مدينة النعمة :النشأة والبنية الاجتماعية عاصمة الحوض الشرقي بموريتانيا
أسسها أبناء سيدي حمو بلحاج العلوي.
تعود نشأة مدينة النعمة حسب التاريخ المحفوظ إلى سنة 1223ه 1808م وهو ما اثبتته وثائق النعميين والولاتيين، حيث جاء في تاريخ إلايدلبي في أحداث 1223ه قوله " وفيه خروج آل مولاي صالح من ولاتة .. وبنوا قصر النعمة" وفي حولية ولاتة "وفي هذه السنة -1223ه- خرج الشرفاء آل مولاي صالح من ولاتة وبنو قصر محروسة النعمة" ويؤكد صاحب حولية النعمة محمد المصطفى آل دحان نفس التاريخ بالقول "وفي 1223ه خرج الشرفاء آل مولاي صالح من ولاتة لاثنتي عشر خلت من شعبان وخرجت معهم لبداكلة وخرج ايديلبة بعدهم لسبع عشرة خلت منه.. وبنو قصر النعمة في ذلك العام". وجاء في منح الرب الغفور للمحجوبي في احداث 1223هجرية وفيه خرج آل مولاي صالح من ولاتة وبنوا قصر النعمة على نحو مرحلتين من ولاتة"
وانفرد المؤرخ الفرنسي بول مارتي براوية عزاها لـــقبيلة ( القلاقمة ) مفادها أن أسلافهم الفارين من تمبكتو من بطش ملك السنغاي سني علي في النصف الثاني من القرن 15م ، بنوا مدينة النعمة ثم هاجروا منها ، ثم أعاد أحد أحفادهم المسمى سيدي هيبة في نهاية القرن16م بنائها، وقد ذكر البرتلي في كتابه فتح الشكور عالما قلقميا يدعي الطالب سيدي هيبة، وقال إنه دفين النعمة لكن اللافت أنه لم يتحدث عن بناء سابق، كما لم يرد في الحوليتين عند حديثهما عن تاريخ تأسيس النعمة أي ذكر لبناء قديم، ولا توجد في مرويات النعميين انفسهم حديثا عن استعانتهم ببقايا حجارة بناء سابق لمجموعة عمرت المكان قبلهم، ولعل صمت المصادر المحلية عن هذا الحادث ناتجا عن كون القلاقمة لم يبنوا قرية وإنما عمروا المكان بدواً غير مستقرين، وإلا فليس من المعقول عدم ذكر المصادر المحلية للبناء رغم أنهم ذكروا أحد مشاهيرهم مدفون فيها .
ومن الغرائب التي ذكر المؤرخ الفرنسي بول مارتي في حديثه عن تأسيس النعمة قوله إن مولاي عبد الله (شيخ العافية) بن سيدي محمد بن مولاي صالح بن مولاي الشريف بن سيدي حم بقى في ولاتة بسبب كبر سنه، علماً بأن الصخرة المنصوبة عند رأسه تؤرخ وفاته بسنة 1216ه أي قبل تأسيس النعمة بسبع سنين. وجاء في تاريخ الايديلبي في احداث 1216 " وتوفي فيه الشريف الغطريف الرئيس فاعل الخير والمعروف التقي النقي السني، سيدي مولاي عبد الله بن سيدي محمد بن مولاي صالح ليلة الاحد لخمسة خلون من شعبان" .و في تاريخ ولاتة الكبير " وفيه – أي 1216- توفي الحاج مولاي عبد الله بن سيدي محمد بن مولاي صالح الشريف الحسني"
وجاء في كتاب المحجوبي منح الرب الغفور " في احداث 1216 " وفيه توفي الحاج مولاي عبد الله بن سيدي محمد بن مولاي صالح الشريف الحسني كان رحمه الله تعالى نزيها حليما كريما سخيا منفقا في سبيل الله فعالا للمعروف والخير تقيا نقيا سنيا بصيرا بأحوال السياسة عادلا فيها ، محبا الأهل الدين معظما لهم ولا سيما اهل العلم كان له مال عظيم نفع الله به عباده حج ثلاث مرات رحمه الله تعالى ونفعنا به آمين ".
وماورد في هذه المصادر هو المنقوش على الصخرة التي ما زالت عند رأسه الى اليوم.
للتنبيه حول غرائب بول مارتي وعدم دقة معلوماته في الكثير مما ينقل عن المجتمعات البيظانية التي تناولتها دراساته المتعددة، فلينتبه الباحثون لذلك .
