبيرة من المياه فالبيت المحمي يحتاج إلى 40 طن أسبوعيا وبالتالي 160 طنا للشهر وهي كمية قليلة مقارنة مع زراعة المناطق المفتوحة وهناك بديل آخر وهي تحلية المياه وفيها نسبة معينة من الأملاح تمكن معالجتها وهي معروفة بالمغرب.
موقع الفكر : هل من كلمة ختامية؟
المهندس شيخنا بن البشير : أعتقد أن الزراعة في موريتانيا تحتاج إلى سياسة طويلة ومتوسطة المدى عن طريق خطة يشرف عليها كافة الفاعلين في القطاع الزراعي من نقابات مهنية ومن فاعلين في المجال الزراعي حيث يوضع تصور لسياسة زراعية حقيقية تعتمد على مهنية القطاع و معالجة الاختلال والتخصص في القطاع الزراعي ويجب فصل الزراعة المروية عن الزراعة المطرية وزراعة الخضروات ويجب إنشاء أقطاب تنموية مهمة في مجال زراعة الخضروات والزراعة المروية وإيجاد حلول لها وعدم تركها للطريقة التقليدية ويجب كذلك التركيز على البحث العلمي فموريتانيا لديها اختلال كبير في البحث العلمي فلدينا معهد علمي واحد في مدينة كيهيدي لديه فرع في روصو غير مفعل ويجب توطيده ودعمه بمحطة في الشمال بأطار ومحطة أخرى في كنكوصه وكانت موجودة من عهد الاستعمار ويجب دعمه كذلك بكلية للزراعة في كيفه أو في الشرق. والتعليم في المجال الزراعي يجب توسيعه فلدينا المعهد العالي للتكنولوجيا ولي الشرف أني كنت أحد المدرسين فيه، ويجب التوجه لتحسين وضع الزراعة في موريتانيا.