نسائم الإشراق، الحلقة رقم (1754) 8 ديسمبر2021م، 3 جمادى الأولى 1443هـ، فقه الوسطية الإسلامية والتجديد، معالم ومنارات، الشيخ يوسف القرضاوي، الحلقة رقم (28)

– السنة تؤكد الدعوة إلى الوسطية وتثبتها: 
ومن تدبّر السنة النبوية الصحيحة، والسيرة النبوية الثابتة، تبيّن له أنها على منهج القرآن نفسه في تبنّي الوسطية المتوازنة، وتأكيد مكانتها، وتثبيت ركائزها في الحياة الإسلامية كلها، خاصة وعامة، فردية وأسرية، واجتماعية وسياسية. 
ونرى وسطية السنة تتجلى في مظاهر شتى: 
أْ- في رفض مظاهر الرهبانية وما تمثل من غلو وتشديد على النفس، في الحرمان من طيبات الحياة، ومن الزواج ،ومن العمل لعمارة الأرض .وقد روى الطبراني عن عثمان بن مظعون أنه قال: يا رسول الله، ائذن لي في الاختصاء )ليقطع الشهوة الجنسية(، فقال له: "يا عثمان إن الله قد أبدلنا بالرهبانية الحنفية السمحة" ، وروى البيهقي عن أبي أمامة: "تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة، ولا تكونوا كرهبانية النصارى" . وفي الصحيح: أن سعد بن أبي وقاص قال: ردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا . وكذلك لم يأذن لابن مسعود ولا لأبي هريرة بالاختصاء .وقاوم بشدة النزعة إلى الغلو والامتناع عن الطيبات، مثل أكل اللحم ونحوه ،فأبى عليهم. وأنزل الله تعالى: }يَا أيَّهَا الذِّينَ آمَنوُا لا تحَرِمُوا طَيباتِ مَا أحَلَّ اللَّه لَكُمْ وَلا تعْتدَوُا إِنَّ اللَّه  لا يحِبُّ الْمُعْتدِينَ { ]المائدة:87[. 
ب - كما رفض التزّمت في الموقف من اللهو والترويح والضحك والمزاح ونحوها، فكان عليه السلام يمزح ولا يقول إلا حقا، ورويت عنه مزحات في غاية من اللطف، وكان أصحابه يتمازحون ويتضاحكون، فإذا جد الجد كانوا كآساد الشرى . 
ج- وأذن في الأعراس والأعياد والمناسبات السارة أن يروّحوا عن أنفسهم ببعض الألحان والأغاني والرقصات، حتى إنه سمح للحبشة أن يرقصوا بحرابهم يوم العيد في مسجده الشريف، وقال: "حتى يعلم يهود أن في ديننا فسحة، وأني بعثت بحنيفية سمحة" ، فهي حنيفية في العقيدة، وسمحة في الأحكام.      
وأنكر عليهم أن يزُفّوا عروسا إلى زوجها دون أن يكون معها لهو. 
د - وأحلّ لهم أن يتجمّلوا مما يحبّون من الملابس والطيب وغيرها، قائلا: 
"إن الله جْميل يحب الجمال" .  
وأنكر على بعض أصحابه ممن آتاه الله المال أن لا ترى آثار النعمة عليه في ملبسه ومظهره، وقال: "إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده" . 
ه- وكان عليه الصلاة والسلام يقاوم نزعة التشديد على النفس في التعبّد صياما وقياما وذكرا وتلاوة، بحيث يجورعلى حقّ نفسه، وحقّ أهله، وحقّ مجتمعه. ويرى أن العدل أن يعطى كل ذي حق حقه، بلا طغيان ولا إخسار في الميزان، كما فعل ذلك مع عبد الله بن عمرو حين بالغ في التعبد فقال له: "إن لبدنك عليك حقا،  وإن لعينك عليك حقا،  وان لأهلك عليك حقا، وإن لزورك عليك حقا" . وفي رواية للترمذي:" فأعط كل ذي حق حقه" . 
كما ينكر على من يرفض رخصة الله له إذا كان مسافرا أو مريضاً، ومن حقّه أن يفطر، ويقضي عدة من أيام أخر    . 
و-ولا تكاد توجد كلمة )وسط( في السنّة، ولكن توجد كلمة بديلة عنها ،وهي كلمة )القصد( ومعناها: الاعتدال والتوسط، كما في القرآن في وصايا لقمان 
لابنه: }وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ { ]لقمان:19[ أي أمش مشياً معتدلاً بين الهرولة والبطء. من ذلك الحديث الصحيح:" فسددوا وقاربوا وأبشروا، واغدوا وروحوا، وشيء من الدلجة والقصد القصد تبلغوا " .