حكاية أخرى لا تقل غموضا عن الأولى وإن كانت غير مدونة تتعلق بالتسمية حيث تذكر أن المكان حمل لفترة اسم واد بنعمان، تسمية لم يذكرها مؤرخ واحد حسب ما اطلعنا عليه من الوثائق، كما لم نجد لها ذكرا حتى في الشعر الشعبي، ولو كانت حقيقة لما تجاهلها مؤرخو المنطقة، أو شعرائها الشعبيين خاصة أن قبيلة أولاد امبارك كان لها حضور قوي في تلك السلسلة الجبلية وأوديتها وخلد شعرائها أمكنة عديد فيها.
القبائل وتنازع ملكية النعمة.
منذ فترة قريبة اصبحت مدينة النعمة موضوع سجال بين القبائل كل تدعي ملكيتها وانها من أعطتها للشرفاء لكن لا يوجد بينهم من ادعى انه بناها، روايتان هما الأكثر تداولا إحداهما رواية قبيلة ايجمان، تقول إنهم أعطوا النعمة للشرفاء، دون تقديم دليل ولا ذكر لشخصياتهم التي قامت بذلك، ولا تفاصيل عن ملابسات الحدث أي الأسباب والدوافع؟ وهوما يسوغ التشكيك في الرواية ولعل السبب يعود للتنافس السياسي حيث أصبحت بعض القبائل تتحدث عن وجود قديم لها لإضفاء بعض الشرعية المعنوية على وجودها وهو ما يجعلنا نرشح ان تكون من باب كتابة تاريخ يوهم بقدم وجود هذه الجماعة أو تلك ولأن تاريخ تواجدهم في المنطقة يبدو حديثا نسبيا، حيث لا توجد مقابر قديمة لأسلافهم، ولا مزارات أقدم من تاريخ تأسيس الشرفاء للنعمة، وحتى أن أكثرية الاحساء التي يمتلكون حاليا في المنطقة بعضها يحمل أسماء الحقبة الزنجية "جكنياي" وبعضها تحتفظ الذاكرة بأن ملكيته لقبائل أخرى، مثل "اديادية" التي يقال إن الولي المشهور الشريف الشيخ محمد فاضل الحسني هو فاطرها وبها قبره، وإن كان الاسم يعود للحقبة الزنجية.
الى جانب سردية ايجمان توجد سردية داودية أخرى تقول إن قبيلة ايجمان اهدت المكان "للشيخ محمد لاغظف الجعفري الداودي من قبائل بني حسان وهو بدوره اهداها للشرفاء. وهذه المعلومة لا تستقيم تاريخيا، لأن الشيخ محمد الاغظف حسب بحث لحفيده الفقيه بون عال ولد أمين أم توفي1212- -1213- وهو تاريخ سابق على بناء النعمة بعقدٍ من الزمن، وهذا ما ينفي كون ايجمان اهدوها للشيخ محمد الاغظف الذي اهداها بدوره للشرفاء ، كما ان هذه المقولة تنفي كذلك دعوى ايجمان. في أنهم اعطوها للشرفاء.
وقد تحدث الايدلبي في تاريخه عن وساطة سلطان الحوض اعل بن اعمر بن اعل بن هنون بن بهدل بن محمد ازناكي لمباركي بين الشرفاء، لإنهاء الخلاف الذي كان سبب تأسيس النعمة، وقال إنه أمضى احدى وعشرين يوما في ولاتة ولم تنجح وساطته، وعلاقة بهذا الحجم مع سلطان المنطقة لا يحتاج أحد أطرافها لمن يعطيه أرضا محكومة أصلا من طرف أولاد امبارك، الذين كانوا مقربين من جناح آل مولاي صالح الذين غادروا ولاتة كما يوجد في بعض الوثائق النعمية.
رواية الشرفاء: أما رواية الشرفاء البلحاجيين الشفوية فلا تتحدث عن قبيلة اعطتهم المكان ولا عن توجههم لمكان معين من ولاتة، بل يقولون إنهم حلوا بداية بمكان يقع غرب المدينة حاليا يسمى " إِرمَاكه" على بعد (17) كلم تقريبا تمر به طريق الامل الرابطة بين العاصمة نواكشوط والنعمة ، ثم غادروها جنوبا حتى وصلوا مكانا يدعى " إِكريع لحمار بالتصغير" على بعد (20كيلو) تقريبا من النعمة، غرب الطريق الحالي الذي يربط مدينة أمرج بالنعمة ، وكان في السابق في فصل الخريف ممرا اجباريا للسيارات، لاستحالة المرور من أضاة "امات لعكاريش" الوعرة، ثم عادوا شمالا إلى المكان الحالي ، وكانت به عين مائها غزير وعذب تسمى" عين آمخول" وأصبحت تسمى "حاس مولاي إسماعيل" وما زالت موجودة وتقع في الطرف الجنوبي للبطحاء قبالة المدينة القديمة، ولعلها السبب في اختيار المكان.
ويتحدث أهل النعمة في شفوياتهم عن وجود لبدو قبيلة أولاد امبارك الحاكمة في المنطقة وتأكده بعض الوثائق "عقود بيوع ومصالحات بينية امباركية بخط كتاب وشهود من شرفاء النعمة وايديلبة،" كما أن شعرهم "اللهجي" يذكر النعمة ومجالها، ولا ننسى أن اسطورة "المونفل" الشهيرة في ادبهم تدور أحداثها عند جبل الراجاط الذي يقع جنوب المدينة على بعد (9 كلم) .
وجاءت فقرة في أطروحة تخرج جامعية بعنوان" الحياة الثقافية في النعمة" لباحث يدعى أحمد ولد مفتاح الخير، تأكد تواجد بدو أولاد امبارك في المنطقة حيث يقول "وقد بدت لهم النعمة التي كان يرتحل حولها أولاد امبارك منطقة مضيافة فاستقروا بها ولم يلبثوا أن غرسوا النخيل" وليس لدى أهل النعمة اسطورة التأسيس التي تميز جل حواضر المجال الصحراوي؟.
ويصف بول مارتي بناء النعمة بالقول " وقد بنيت النعمة في سهل فسيح يمتد على مد البصر، عند حافة "اظهر" ولاتة على الضفة اليمنى لأحد الأودية وليس للمدينة سور، غير أن بيوتها المبنية كلها بالطين والحجارة وصفائح القرميد تظهر متلاصقة ببعضها البعض من الجانب الخارجي مما يجعل منها مدينة مغلقة، وهي ذات طراز عربي، ولمعظمها طوابق من دور واحد كما للبعض طابقان في الواجهة الخارجية .. وهناك خاصية أخرى لبيوت النعمة وهي أن المدخل مقسم إلى حجرات جدرانها مزدانة برسومات غليظة، وتتغذى المدينة من آبار تتراوح أعماقها ما بين (5) إلى (10) أمتار محفورة في بطن الوادي ... وماؤها عذب وغزير، ولكل حديقة نخيل أو مزرعة تبغٍ بها بئرها أو آبارها الخاصة وإجمالا هناك ما بين (150) و(200) بئرا. "
أما التاريخ الرسمي لبناء المدينة، فيبدأ مع هجرة مجموعة من أشراف ولاتة ولحق بهم حلفائهم من قبيلتي ايديلبة وبدوكل ، ومن ذلك المزيج تكون المجتمع ، ومن تنوعه تنوعت روافد ثقافته الشعبية والعالمة ، وكان عنصر التناغم والانسجام هو الغالب عليهم حيث شكلوا إلى حد كبير ميزة نادرة في مجتمعات تلك الفترة، فأول ما يلفت الانتباه في هذا السياق هو حرصهم منذ البداية على خلق مناخ نجحوا من خلاله في تكوين مجتمع أهلي قوي متماسك لا تمثل القبيلة فيه حضورا قويا ، بل يكاد حضورها يكون معدوما ، فقد أبدلوا أدوراها على ما يبدو بما يمكن تسميته جماعة "أهل الحل والعقد " المكونة من نسيجهم الاجتماعي المختلط الأعراق والوظائف.
وتترجم وثائق المدينة قوة ذلك التنظيم ونجاحه في تسير الشأن العام وإلزامية قراراته مما جنب الكيان الجديد الدخول في صراعات قد تستدعي استجلاب أجانب لهم روابط سلالية بأحد العناصر المشكل للمجتمع الجديد فبدأت مسيرتهم يطبعها التناغم والانسجام والوحدة بشكل ملفت .
"ويتألف السكان من الشرفاء أبناء سيدي حم بلحاج العلوي وبعض الأسر الشريفية والإيديلبة والابدوكلية ، "وكانت النعمة مستقلة لا تدفع الضريبة لأي احد .. ويمارس كل سكانها من الاحرار التجارة في الساحل والحوض، وهي تجارة اقمشة النيلة والشاي والسكر، يشترونها من خاي ومدينة وباماكو وجا، بينما ينصرف الخدم لزراعة الدخن الأحمر الرفيع والخشن والدلاع والفنيو وفستق السودان والقمح والبصل والتبغ المستورد من توات .. وتملك النعمة أيضاً بضعة حدائق نخيل بديعة (400-500 نخلة) حسب بول مارتي.
الإسهام الثقافي والخصوصية.
لا يختلف إسهام أهل النعمة الثقافي عن غيرهم من سكان مدن الصحراء فقد حملوا التراث الثقافي الولاتي برتوش يبدو طابع سكان توات واضحاً عليها ، وكان المسجد أول لبنة وضعوها وهو أمر متعارف عليه لدى غالبية الشعوب المسلمة ، وبذلك لم يشكلوا استثناء ، واختاروا له المكان المناسب في الوسط ، ومعلوم أن من المسجد ينطلق الإشعاع الثقافي خاصة أن المجموعة الوافدة بها كوكبة من خيرة علماء ولاتة على رأسهم الفقيه الشهير الشيخ الكصري.
من ميزات مدينة النعمة أنها "لم تعرف... مثل غيرها من مدن الصحراء مؤسسات التدريس البدوية المعروفة باسم "المحاظر" وإنما عرفت بصورة مبكرة مدارس التعليم المستقرة ذات الطابع الحضري" ( ) وقد تجسدت هذه الظاهرة في ما يعرف ب(دار التلاميد) وهي نمط لم يكن سائداً فأصبحت تلك الدار مأوى للطلاب المحليين والوافدين، أسندوا إدارتها لأحمد بن الكصري، وكانت محط اهتمام من الكل تنظيفا واطعاماً.
كما ظهر في وقت مبكر من تاريخ المدينة حلقات تدريسٍ يمكن أن تُسمى دروس كبار الشيوخ في المسجد وفي باحاته، وحتى في البيوت ويمكن أن نذكر أربعة أسماء مثلت الأساتذة الكبار في النعمة في حقب متتالية ، وهم الكصري أحد أشهر أعلام البلاد وأحد الآباء المؤسسين، ومحمد الخرشي الايديلبي، ومحمد المصطفى بن آل دحان البدوكلي ، والشريف جعفر بن مولاي المهدي النعمي.
ويمكن إضافة ظاهرة لم تكن منتشرة في المجال البيضاني وهي عدم احتكار فئة للعلم والتعليم، كما جرت العادة في الكثير من مجتمعات الصحراء الكبرى، فقد برزت وبشكل متزامن طبقة من العلماء من كل الشرائح ، الشرفاء ومن مشاهير علمائهم يمكن أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر جعفر بن المهدي ،ومولاي عبد الرحمن بن مولاي اسماعيل ، ومولاي الحسن القاضي الملقب (باب حسن) ومن الزوايا أبناء الكصري، ومحمد الخرشي، ومحمد المصطفى آل دحان، ومن الحراطين كبير علماء اللغة اللغوي الشيخ محمد محمود بن ممادي (حرطاني) "الذي كان محمد المصطفى بن آل دحان يوجه إليه طلاب اللغة ليدرسهم جميع فنونها وخصوصا لامية الأفعال ، وكذلك عبد الرحمن الملقب عبدي ولد صنب الخطاط وهو الذي خط تاريخ وضع حجر المسجد المنقوش على الصخرة الموجودة إلى اليوم.
كان للنعميين إسهامات كبيرة جدا في الثقافة العالمة إذ يكفى أن نذكر أن صاحب النوازل الأشهر في البلاد " الكصري"" نعمي وعلى يده تخرج الرعيل الأول من علمائها، وكانت إسهاماتهم في جميع الفنون المتداولة منها "النوازل" والسجلات الفكرية، التي لم تخرج في الغالب عن المألوف في بقية المناطق، حيث ينتصر فيها كل لرأيه الخاص أو لتوجه مدرسته، وكانت المستجدات أهم روافد هذه السجالات، منها ما كان متميزا ومنها ما هو طريف في موضوعه.
من الأسماء الكبيرة التي شاركت في السجالات مع المحيط يمكن أن نذكر سجالات الفقيه الشيخ محمد يحيى بن سليمة اليونسي النعمي –من عرب بني حسان- مع الفقيه محمد الأمين بن اخطور الجكني حول قصيدة مدح بها الأخير شيخه ،واعتبره الأول قد استعمل ألفاظاً بالغ فيها، وقد قوبل رده بردود كثيرة حمل لوائها قادة المدرسة التجانية الولاتية ممثلة في أبناء الفقيه محمد يحيى الولاتي خاصة ابنه الشيخ محمد المختار الذي سبك نظما دفاعيا عن الطريقة سماه "مسرة الإخوان في الذب عن أولياء الرحمن "
ومن سجالاتهم البينية الطريفة في موضوعها، العميقة في دلالتها، النادرة في شكلها، المعبرة في مضمونها، رد سيدي محمد (سيداتي بن مولاي عبد الله الملقب باب عينينا البلحاجي ) على شيخه في العلم وبن عمه مولاي الحسن الملقب (باب حسن ) حول حلية الحيوان المعروف في اللهجة الحسانية ب"عرْ" ويسمى بالفصحى ب"حلُّوف" حيث أفتى الأول بحلّيته ، ورأى الثاني كما عليه غالبية أهل المنطقة أنه خنزير بري له حكم الخنزير المعروف، ولعل الموضوع في حد ذاته طريفا لما فيه من الخروج على المألوف.
وننقل من روائع تراثهم النثري هذا المقطع الذي نعي به آب بن عبد الرحمن بن صنبَ "حرطاني" جعفر بن المهدي حيث يقول "كان رحمه الله تعالى في العدل إماما وللدين قواما وللفقه تاجا وحساما، إن كُوثر فتُبّع في حِمَير، أو كُوبر فما كسرى وقيصر، وإن زُوحم فرِضوَى وشماما أو كُورم فما البحر والغمام، كم قام لله قوامه، ووأدٍ فيه أقامه، وغمر خاضه، وصعب راضه ،وكرب فرجه، وذكر أرجه، فطالما جاهد في الله حق جهاده ، وأجهد نفسه النفيسة في اجتهاده، يسهر لتنام العيون، ويصل الحركات ليتصل السكون ، ويُشد للحادثات الحزام ، ولا تكون سياسية إلا شد لها حيازيم الحزم، ولا رئاسة إلا اعد لها صبر أولى العزم، إلى أن حم حماه، وتقطعت أيامه، وهد طوده الشامخ ، وطوى مجده الباذخ ، فأصبح خبرا يذكر، ومظهرا لا يظهر ، كأن لم يكن للهدى جبينه، وللندى يمينه، وللعلم أعلامه، وللنهي والأمر أقلامه، وقد ظل كذلك فقيها عالما وتقيا صالحا وكريما سخيا إلى أن انتقل إلى جوار ربه صبيحة الجمعة".
وقد خلفوا –أي أهل النعمة- تراثا غنيا وعميقا على مستوى الردود الفكرية، حيث ناقش كل طرف إشكاليات عرفانية معقدة ،وكذلك الردود الفقهية على بعض فقهاء المحيط، كما تفننوا في كتابة النثر بالطريقة الأدبية على نمط مغاير لنثر الفقهاء المنتشر، وكغيرها من حواضر الصحراء لم يكن للشعر حضور كبير بها.
كان من أبرز شعرائها محمد محمود بن ممادي (الحرطاني) له مجموعة قصائد رائعة بحجم ديوان ، وسيدي محمد بن مولاي عبد الله المعروف بــ"سيداتي بن بابا عينينا".
لم يكن المجتمع النعمي بدعا عن غيره من مجتمعات مدن الصحراء، من حيث التعلق بجانب العرفان "التصوف " ذو الحضور المتميز في ولاتة ، والتي منها قدموا بالطريقة القادرية، ومن مشاهيرهم عبد الله بن الكصري، ومولاي إسماعيل ولد مولاي عبد الله شيخ العافية كما عرف المجتمع في مراحل متأخرة نسبيا الطريقة الغظفية (الشاذلية) على يد الفقيه والقاضي مولاي الحسن الملقب (باب حسن) بن مولاي عبد الله ومازلت في عقبه ومريده من النعميين، إضافة إلى الطريقة التجانية التي يعتبر أشهر علمائها في الشرق الشريف النعمي سيدي محمد الملقب سيداتي ولد باب عينين من أحفاد مولاي محمد بن سيدي حم آنف الذكر.
المصادر والمخطوطات:
حولية ولاتة
حولية النعمة
البرتلي: فتح الشكور في معرفة علماء تكرور.
المحجوبي: منح الرب الغفور في ذكر ما اهمل صاحب فتح الشكور
تاريخ الايديلبي
تاريخ ولاتة الكبير
بول مارتي قبائل البيضانية في الحوض والساحل ترجمة محمد محمود ولد ودادي.
احمد ولد مفتاح الخير الحياة الثقافية في النعمة
سيدي محمد بن جعفر رحلة الأشراف العلويين من توات إلى ولاتة نشرت في كتاب ندوة جمعية اولاد سيدي حمو بلحاج للدراسات التاريخية والثقافية بالجزائر عام 2015